بالمكشوف: ثم اقتديت بـ  8  شباط

بالمكشوف: ثم اقتديت بـ 8 شباط

 علاء حسن
الذاكرة العراقية ،تأبى نسيان أحداث الثامن من شباط عام 1963 وما تركته من تداعيات ،جسّدت حقيقة السيطرة على السلطة عبر سفك الدماء لبسط نفوذ الحزب الحاكم ، في بلد يقال عنه إنه صاحب أول مسلّة، تضم نصوصاً قانونية وضعها جدّنا حمورابي ، لتنظيم العلاقة بين أبناء المجتمع الواحد مع بيان واجباتهم تجاه السلطة ، وحقوقهم من رجال الدولة وكبار الكهنة .

بعد مرور أكثر من نصف قرن على الثامن من شباط "عروس الثورات" بحسب وصف منفذيها وقتذاك ، ثمة من يستذكر بشاعة الأحداث مع إطلاق لعنة شديدة اللهجة على جميع الأحزاب ،كونها سبب خراب البلاد والعباد. في "صباحية" عروس الثورات عرض التلفزيون الرسمي بالأسود والأبيض مشاهد تنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص بالزعيم عبد الكريم قاسم مع كبار مساعديه . عرض المشاهد على الهواء مباشرة بعث برسالة إلى من صدّق أكذوبة وجود صورة الزعيم في القمر ، لكن الكثير من العراقيين لم يصدق مقتل زعيمهم رمزهم فهو حي يرزق ، سيعود في يوم ما إلى مقره بوزارة الدفاع في باب المعظم .
المرحومة أم علي "فراك لفتة" كانت تحتج بشدة على حديث الأهل والأقارب بخصوص مقتل الزعيم ، فكانت ترد بكل قوة " ياعمة الزعيم عدل" ما دليلك يا عمة؟ فتجيب بلهجة الواثق المتأكد " بهاي عيوني شفته كبال الصحن يجدي بالكاظم " أبناء المرحومة كانوا يحاولون إقناع والدتهم بالتخلي عن فكرة عقيمة ، فأخبرها أحدهم إذا كان هذا مصير الزعيم فالموت أفضل له.
عرف العراق في تاريخه الحديث فصائل مسلحة لحماية مصالح حزبية أو قومية أو مذهبية ، أو للدفاع عن أمن النظام ، المقاومة الشعبية ،الحرس القومي ثم الجيش الشعبي .بعد عام ألفين وثلاثة ، تناسلت الفصائل في ظل نظام سياسي كسيح ،قضى على ما تبقى من مظاهر الدولة.
استمدت الفصائل المسلحة قوتها من رجال الدين ، ولإسلافهم تاريخ في دعم السلطة ضد شعبها ،ولعل تأييد مرجع شيعي لقرار رقم 13 أعطى الضوء الأخضر لعروس الثورات للتنكيل بالخصوم بتهمة الكفر والإلحاد . الزحف المقدس لاجتياح ساحات التظاهر، حفز الذاكرة العراقية لاسترجاع كوارث ،حدثت قبل نصف قرن بأدوات عناصر فرق الموت المؤمنة بمقولة " ثم اقتديت بثمانية شباط " .
المرحومة أم علي ،تخلت عن رمزها عبد الكريم قاسم، لكنها حتى آخر يوم من حياتها ، كانت تتحدث عن رحلتها الشهرية في صحراء السماوة لمواجهة ابنها البكر المعتقل في نقرة السلمان بتهمة الدفاع عن الزعيم، بعد سنوات من إطلاق سراح ابنها، فُجِعت بموته المبكر بنوبة قلبية ، واجهت عبء أحزانها بجسد أنهكته الإمراض المزمنة بأوهام أن علياً سيخبر الزعيم بحكاية أمه .
معظم العراقيين اليوم تيمموا بتراب ساحات التظاهر، جعلوا حركة الاحتجاج تزيح من ادعى إنه الرمز الأوحد في العراق ، أجهضوا مخطط فرض حكومة هزيلة ، وحمايتها بفرق الموت . المواجهة أصبحت واضحة بين شعب يريد استعادة وطنه ،وطرف آخر جعل العراق صينية "حلاوة دهين" يتقاسمها مع شركائه ، وترك للمنتفضين خيار حق الاستماع لأغنية سعدي الحلي "دنك يا حلو لا يلوحك القناص" أثناء شن الاعتداءات على ساحات التظاهر .