حسن وحسين.. قصة توأم عراقي من أرض المعارك لساحات التظاهر

حسن وحسين.. قصة توأم عراقي من أرض المعارك لساحات التظاهر

 رحمة حجة
حسن وحسين، شابان يحملان اسمين من الأكثر شيوعاً في العراق، إلا أن الحياة العادية لم تكن من نصيبهما، حيث اختارا طريقاً خارج الحدود الضيقة التي شهدت مرحلة طفولتهما.

والتوأم حسن وحسين رحم (27 عاماً)، من المتظاهرين النشطين في نقل وقائع الاحتجاجات في بغداد ومحيطها، بالكلمة والصورة والفيديو، على مدى الشهور الأربعة الماضية، ويتابعهما عشرات الآلاف في مواقع التواصل الاجتماعي.
130 يوما من الجهد والتعب والتحريض والبوستات الممولة والاتهامات المختلة والتخوين والتهديد، "صراحة تعبنا وخوّت عظامنا وكثر الشيب وتغير لون وجوهنا، اضافة الى الاصابات وترك الاهل وووو، كل هذا بس اطلع اباب الخيمة واشوف كدامي صور الشهداء استحي من روحي وتجي طاقة صمود لا ارادية".
ولعب التطابق الشكلي بين حسن وحسين، بالإضافة لارتدائهما نفس الملابس في كثير من الأحيان، وتواجدهما المستمر في ساحات التظاهر، دوراً في لفت الأنظار إليهما والفضول لمعرفة المزيد عنهما.
أجرينا حواراً هاتفياً مع حسن رحم، الذي لخصّ تجربتهما في الإعلام، واستفادتهما من التكنولوجيا الحديثة لتغطية أسرع وأقل تكلفة، وطبيعة مشاركتهما في التظاهرات المستمرة منذ أكتوبر 2019، وغير ذلك.
الصحافة "شغفنا الأساس"
يقول حسن "ولدنا في منطقة ريفية جداً جنوب مدينة الكوت مركز محافظة واسط، جنوب بغداد، وترعرعنا في بيئة زراعية ورعوية، حتى إنهاء المرحلة الثانوية".
وحين كان عمرهما 10 سنوات، فقدت العائلة الأب. لينشأ التوأم مع أختين هما إيمان وزينب في كنف الأم. وأتمّوا الدراسة الجامعية، متوزعين بين العلوم والطب والإعلام.
"الحياة لم تكن سهلة دوماً، عشنا ظروفاً صعبة، عانينا من الفقر الحاد، لكن من يملك الإصرار فإن السماء تكون معه والظروف المحيطة تذعن لرغبته" يقول حسن.
شغفهما بالمطالعة منذ الطفولة، دفعهما لإصدار جريدة مدرسية في الرابع الإعدادي، ما كان خارجاً عن المألوف بالنسبة للبيئة المحيطة. نجحت الجريدة ووصل صداها مديرية التربية في محافظة واسط، ووصل للأخوين شكرٌ منها.
"نحن توأم متطابق تماماً شكلياً وفكرياً حتى هوايتنا واهتماماتنا متشابهة، أحيانا أكتب شيئاً في تويتر أو فيسبوك، فيقول حسين (كنت سأنشره!)" يقول حسن، مضيفاً أنهما يميلان للمأكولات النباتية مثل "الدولمة والخبّاز والتمن والتشريب".
وفي جامعة واسط بمدينة الكوت، درس حسن علوم الكيمياء وحسين الطب. وبعد التخرج عمل حسين في مجاله كمساعد طبيب، فيما لم يجد حسن الفرصة المناسبة، ليقرر كل منهما الجري خلف الشغف الأساسي: الصحافة والإعلام.
يقول حسن: "الانتقال من الريف للمدينة، أعطانا الفرصة لتقريبنا من أحلامنا وطموحاتنا. وفي العادة تشكل المدينة للريفي هذه الرغبة الجامحة للاستكشاف والمعرفة وسباق الزمن لتحقيق إنجازات عديدة والتفوق أيضاً على أبناء المدينة نفسها. وهو ما حدث معنا فعلاً".
