هديب الحاج حمود المتشبع بالفكر الديمقراطي وحب الوطن

هديب الحاج حمود المتشبع بالفكر الديمقراطي وحب الوطن

د. قحطان احمد الحمداني
لم يكن هديب الحاج حمود بعد ان اصبح من اعلام الحزب الوطني الديمقراطي بمناى عن عيون الامن الذين كانوا يرصدون حركاته ونشاطاته السياسية ، فكتبوا عنه :" ان المحامي هديب من رؤساء عشيرة الحميدات ، ويجمع اقطاب المعارضة في دار ضيافته ، وما زال في رقابة مشددة " ، وفعلا فقد انتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب ،

وكان يدعو الى تشكيل جبهة وطنية من احزاب المعارضة تضم اليساريين والقوميين ، والتي تحققت عام 1957 ، من اجل الاطاحة بالنظام الملكي ، واقامة نظام وطني شعبي ديمقراطي ، وتنفيذ اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية ، وفي مقدمتها انصاف الفلاحين ، ، ومنحهم حقوقهم الطبيعية في امتلاك الارض وزرعها ، والحصول على انتاجها ، من خلال قانون الاصلاح الزراعي , وقد تعرض للاعتقال اكثر من مرة من قبل قوات الشرطة والامن ، ولكن الحاج رايح العطية من شيوخ الحميدات كان يتوسط لاخراجه من السجن بفعل علاقاته مع المسؤولين العراقيين انذاك . ولعل من اهم مآثره وهو مالك للارض منحه الفلاحين العاملين في ارضه نصف الانتاج ، بدلا من ثلث الانتاج الذي كان معمولا به في ذلك الوقت ، وبذلك فقد اكتسب شعبية كبيرة بين الفلاحين في منطقة الفرات الاوسط ، واندلعت مظاهرات فلاحية تحييه ، وتطالب بان تكون حصة الفلاحين من الغلة نصف المحصول ، وفعلا اقر مجلس الامة طلبهم ، بمناصفة الانتاج . وتقول بعض المصادر انه رغم كونه ابن ملاك فقد شارك في ثورة الفلاحين ضد الاقطاعيين عام 1954، مما جعله قريبا من الشيوعية في نظر البريطانيين .
ورشحه الحزب الوطني الديمقراطي في انتخابات مجلس النواب عام 1954 باسم الجبهة الوطنية ، لكن السلطات اعتقلته ، وحالت دون نجاحه . كما رشحه الحزب لوزارة الزراعة ، من اجل تفيذ الاصلاح الزراعي في العراق ، ، او بالاحرى رشحه السيد كامل الجادرجي رئيس الحزب في المباحثات التي جرت بينه وبين الزعيم الركن عبد الكريم قاسم بواسطة السيد رشيد مطلك ، وحين وصل السيد هديب الحاج حمود الى بغداد قبل ايام من 14تموز وقابل الجادرجي لم يخبره بترشيحه للوزارة ، وانما طلب منه البقاء في بغداد لعدة ايام ، وعدم العودة الى الشامية ، وحين اعلنت البيانات الاولى وتضمنت اسمه ، ادرك سبب نصيحة الجادرجي له بالبقاء في بغداد عدة ايام ، وعلى اية حال كان اختياره اختيارا موفقا ، فقد كان الرجل متحمسا للاصلاح الزراعي ، وقد صرح بعد بعد اسبوعين من تحمله مسؤولية الزراعة والاصلاح الزراعي في العراق ما يؤيد ايمانه بضرورة انصاف الفلاحين ، وانقاذهم من ربقة الاقطاع فقال : " لقد شعرت بان الفلاح مظلوم ، وان العهد السابق قد جار عليه ، وان رؤساء العشائر لا هم لهم الا مصالحهم ، ذلك تعسف ، والتعسف لن يدوم .. وبما ان الفلاحين يمثلون اكثرية هذا الشعب لذا فان حكومتنا الثورية لا بد ان تكون في خدمة الفلاح ، ورعاية مصالحه ." وابدى الوزير تصوره للواقع الزراعي ، وطموحاته المستقبلية بالقول : " ان الفا من الملاكين يملكون ثلثي مساحة الارض الزراعية ، وقد تزيد اقطاعيات بعض الشيوخ على 3-4 مليون دونم ، وهناك عددغير قليل