جيفارا  يعود.. بملامح عراقية

جيفارا يعود.. بملامح عراقية

 ماس القيسي
البطل الأسطوري، رمز التمرد الانساني بوجه الاستبداد والحكم القمعي والنزعة الاحتكارية الرأسمالية والامبريالية العالمية، بمختلف اشكالها وتوجهاتها، الفريد من نوعه ارنستو تشي جيفارا، لطالما اسرتنا حكاياته واقواله وكم تغنت به الأجيال داخل كوبا وخارجها في كل انحاء اميركا اللاتينية والعالم قاطبة، ذاك المغوار الصنديد الذي ما أن شارف على مرحلة التعليم الجامعي في طريقه ليصبح طبيبا،

حتى هبت روحه لتغير مسار دربه بعيدا، حيث ينهض الانسان من ركوده ويجابه طغيان الحاكم، فقد كان "يشعر على وجهه، بألم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا" مؤكدا على ان موطن الظلم هو موطنه. صمت جيفارا أحيانا كثيرة ليسمع الآخرين ضجيج روحه الثائرة، اذ "لم يرد أشياءً عظيمة في الحياة" بقدر ما أراد "حياة عظيمة"، يرويها حبا حقيقيا تمثله "الشعلة التي تحترق داخل ملايين من بائسي العالم المحرومين، شعلة البحث عن الحرية والحق والعدالة"، فان "القانون الذي لا يطبق" على كافة افراد المجتمع "يجب ان لا يحترم"، ولن "نستطيع ان نصبح ما نريد ببقائنا على ما نحن عليه" مالم نغير من ذواتنا بتأجيج الفطرة الإنسانية التي خلقنا لأجلها، تلك الفطرة التي ارتوت بروح الأرض فوثب الولاء بلسانه مناديا "لاتكن محايدا في حب بلادك، كن متطرفا حتى الموت" فما نفع حياة خاوية الا من قشور أجساد بشرية.
الثورة فكرة لا ترحل برحيل ابطالها، روح تنسج خيوطها من أحلام الثائرين المنتفضين الهاربين من الموت الجاثم فوق صدورهم، تقتبس كيانها من صمودهم، حراكهم ورفضهم لشرور الذل واوهام الظلام، كاسرة كل قيود الرجعية، تنصت لكبرياء المجد عازفة عن اصنام اعتادت على الانصياع لها عبر عقود مضت، فعاد تشي جيفارا حاملا شعلة الثورة الإنسانية بملامح مختلفة هذه المرة، ملامح شرقية من قلب الشرق الأوسط، بوجوه سومرية سمراء يافعة، يشع نورها من شمس عشتار وتستمد قوتها من عنفوان بابل، حيث آشور نحتت مجد العراق لوحة عريقة تزين جدران البشرية من صلب حضارة بلاد ما بين النهرين.
ثورة نلمسها في روح صفاء السراي، من استشهد مرة من اجل الوطن ومات ألف مرة متألما "على يد من يقاتل من اجلهم"، وفي ابتسامة عمر السعدون، من ناجى امه وهو ينقذ كبير السن من الجبروت "لا تحزني يا اماه، ان مت في غض الشباب، غدا سأحرض اهل القبور واجعلها ثورة تحت التراب"، ام في براءة احمد المهنا، من ابى التوقف عند حدود الزمن و"كبر بحجم الزمن حين وثقت عدسته تاريخ ثورة بالدماء، واصبح عظيما من العظماء"، او في طيب خلق ثائر الطيب، من "احترق لينير الطريق المظلم الحالك"، ام في بريق عيني نور الكناني، الذي وهب نفسه للوطن في سبيل ان "يحيا من اجله"، كما ترسخها إنسانية سارة وتحسين حيث طريقهما الثوري " ليس مفروشا بالورود" بل قد صارعا الموت بين ماضي اليم ومستقبل يكاد ان يتعافى.
عناوين عدة تزينت بها ثورة تشرين، فتارة ندعوها مصطفى وتارة أخرى علي، مرة نطلق عليها سجاد، وأخرى نشير لها بكرار، وأحيانا نستدل عليها بطه او بهاء، اشبه بحكاية اسطورية لا يمكن ان يختصرها عنوان وحيد، فنجدها تستحدث عنوانها كل يوم ولا تكتفي بل تطلب المزيد، لتدوم وتحيا، في حين قد "يتصور الاغبياء ان الثورة قابلة للهزيمة" او يعتقد البعض "ان نجم الثورة قد أفل، فإما ان يكون خائنا او متساقطا او جبانا"، لا يمكن لها الا ان تكون "قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن". شباب طموح انتفض من اجل كرامته ليحيا بحرية دون تردد وهم على يقين بان "الخائفين لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يخلقون الكرامة، والمترددين لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء"، اما أعداء الحياة فلا اكتراث لهم، ليسوا الا حطبا نشعله لتستمر ثورتنا فمن "باع بلاده وخان وطنه، مثل الذي سرق بيت ابيه ليطعم اللصوص، فلا ابوه يسامحه ولا اللص يكافئه"!