شارع المتنبي.. البداية
إقامة التوأم في الكوت أثناء الدراسة، جعلتهما أقرب للعاصمة. يقول حسن "صرنا نزور بغداد كل جمعة تقريباً، وخصوصاً شارع المتنبي. ولخالي الشاعر أحمد عبد الحسين، معارف كثر من الأدباء والرسّامين والفنانين، ما أتاح لنا بناء علاقات جديدة ومتنوعة مع مجتمع المثقفين، ومن خلال هذا التواصل عملنا مع وكالة إخبارية، بالتالي زادت زياراتنا لبغداد".
يتابع حسن "فكرة أننا توأم متطابق وفي نفس الوقت نرتدي نفس الملابس، كان شيئاً محببا بالنسبة لكل من يرانا، ما سهل علينا تشكيل علاقات واسعة مع الناس، ثم أصبحنا من مديري صفحة الخوة النظيفة ".
ما الذي ميّز هذه المرحلة؟ يقول حسن إن صفحة "الخوة النظيفة" في فيسبوك، انطلقت بالتزامن مع احتجاجات عام 2015، وشهد العام التالي 2016 دخول المحتجين للمنطقة الخضراء، وكانت صفحتنا الوحيدة التي نقلت الحدث مباشرة، خصوصاً أن القنوات العراقية بمجملها كانت تابعة للسلطة".
والجدير ذكره، أن عام 2015 شهد احتجاجات متفرقة زمنياً، بدأت في النجف والبصرة وبغداد والناصرية وغيرها، أعرب فيها الناس عن غضبهم إزاء نهب ملايين الدولارات من الخزينة العامة، منها 30 مليون دولار كانت مخصصة لقطاع الطاقة، الذي لم يوفر الخدمات اللازمة أساساً، واعتراضاً على نظام المحاصصة وسطوة السلطة الدينية على السياسية والتغطية على جرائم الفساد والفاسدين في الحكومة.
وفيما بعد كانت الاحتجاجات تطالب الحكومة بالإيفاء بوعودها في تحسين الخدمات خصوصاً الكهرباء والقضاء على الفساد.
يتابع حسن: "في 2017 قمت مع حسين بتغطية عدد من المعارك في الموصل على أرضها، لصالح صفحة الخوة النظيفة".
مراسلان حربيّان
هذه التغطية كانت علامة فارقة في مسيرة التوأم العشريني، الذي طوّع التقنيات التكنولوجية البسيطة من أجل نقل الأحداث، ليس فقط للعراقيين بل للعالم، عبر شاشة دولية.
استخدم التوأم هاتفيهما في التصوير والمونتاج والبث المباشر من مواقع المعارك في الموصل بين القوات العراقية والتحالف الدولي من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى.
يقول حسن "لا سيارات بث ولا كاميرات خاصة، عدّتنا كانت الهاتف، نصوّر ونرسل مقاطع الفيديو للصفحة كما نصوّر مباشرة. وبسبب شهرتنا بعد شهر من التغطية، تواصلت معنا قناة NRT لنعمل معها، وغطينا المعارك بشكل مهني وكنت عن طريق التلفون أيضاً أحدثهم عبر تطبيق (سكايب) للبث المباشر وأرسل لهم الفيديوهات عبر تطبيق (تلغرام) بعد التصوير والمونتاج على الهاتف".
أصبح التوأم مراسلين حربيين، وكانا "أول من صوّر دخول جامع النوري" وفق حسن. وهذا الجامع الأكثر شهرة من بين الأماكن المرتبطة بالتنظيم، حيث أعلن منه أبو بكر البغدادي، انطلاق "الخلافة"، التي أعقبها زيادة هجمات التنظيم وتوسّع سيطرته في العراق.