ممن يملكون نصف مليون دونم . ان معظم اراضي العراق اميرية ، ونتيجة لتطبيق قانون التسوية انتقلت مساحات واسعة من الاراضي الاميرية الى الشيوخ والمتنفذين ، وادى ذلك الى حرمان الفلاحين من الاراضي . ان الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي ان ثلاثة ارباع سكان العراق يمتهنون الزراعة كحرفة او كواسطة لكسب القوت ، ولا بد من رسم الخطط الكفيلة بالاصلاح الشامل ، وستكون الخطط الرئيسية للاصلاح مبنية على دراسة الاوضاع السائدة دراسة وافية ."
لقد تراس الوزير لجنة الاصلاح الزراعي التي الفها مجلس الوزراء لدراسة الوضع الزراعي في البلاد ، واعداد لائحة قانون الاصلاح الزراعي التي كان من بين اعضائها الدكتور طلعت الشيباني ، والسيد عبد الرزاق الظاهر ، ومسعود محمد ، وقرني الدوغرمجي ، وهم من اعضاء الحزب الوطني الديمقراطي او اصدقائه ، اضافة الى فريد الاحمرالمحسوب على الحزب الحزب الشيوعي ، والذي كان اقرب الى جماعة عبد الفتاح ابراهيم من الحزب الشيوعي .
وفي 30 ايلول 1958 اذاع عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء قانون الاصلاح الزراعي رقم (30) لسنة 1958 ، الذي اقر تحديد الملكية الزراعية للملاكين ، وتوزيع الاراضي المشمولة بالقانون الى الفلاحين الذين لا يملكون ارضا زراعية ، والذي يعتبر اهم تشريع صدر في تلك المرحلة ، وعلى اثر صدور القرار ادلى الوزير بتصريح شديد اللهجة قال فيه : " ان امام صاحب الارض القديم ، وصاحب الحد الاعلى الجديد طريقين عليه ان ياخذ احدهما : فاما التجاوب مع الثورة ، والاستجابة لاهدافها في تحقيق العدالة الاجتماعية ، ومكافحة الاستغلال البغيض ، وبذلك يكون مواطنا صالحا تحترم الثورة حقوقه المشروعة ، وتسعى لتنمية انتاجه ، وتامين المستقبل الكريم له ، واما الخروج على هذا الطريق المستقيم ، فيصيح خارجا على ارادة الشعب ، مستحقا لغضبه ونقمته ، ومستهدفا لاشد العقوبات القانونية الصارمة ، وكلي امل بان احدا من المواطنين سوف لا يختار هذا الطريق الشائك الميت " .
ورغم المشاكل التي اكتنفت تطبيق القانون ، ووجود ثغرات فيه ، واتهام الحزب الشيوعي للقانون بانه برنامج البرجوازية الاولى ، فقد تم توزيع ما يقارب مليون ونصف المليون دونم من اصل اربعة ملايين ونصف المليون من الدونمات المصادرة من الملاكين والاقطاعيين . وتولى هديب الحاج حمود وزارة الاصلاح الزراعي ، اضافة الى وزارة الزراعة ، لكن الخلافات في الحزب اجبرت الوزير على تقديم الاستقالة بناءاعلى طلب رئيس الحزب ، وحين حدث انشقاق في الحزب ، وشكل محمد حديد حزبا جديدا باسم الحزب الوطني التقدمي ، آثر هديب الحاج البقاء مع جناح الجادرجي واصبح نائب الرئيس في انتخابات الحزب عام 1960 . وبعد ذلك ضعف الحزب ، وتوقفت جريدته عن الصدور .
ان هديب الحاج حمود كان عازفا عن السلطة ، وقد التزم بالانسحاب من الوزارة بناءا على طلب الحزب ، وشارك في كل نشاطات الحزب وانتخاباته ، وتحمل شظف العيش ، وبقي امينا على مبادئه ، نزيها ، لم ينزلق الى المهاترات السياسية ، ولم يتطرف ، وحين نحى بعض السياسيين منحى بعيدا عن الواقع ارتاى ان ينزوي في قريته ، ملازما كتبه واوراقه ، ويجتمع بابناء عشيرته واولاده واحفاده ، يحنوا عليهم ، ويزرع فيهم الطيب والاخلاق وحب الوطن .