ما لا يدركه أغلبُ قادة الشيعة السياسيين والدينيين..!

ما لا يدركه أغلبُ قادة الشيعة السياسيين والدينيين..!

 فارس كمال نظمي
إنهم لا يدركون أن صراع الطبقات هو أكثر أنماط الصراعات السياسية جذرية وقدرة على إحداث تغيير كلي في أنماط الوعي السياسي والبناء الاقتصادي والحراك الهوياتي والانتماء الفكري والديني، بخلاف صراع الهويات الإثنية الذي يبقى في جوهره الوظيفي هو إعادة مستمرة في تقاسم السلطة بين النخب نفسها على حساب الجمهور المغلوب على أمره، دون تبدلات جذرية.

وتبعاً لذلك، إنهم لا يدركون أن الصراع الذي يخوضه فقراء الشيعة اليوم – في حراكهم الاحتجاجي المستميت- بإسناد من فئات اجتماعية أخرى أقل تضرراً، هو صراع طبقي مصيري مكانه الأرض لا السماء، حاضنتُه التماهي بفكرة الوطن العراقي المرتجى (دولة العدل والمواطنة)، وليس صراعاً إثنياً من أجل إعلاء مذهبهم على بقية المذاهب، أو صراعاً لاهوتياً من أجل الترويج لايديولوجيا ثيوقراطية عابرة للأوطان، أو صراعاً إيهامياً لإثبات "قدسية" هذا الحزب السياسي أو ذاك الزعيم الديني.
فتشيع الفاقدين يختلف عن تشيع المالكين، إذ يستعين الفاقدون بالرمزانية الحسينية لاستعادة آدميتهم أي سيادتهم، فيما يستعين المالكون بالرمزانية نفسها لمراكمة رأس المال المسروق أي لانتهاك سيادة الفاقدين وتأبيد عبوديتهم.
ولذلك، فإنهم لا يدركون أن محاولاتهم للتشويش – المباشر وغير المباشر- على الحراك الاحتجاجي (الذي يحركه صراع الطبقات بشكل أساسي) بدعوات عاطفية من أجل "السيادة" بوصفها القضية "الأكثر" إلحاحاً، هو أمر فاقد للمعنى الموضوعي (دون أن يفقد قدرته التحشيدية الوقتية) إذ أن انتهاك السيادة لا يرتبط بوجود النفوذين الأمريكي والإيراني فحسب، بل يرتبط أصلاً بإفقار ملايين الناس واستبعادهم من تحصيل الحق العام الذي يستحقون على مدى عقود من الزمن الذليل، أي سلبهم السيادة على مصيرهم الآدمي حد سرقة الوطن من مخيلتهم، ومن ثم تفجير رؤوسهم بقنابل الغاز "السيادي" ورصاص القناصة المتربعين على ركام "السيادة".
إنهم لا يدركون أن الصراع الحالي في العراق هو في جوهره صراع من أجل انتزاع سيادة المقهورين ليس على سمائهم وأرضهم فحسب (وهذا تحصيل حاصل)، بل أيضاً على ثرواتهم وحقوقهم ومستقبلهم السياسي. وإن أي كلام شعبوي عن السيادة هو استثمار سياسي لفظي لا أكثر - في لحظة فراغ سياسي مفتوحة الاحتمالات- ما لم يبدأ باستعادة المحروم لقيمته المهدورة أي لسيادته على آدميته.
وفي النهاية، إنهم لا يدركون أن مفهوم السيادة مفهوم كلي جدلي شامل لا تمكن تجزئته إلى فروع متعددة إلا لأغراض المتاجرة السياسية والاستثمار العقائدي. فالتحرر من تسلط القوى الخارجية لا يمكن أن يتم حقاً إلا بشرط أساسي ابتدائي هو بناء نظام سياسي يتمتع بمقدار معقول من الرشاد والكفاية والنزاهة، إذ لا يمكن للعربة أن تسبق الحصان أبدا.
ولذا، فلعلهم لم يدركوا بعد أن الثورة العراقية التشرينية بزخمها التراكمي، قد اندلعت لاسترجاع الوطن الغائب بوصفه التعبير الأقصى عن السيادة بمضمونها الكلي الموحد، أي استعادة المجتمع لتحكمه بموارده وحقوقه وكرامته واستقلاله، في إطار وظيفي واحد تتزامن فيه كل العناصر التحررية سواء تلك التي تكافح الامتهان الإسلاموي الداخلي أو تلك التي تقاوم النفوذ الأجنبي الخارجي.