الحبوبي يكتب صفحات الجهاد والوطنية

الحبوبي يكتب صفحات الجهاد والوطنية

توفيق التميمي
وثق المؤرخون تلك اللحظة التاريخية الفاصلة من تاريخ حركات الجهاد وقياداتها لا سيما الحبوبي الثائر والعالم (يقدر على سبيل المثال عدد المقاتلين العراقيين الذين رافقوا السيد محمد سعيد الحبوبي في مسيره نحو الجناح الايمن من الجبهة الشعبية باكثر من ثلاثين الف راجل في حين لم يزد عدد الجنود العثمانيين النظاميين المشاركين في القتال في هذه الجبهة على خمسة عشر الف جندي)

حسن الاسدي ثورة النجف على الانكليز دار الحرية للطباعة بغداد 1975 ص91، كما وصفت الصحف ذلك اليوم الذي خرج فيه الحبوبي معتليا صهود جواده قاصدا ساحات الجهاد في الشعيبة وصفا بديعا ومؤثرا (والنجف لم تنس ذلك اليوم المشهود الذي اجتمع فيه عشرات الالاف من الناس ليستمعوا الى اعلان السيد الحبوبي عن عزمه على الثورة لمقاومة جيوش الاحتلال ، وللوقوق وجها لوجه .وقد استجاب الى ندائه هذا الكثير من رجالات امته البارزين من علماء وزعماء واحرار مخلصين .وانضموا اليه في ثورته المقدسة ) جريدة كل شيء البغدادية العدد 88 السنة الثانية .

قائد للعشائر العربية والكوردية
كان اقناع رجال العشائر في الالتحاق بالجهاد ضد الانكليز امرا في غاية الصعوبة والعسر، فابناء العشائر العراقية ومعهم العشائر الكوردية عانوا الامرين من اضطهاد الولاة العثمانيين وتعسفهم ،حيث اتسموا بالرعونة والغطرسة في التعامل مع المواطنين العراقيين،لكن هيبة الحبوبي وعلو مكانته جعلت ابناء العشائر الفراتية والجنوبية تؤازره وتلتف حول رايته ، ولما سارت قدما الى الميدان استجاب لندائه في جهاد الكفار معظم رجال الدين ومن مختلف الاصول العربية والايرانية.

الكورد والحفيد تحت لوائه
لحق بالحبوبي قائد جبهة الشعيبة للمقاتلين الزعيم الكوردي ( محمود الحفيد) ومعه آلاف الكورد بين سيف وفرس وراجل، فسالت الدماء العربية الكوردية وامتزجت على مذبح الشّهادة العراقية في صورة وطنية قل نظيرها في صفحات التاريخ الذي مزقته النزاعات واهواء الحكام بالتفرقة والعنصرية بعد تلك الواقعة البطولية .(كان السيد محمد سعيد الحبوبي اشد المجتهدين حماسا للجهاد ،وفي عصر 15 تشرين الثاني 1914 خرج الحبوبي من النجف في موكب يصحبه جماعة من اصحابه وكان قد تقلد سيفه والطبول تدق امامه .وبعد نزوله في كثير من المدن والعشائر وصل النصارية في منتصف كانون الثاني 1915 وكان الحبوبي اثناء مكوثه في الناصرية دائب الحركة حيث صار يتجول بين العشائر المجاورة،ويرسل اعوانه من شبان الطلبة كباقر الشبيبي وعلي الشرقي الى العشائر البعيدة لحثهم على الانضمام الى حركة الجهاد وقد وضعت الحكومة تحت تصرفه اموالا طائلة لينفقها في تجهيز العشائر فاجتمع اليه منهم خلق كثير وفي 19 شباط غادر الحبوبي سوق الشيوخ متوجها نحو الشعيبة تابعته العشائر تحملهم مئات السفن الشراعية وهي تمخر مياه بحيرة الحمار( من مذكرات محمد رضا الشبيبي نقلا عن مجلة البلاغ الكاظمية العدد الخامس السنة الرابعة.
جغرافية الجهاد
أنطلق موكبه الجهادي بواسطة السفن من الكوفة عبر الشامية وغماس والشنافية والسماوة والخضر ،ثم حط رحاله في الناصرية بعد حثه أبناء العشائر والمدن التي مر بها على الالتحاق به للجهاد فتبعه الالوف ثم إ نطلق من سوق الشيوخ في 4 ربيع الثاني 1333 ه الموافق ليوم 1915/2/19 م في موكب كبير قُدر عدده بنحو ثلاثين ألف راجل وعشرة آلاف فارس نحو الشعيبة ثم إنسحب الى الناصرية بعد هزيمة الجيش التركي في منطقة النخيلة (المعروف عن كبار المجتهدين الذين قادوا حركة الجهاد كالسيد محمد سعيد الحبوبي والسيد مهدي الحيدري والشيخ مهدي الخالصي ،انهم لم يكتفوا بانفاق المبالغ التي وضعت تحت تصرفهم على حركة الجهاد بل زادوا على ذلك فانفقوا من اموالهم الخاصة او من الحقوق الشرعية التي كانت تقدم لهم وقيل ان الحبوبي بوجه خاص كان غنيا له املاك خاصة فرهنها لكي ينفق منها على المجاهدين .)لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث د . علي الوردي ج4 ص 159

