محمد الموجي.. صافيني مرة

محمد الموجي.. صافيني مرة

محمد السيد شوشة
كان يغني لجمهور مخمور سكير من رواد الصالات كانت آهاته تضيع في الهواء بين صياح السكارى وكانت نبرات صوته تذهب في ضجيج ليس له آخر!
كان يخرج من الصالات ليذهب الى الإذاعة ويقدم ركنا للأغاني الشعبية.. وفي ذلك وضع لحنا كان يغنيه بصوته في المسارح كما غنته بعض المطربات والمطربين فلم يقدر له النجاح..

واراد ان يعطيه لمطرب معروف لعله ينجح.. فعرضه على عبد الغني السيد ولكنه رفضه.. فعرضه مرة اخرى على فتحية احمد ولكنها رفضت ايضا..
وحار محمد الموجي ماذا يفعل في اللحن الذي وضعه.. واخيرا دفع به الى مطرب ناشئ.. كان اللحن اسمه"صافيني مرة وجافيني مرة".. وكان المطرب الناشئ هو عبد الحليم حافظ.. وكانت هذه بداية الشهرة الواسعة للمطرب.. والملحن..

يسقط في امتحان الإذاعة
وللموجي قصة كفاح طويلة.. فلقد كانت دراسته زراعية خالية من الموسيقى تماما.. تخرج من مدرسة الزراعة المتوسطة في عام 1944، وعين مهندسا وناظر زراعة في الخاصة الملكية وبقى في وظيفته عامين كاملين في بيلا وابتأي البارود.. ثم عين بعد ذلك مدرسا بوزارة التربية والتعليم. وعندما نقل الى القاهرة بدأ كفاحه من اجل الموسيقى.. فقد كان يريد ان يكون مغنيا ولذا تقدم للإذاعة في عهد المرحوم مصطفى رضا.. فرسب في الامتحان!

كازينو مخصوص!
ولكن الموجي لم ييأس.. اراد ان يغني بكل وسيلة.. فاستأجر كازينو بالبوسفور ليغني فيه.. ولكنه صدم عندما وجد ان صوته كان في كل ليلة يضيع في الهواء دون ان يصغي اليه احد.. فقد كان يغني للسكارى!.
وتقدم الموجي من جديد للإذاعة.. وفي هذه المرة لم يقبل كمطرب فحسب.. بل قبل ايضا كملحن ومشرف على ركن الأغاني الشعبية.

أول الألحان
والموجي هو الذي احتضن المطرب عبد الحليم حافظ عندما كان لا يزال ناشئا مغمورا.. كان الموجي صديقا له.. وكان يؤمن به وبمواهبه.. ولم تكن اغنية"صافيني مرة"هي اول اغاني الموجي لعبد الحليم.. بل سبقتها اغنيتان قبلها هما"ظالم"و"ياحلو يااسمر"..

هدية للعروسة
ويحكي الموجي حكايته مع اول لحن فيقول: ان اول الحاني لم يقدر له الظهور حتى الان وهو لحن وضعته لقصيدة محمود سامي البارودي"غلب الوجد عليه فبكى".. ثم اكتشفت فيما بعد ان حليم الرومي سبقني الى تلحينه وسجله في الإذاعة..
ويضحك الموجي وهو يقول: ولقد كانت المناسبة التي حملتني على تلحين هذه القصيدة هي انني كنت عريسا جديدا في ذلك الوقت.. كنت قد خطبت ابنة عمي وهي في نفس الوقت ابنة خالتي.. واردت ان اظهر لها مواهبي في التلحين وان لي صوتا جميلا لا يقل عن صوت عبد الوهاب فلحنت هذه القصيدة لاغنيها لها.. ويظهر انها اعجبت بها وقتذاك بدليل اننا تزوجنا وانجبنا ثلاثة ابناء هم أمين والموجي والحان!

موسيقى بالوراثة
ويفسر ناظر الزراعة الذي تحول من مكافحة دودة القطن الى اوتار العود.. يفسر قصة هروبه من الحقول والترع والمصارف قائلا انه لاحترف الموسيقى بالوراثة! فقد كان والده عازفا قديرا على العود ومن اصحاب الصوت الجميل! كان الموجي يجلس الى جواره ويستمع.. ثم استطاع ان يردد اغانيه على العود الى جوار الاغاني التي كان يسمعها من عبد الوهاب مثل"يا حارة الوادي"و"اللي بحب الجمال"حتى تطورت الهواية الى احتراف..

اجمل الاصوات
ويقول الموجي انه ليس له اي استاذ تتلمذ عليه او تأثر به.. وان كان لا ينكر فضل مدرسة عبدالوهاب عليه بلونه في الاداء وطريقته في التلحين.. وهو يعتبر ان اجمل صوت نسائي هو صوت ام كلثوم الذي يليه فراغ كبير تأتي بعده نجاة الصغيرة.. ويسكت الموجي ثم يقول ردا على سؤال: اما احلام فان لها صوتا دافئا عميقا.

كمال الطويل وسواس
ورأى الموجي في موسيقى كمال الطويل انها عاطفية تمتاز بالميلودي الجميل، ولكن عيب كمال انه موسوس كثير التردد عندما يلحن.. وتنقصه الثقة بنفسه برغم انه موسيقار موهوب لا جدل في ذلك..
اما رأي الموجي في الموجي فهو انه يميل في موسيقاه نحو الطرب.. ويحاول ان يعبر بها عن الروح المصرية الاصيلة.. ولا مانع عنده من مزج الموسيقى الشرقية بالموسيقى الحديثة... حتى نثبت اننا احدثنا طفرة جديدة في موسيقانا..

قصة الكفاح لم تنته..
انا ناظر الزراعة الذي هرب من دودة القطن والري والصرف قفز اجره عن اللحن الواحد من خمسة جنيهات الى ثمانين جنيها!.
ولسوف يقفز اجر الموجي في المستقبل الى رقم ابعد مدى.. فان الموسيقار الذي كان يغني للسكارى لم تنته قصة كفاحه بعد!.
م. الجـيل/ كانون الأول- 1955