بندر عبد الحميد النبيل.. وداعاً

بندر عبد الحميد النبيل.. وداعاً

إسماعيل مروة
كان نبيلاً فوق حدود النبل، كريماً فوق ما يتخيل المرء، وكان شاعراً ومتفوقاً على شاعريته والشعر، وكان ناقداً عميقاً وبصمت، وكان وفياً كما لا يمرّ ببال أحد.. كان إنساناً مرهفاً ومتكاملاً وحراً.

بندر عبد الحميد مخلوق من طينة مختلفة، وروح متمردة وساكنة، بندر عبد الحميد يرحل فجأة، ويترك لوعة الفقد بيننا، سنوات وأنا أتردد مع صديقي الشاعر سامي أحمد إليه، ولم يحدث أنني زرته وحدي، مع أنني لم ألمس بمصافحته سوى الحب، وبقبلته سوى الصدق، لكن هيبته وهو الشاعر الذي قرأته بين شعراء السبعينيات كواحد من أهم الشعراء السوريين كانت حاضرة في كل لقاء.. أحببته كثيراً، وأحببت تعامله مع الأدب والحياة، وكتبت عنه زاوية، وأول مرة سمعته يقول لي: انتظر أن أقرأها.
نشرت الزاوية صباح الاثنين في الوقت نفسه الذي تمكنت الذبحة القلبية من قلب الشاعر النبيل، فلم يقرأ، ولم أسعد برأيه.
صباحاً سألني سماحة المفتي العام صديقي الغالي عن بندر بعد قراءة الزاوية وإعجابه بشخصه، ووطنت نفسي أن أذهب إلى سماحته مع بندر.. لكن الموت كان أسرع إلى قلب النبيل الجميل بندر.
قبل عشرة أيام اتصل بي بندر وقال: تعال نجلس معاً، وكانت المواعيد كثيرة، فقال ولو بعد منتصف الليل أنا أسهر، لم يسمح الوقت، وفي اليوم الثاني ذهبت إليه بمعية سامي، حاولت أن أعتذر لكنه قال لي: لا شيء، اشتقت لجلستنا فقط، في تلك الأمسية كان بندر مضيئاً ونبيلاً، وأسمعنا روائع عبد الوهاب وفايزة أحمد.. عصام التكروري وعابد إسماعيل وسامي أحمد وأنا في ضيافة الشاعر النبيل.. تواعدنا على لقاء قادم بعد أن اتصل الكبير أدونيس بنا من باريس، ليقول عبارة ذات حب:
ليتني معكم عند بندر في ليل دمشق الحميم!
تواعدنا على لقاء قادم، لنقرأ من شعر بندر ومختاراته الشعرية، كان دافئاً كما في كل أمسية، وإن تهيأ لي أنه كان أكثر دفئاً يومها، وكان سعيداً بالأصدقاء، أول مرة أمازحه وأسأله عن خزن أمام الباب، فأشار بيده وكأنه يستغرب وجود الخزن أمام الباب!
آه يا بندر كم سنفتقدك!
ما من باب سوى بابك بين المثقفين!
ما من قامة أطول من قامتك
ما من رجل في الثقافة يملك نبلك
سنشتاقك أيها الساكن في الأرض، الغريب عن محيط لم يكن يشبهك بأي شيء.