اعتبره قيثارة ينشد من خلالها أنغامه..محمد الموجي أول وآخر لحن لـ العندليب

اعتبره قيثارة ينشد من خلالها أنغامه..محمد الموجي أول وآخر لحن لـ العندليب

الياس سحّاب
كانت العلاقة بين حنجرة كل من الملحن محمد الموجي، وعبد الحليم حافظ، هي المدخل الأساسي لهذه العلاقة الفنية والإنسانية الفريدة التي ربطت بينهما . ففي أول لقاء شخصي لي مع الموسيقار محمد الموجي، في منزل أحد الأصدقاء في بيروت، وكان لقاء قصيراً لم يتح لنا فيه أكثر من الاستماع إلى أغنية واحدة بصوت الموسيقار،

وهي أغنية عبد الحليم حافظ الشهيرة من ألحانه كامل الأوصاف، أذهلني ذلك الشبه العجيب بين رنين حنجرة كل من عبد الحليم والموجي، حتى كأن حنجرة عبد الحليم بدت لي الصدى الأجمل والأكثر إشراقاً لمعدن حنجرة محمد الموجي، ولأسلوبه في الغناء، أو كأن عبد الحليم حافظ كان شديد التأثر بأسلوب محمد الموجي في الأداء والإحساس، مع أن هذا الأخير لم يكن مطرباً بل ملحناً .
كان ذلك - برأيي- أساس العلاقة الفريدة التي ربطت بينهما، حتى أن الموجي كان يردد في كثير من أحاديثه الصحافية أن عبد الحليم هو القيثارة التي أنشد من خلالها ألحاني، إلا أن هذه الظاهرة، لم تكن المعلم الوحيد في تلك العلاقة الفريدة .
عندما وضع الموجي لحن صافيني مرة في أواخر الأربعينات، لم يكن عبد الحليم سوى عازف على آلة الأوبوا، التي كانت تبدو مستقبله الفني وليس الغناء.
ولما كان الموجي يطرق برفقة عبد الحليم حافظ، أبواب المطربين المشهورين في ذلك الزمن، مثل عبد الغني السيد وسواه، كان لحن الموجي يقابل بالرفض المطلق من قبل هؤلاء، ولم يخطر على بال عبد الحليم حافظ أن يغني اللحن بصوته، إلا بعد أن عجز مع صديقه الموجي عن إقناع أي مطرب مشهور بغناء اللحن . فكان لحن صافيني مرة مدخل عبد الحليم حافظ الأول إلى أسماع الجماهير وعقولهم .
فرادة العلاقة الفنية التي ربطت بين الموجي وعبد الحليم، شاءت بعد نحو الثلاثين عاماً، أن يكون لحن الموجي الشهير قارئة الفنجان، هو خاتمة الحياة الفنية لعبد الحليم حافظ، كما كانت صافيني مرة لحن الفاتحة .
هذه العلاقة الفنية الفريدة، لم تكن تمر دائماً بلحظات صفاء وود بين التوأمين . فقد كانت رغبة الموجي الجامحة للتلحين لكل صوت جميل جديد يظهر، (مثل كمال حسني ومحرم فؤاد وسواهما)، تثير غيظ عبد الحليم حافظ وغيرته، حتى يقطع علاقته نهائياً بالموجي، ولأشهر طويلة . لكن علاقة عبد الحليم حافظ الأسرية الحميمة بأسرة الموسيقار الموجي (زوجته أم أمين وأولاده) كانت دائماً مدخل عبد الحليم لعودة المياه إلى مجاريها بينه وبين الموجي، فقد كانت زوجة الموجي، تعتبر العندليب وتعامله كواحد من أبنائها .
لقد أبدع محمد الموجي في حياته ألحاناً رائعة لأصوات أشهر المطربين والمطربات في النصف الثاني من القرن العشرين، من أم كلثوم إلى فايزة أحمد ووردة ونجاة الصغيرة ومحمد قنديل ومحرم فؤاد وحتى ليلى مراد في أواخر حياتها الفنية، ومع ذلك بقي اسم الموجي أكثر ارتباطاً باسم عبد الحليم حافظ، الذي ربما أحس بقصر حياته الفنية، فزوده في مواسمه الفنية الأخيرة بثلاث روائع خالدة: يا مالكاً قلبي، رسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان .
إن العلاقة الفنية الفريدة التي كان تشد حنجرة عبد الحليم حافظ إلى ألحان محمد الموجي وحنجرته، علاقة بالغة الثراء في تاريخ الموسيقا العربية المعاصرة، لا تكفي فيها هذه الاشارات العابرة، بل تستحق أن ينكب الباحثون على كتابة أبحاث مطولة فيها.
عن: كتاب الموسيقى العربية في القرن العشرين