بندر عبد الحميد

بندر عبد الحميد

علاء المفرجي
كنت اقرأ له سنوات الثمانينيات قبل أن أعرفه شخصياً في المجلات الثقافية السورية التي استحوذت على اهتماتنا، مثلما كان لها دور كبير في الوعي الثقافي العربي؛ مثل (الآداب الاجنبية، والمعرفة)، بل وتعمدت أن اجمع الكثير من مقالاته في الأدب والفن، ذلك إنه كان ذو ثقافة موسوعية متنوعة ويكتب بطريقة التعريف فيما يكتب.

لكن علاقتي ببندر عبد الحميد توثقت يوم عملنا في (المدى)، أنا في بغداد حيث صحيفة (المدى) في بداية تأسيسها، ومتابعة ماتنشره المدى من كتب، وهو في الشام في دار النشر، وكان من الطبيعي أن تترسخ علاقتنا التي يؤطرها عشقنا المشترك للسينما.
ومنذ 2009 وخلال مشاركاتنا في مهرجان أبو ظبي السينمائي، كنا نلتقي هناك ونتحدث عن الثقافة وكان هو مسكوناً بمتابعة ومحبة الرموز الثقافية العراقية، فاكتشفت في بندر الانسان الذي يجمع الى ثقافته الطيبة الشامية، والهدوء، شاعراً وكاتباً.
كان بندر عبد الحميد مقبلاً على كل ماهو في صميم الثقافة، وفي الوقت نفسه محباً في علاقاته الانسانية، وليس غريباً أن يتعلم القراءة والكتابة قبل أن يدخل المدرسة، ويبدو أن طفولته مع عائلته التي كانت تتنقّل في المنطقة المحاذية للحدود العراقية بين سهل سنجار في الربيع، وتل براك في الشتاء، لتسكن موقتاً في بيوت شَعر وترعى أغنامها، تنطوي على الكثير من المصاعب، فالطريق الى المدرسة والذي يقطعه سيراً وهو يمتد الى ما يقرب من عشرين كيلومتراً... كل ذلك جعل من بندر شخص يجالد، وهو ما أكسبه تلك الروية في التفكير، والهدوء.
انخرط منذ بداية السبعينيات من القرن الفائت في هموم الكتابة والأدب، حيث عمل في الكثير من الصحف.. قبل أن تسنح له فرصة الاستزادة في الصحافة في دورة في هنغاريا عام 1979 ليتفرغ بشكل كامل للكتابة والعمل فيها..
لعب بندر عبد الحميد دوراً كبيراً في إشاعة الوعي السينمائي، حيث كان من المؤسسين لمجلة (الحياة السينمائية) هذه المجلة العتيدة والتي مازالت تصدر حتى الآن، في الوقت توقفت الكثير من المجلات السينمائية العربية، فضلاً عن رئاسة تحرير سلسلة الفن السابع، التي تعد مرجعاً مهماً لكل عشاق السينما.
قالت لي د. غادة العاملي المدير العام للمدى، يوم غادرت الى بيروت لإجراء عملية في القلب ، برعاية رئيس مؤسسة المدى ، اخبرتني: "ستجد في انتظارك بندر عبد الحميد في نفس الفندق"، وكانت بالنسبة لي مفأجاة عظيمة، كم أفرحني ذلك وأزال عني الخوف والقلق من العملية، حيث لازمني قبل إجراء العملية، نتسكع في شوارع بيروت وحاناتها قبل أن أدخل الى المستشفى.
وقبل أن ارسل مخطوطة كتابي (أفلام السيرة الذاتية) للنشر في المدى مرً عند بندر الذي أصرّ من باب المحبة أن يكتب له مقدمة، بل ويضيف الى العنوان عبارة (تصوير المشاهير من زوايا مختلفة)
وطلب مني عند صدور كتابه (ساحرات السينما) أن اقرأه وأكون أول من يكتب عنه، وكان ذلك، حيث نشرت قراءة مفصلة للكتاب.
برحيل بندر عبد الحميد، فقدنا نحن المعنيين بالسينما واحداً من أهم القامات العربية في السينما، وعزاؤنا بما تركه من أثر في مجاله.