يضيف حسن "اتقنا المعارك، انتهينا من الموصل ثم انتقلنا للتغطية في تلعفر والحويجة والقائم. أحبّنا أهالي الموصل، خصوصا أننا نقلنا الأحداث من دون أحكام مسبقة بشكل مهني حيث كانت هناك فكرة سلبية منتشرة عنهم. نقلنا الأحداث بصوتهم، محاولين إيصاله لباقي العراقيين والعالم".
ويتابع القول "عُدنا إلى بغداد. نزعنا الدروع الواقية من الرصاص، وانضممنا مجدداً للحراك الشبابي والثقافي في شارع المتنبي، ندعو للديمقراطية والسلم الأهلي".

"نريد دولة مدنية ليبرالية"
شارك التوأم حسن وحسين بالاحتجاجات جنوبي العراق 2018، التي انطلقت من البصرة، مطالبين بتحسين الخدمات.
وفي أول تشرين الاول عام 2019، مع انطلاق الموجة الأولى من التظاهرات في ساحة التحرير ببغداد، شاركا كمتظاهرين.
يقول حسن "أكثر من 130 يوماً في الثورة، شهدنا الخطف والترويع وشيّعنا أصدقاءنا من المتظاهرين. كنّا شاهدين على الترويع والقتل بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، وعلى قمع السلطة".
ومطالبهما "نريد وطناً ذا سيادة وغير محكوم بالتدخلات الخارجية سواء من إيران أو أميركا. نريد دولة مدنية ليبرالية. أريد عراقاً حراً سيد نفسه يحكمه أبناؤه وخالياً من السلاح المنفلت، ودستوره وقوانينه تحمي حرية الاعتقاد ما لم يضر بالسلم الأهلي" يقول حسن.
ويوضح "يجب أن تحفظ القوانين حرية الاعتقاد للدينيين واللادينيين على حد سواء، فالدين حالة شخصية وفردية والمتدين ليس قيّماً بدينه على المجتمع كاملا إنما على نفسه".
ويرى حسن أن غالبية المشاركين في التظاهرات في سن المراهقة والعشرينات "قد عانوا من صدمة الإسلام السياسي بعد ديكتاتورية صدام حسين، فالإسلام السياسي أساء لجوهر الإسلام وأساء للفرد العراقي وكرامتنا".
"انتهى الخوف"
يقول حسن "نتعرض للتهديد بشكل يومي، وهو ما تعرض له غالبية النشطاء، ولاقى البعض منهم حتفهم أو تم اعتقالهم".
ويضيف "الآن، بعد مرور أشهر من ثورة حافظت على سلميتها رغم كل شيء، لم نعد خائفين، فإن قتلوا حسن أو حسين سيخرج ألف غيرنا. رأيت شباباً لا يخشون شيئاً، ومن صمد هذه المدة دون الانجرار وراء العنف سيحقق الكثير لاحقاً".
ويأمل حسن في أن تؤتي "الثورة" نتائجها ولكن ليس الآن، قائلاً "نحن وكل المتظاهرين الآن وقود لمرحلة مستقلبية، فمن سيشهد وطناً حراً ليببرالياً هم أطفالنا. والأهم أن الكثير من الخوف والمخاوف ذهبت، فالعراقيون اليوم ليسوا أنفسهم قبل أكتوبر".
وعن قلق العائلة عليهما بسبب كل آليات القمع والتهديد التي يشهدها النشطاء في التظاهرات، يقول حسن "أمي نوعاً ما تعوّدت، فتغطية معارك الموصل كانت تجعلها في حالة قلق دائم على حياتنا، والآن أهلي يحاولون قدر الإمكان أن لا ترى الأخبار كي لا يتجدد خوفها، خصوصاً أنهم ما زالوا مقيمين في قريتنا".
ما الحلم الكبير للتوأم؟ يقول حسن "نحلم بأن نصبح ذا تأثير قوي وإيجابي في الصالح العام العراقي وندافع عن حريات الشعوب".