نهاية الفارس
لم يعرف الحبوبي الخوف في حياته الا مرة واحدة في اليوم الاخير الذي تشتت فيه قوات المجاهدين ومع ذلك ظل الحبوبي مع صحبه المرافقين مرابطا لوحده في مواجهة شراسة وقوة الانكليز الهمجية ، حيث كان في ذلك اليوم تنفجر القنابل بين الخيام , وهرب المجاهدون بعد ان اشيع بينهم ان القائد التركي سليمان عسكري قتل هو وضباطه جميعا , فانتشرت الفوضى بين العشائر واختل النظام وقد ثبت السيد الحبوبي مع ثلة من صحبه فلم يهربوا مع الهاربين , ثم استقر رأيهم اخيرا ان يرسلوا السيد محسن الحكيم وهو المسؤول المالي والاداري لقوات الحبوبي الى خيمة القائد ليستوضح جلية الخبر , وحاول السيد محسن الحصول على فرس ليمتطيه فلم يتمكن من ذلك لان كل واحد من المجاهدين كان محتاجا الى فرسه للنجاة بنفسه من هول المعركة، فقدم اليه الشيخ رحوم الظالمي فرسه فمضى الى خيمة القائد التركي وهو يسير بين جثث القتلى و القذائف تتطاير انفجاراتها من حوله حتى وصل الى خيمة القائد التركي فوجده مكبا على اوراقه واتضح ان الاشاعة كانت غلطة او خديعة ادت الى الهزيمة(لو اتبع القائد التركي سليمان العسكري اشارات اركانه والارشاد الذي ابداه عجمي السعدون والمجتهد السيد محمد سعيد الحبوبي وبعض رؤساء العشائر لما وقعت الكارثة لان عدد المجاهدين العرب والكورد الذين اجتمعوا كان يربو على الثمانين الفا عدا الجنود النظاميين وكانت هذه القوة تنتظر في الغبيشة منذ اكثر من ثلاثة اشهر)من مذكرات عبدالعزيز القصاب من نتائج معركة الشعيبة كان لمعركة الشعيبة الخاسرة الأثر العميق والحزين في نفوس المجاهدين , وقد اودت بحياة السيِّد محمد سعيد الحبوبي حُزناً وكمداً لما شاهده من هزيمة للمعسكر الإسلامي في الوقت الذي كان بالإمكان تحقيق النصر على الإنكليز لولا سوء تقدير وإدارة القيادة العثمانية للعمليات العسكرية ..كان هناك جروح واصابات في جسد الشهيد السيد الحبوبي وكان في حينها كبير السن حيث بلغ مطلع العقد السبعيني

استشهاده
استشهد بايام بعد واقعة معركة الشعيبة وهو على فراش الموت و المرض في بيت الحاج الشيخ عبدالكريم العضاض الكائن وسط مدينة الناصرية وكان من خاصته ومقلديه ،و قبل استشهاده بايام اكتشف الانكليز أن محور هذه الجموع من العشائر وباقي قطاعات الشعب هو العالم المجتهد المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي والذي سبب لهم خسائر كبيرة وعجل في إنسحابهم من العراق وخلق أجواء العداء ضدهم وعرقل أحتلالهم لمدينة الناصرية، كانت الهزيمة فاجعة للجيش والمجاهدين معا .فتألم المجاهدون لما حل بهم فقد سقط منهم في معركة الشعيبة ثلاثة الاف شهيد وكان الحبوبي اكثرهم تالما فقد انعكست عليه اثار الهزيمة واجهد في المعركة وليس من شك في انه قضى ليلة الهزيمة مسهدا متعبا نفسيا وبدنيا فان الهزيمة كبيرة على القائد وحين اصبح الصبح بدا مهموما منهوكا محتقن العينين كما وصفه احد جنده وابى ان يستسلم وان يركن الى الراحة بعد اعياء فمضى من جديد يجمع الفلول للقتال ثانية وقصد الناصرية لهذه الغاية (واذا جئنا الى الحبوبي الفيناه ينوء بعبء ثقيل من الهم بسبب الهزيمة الى جانب الجهاد البدني وهو شيخ يدنو من السبعين فقد هده الجهاد هدا واتعبته الشهور السبعة الثقال التي امضاها في الجهاد وعاشها كما يعيش الجندي المقاتل ايما تعب فانته الى الناصرية ونزل في دار العضاض وهم من الاشهر اسر العربية فيها ولكن القدر لم يمهله ليحقق امله الكبير فقد اشتد عليه الداء حتى الزمه الفراش فالتف حوله صحبه يشرفون على تمريضه وكان على راسهم الشرقي وما هي حتى احل منتصف حزيران 1915 فمر يومان والحبوبي طريح الفراش وممرضه وضيوفه وصحبه والناس كلهم في قلق عليه وفي صباح اليوم الثالث اربعاء ساءت صحته واصبحت تنذر بالخطر وما ان خيم الليل بظلمه الدامس حتى فاضت روح ذلك المجاهد الى بارئها في خشوع وسكينة واطمئنان وهو يردد )اما انا ففي نعيم).