لماذا قُتل عبدالصمد فوراً بعد هذا الفيديو؟  ثمن أن تكون  صحافياً مشاغباً   في العراق

لماذا قُتل عبدالصمد فوراً بعد هذا الفيديو؟ ثمن أن تكون صحافياً مشاغباً في العراق

 متابعة: الاحتجاج
اغتال مسلحون مجهولون، الصحفي أحمد عبد الصمد والمصور الصحفي صفاء غالي في محافظة البصرة بعد تغطيتهما التظاهرات في المحافظة.
قال عمار عباس، وهو متظاهر من البصرة، إن "مسلحين مجهولين يستقلون سيارة رباعية الدفع، هاجموا الصحفي أحمد عبد الصمد، مراسل قناة دجلة، ومعه غالي، بعد تغطية التظاهرات المستمرة وسط مدينة البصرة".

أضاف عباس أن "المسلحين أطلقوا عدّة رصاصات من مسافة قريبة نحو عبد الصمد وغالي الذين كانا يستقلان سيارة قرب مقر قيادة الشرطة، مما أسفر عن مقتل عبد الصمد في الحال وإصابة غالي برصاصات في صدره ليفارق الحياة بعد ساعة من إصابته".
وكان الصحفي المغدور، أحمد عبد الصمد قد طرح على صفحته في "فيسبوك"، سؤالًا قال فيه، إنه "لماذا لم يُعتقل أحد من المتظاهرين الذين تظاهروا لأجل الجانب الإيراني قبل أيام أمام السفارة الأميركية"، مضيفًا "لماذا بدأت الاعتقالات الآن، ولماذا سقط الشهداء بين المتظاهرين في البصرة، ولم يتعرض أحد للمتظاهرين أمام السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء"، مبيناً "هل عرفتم الآن من الطرف الثالث".
أضاف عبد الصمد عبر الفيديو الذي نشره، أن "الأوراق قد انكشفت وصار اللعب على المكشوف، وقد عرف من هو الطرف الثالث بعد نهاية الصراع الأميركي الإيراني"، مضيفاً "مستمرون للمطالبة بوطن وتحقيق المطالب المتمثلة باختيار رئيس وزراء مستقل وإجراء انتخابات مبكرة ومحاسبة الفاسدين".
وفي مقطع سابق ، قال عبد الصمد، أن "تعمل إعلامياً في العراق فعليك أن تعرف إن الطريق ليس سالكاً"، مضيفاً "الصحفي باعتقادي لا ينقل الحدث فقط ويحمل رسالة إنسانية مؤتمن عليها ويكون بين الناس ومع الناس"، لافتاً إلى أن "عملي الصحفي يتطلب أن اتجاوز الخطوط الحمر المرسومة من الجهات الظلامية".
"وفي فديو يوثق لحظة العثور على أحمد عبد الصمد كانت هناك عبارة خطيّة هذا أحمد عبد الصّمد" أول عبارة نسمعها في فيديو تم تداولها بشكل واسع في مواقع التواصل العراقية، يوثق لحظة العثور على الإعلامي العراقي مراسل قناة دجلة الفضائية، غارقاً بدمه.
وفي إضاءة قليلة من ظُلمة ليلة العاشر من يناير، بدا المعطف الأزرق ظاهراً، وشاهداً على هويّة أحمد، وهو نفسه الذي ظهر به في آخر فيديو نشره عبر صفحته الرسمية في فيسبوك، قبل ساعات على اغتياله، برفقة زميله المصوّر الصحافي صفاء غالي، الذي قُتل معه.
صحافيّان لفظا أنفاسهما الأخيرة بهجوم مسلّح من مجهولين، على الرغم من اعتقاد الكثير من العراقيين بأنهم "معروفون"، وهم أنفسهم الذين توجّه إليهم عبد الصّمد في الفيديو الأخير، الذي صوّره بكاميرا "سيلفي" وسط التظاهرات وسط مدينة البصرة، وختمه بالقول "قضيتنا قضية وطن يالماعدكم وطن".
ولمن لم يعرف عبد الصّمد، أو يشاهد أياً من تغطياته للاحتجاجات العراقية، فها هي صفحته الرسمية، ترسم لنا صورة مختصرة عن هذه الشخصية التي تقول كلمتها وتمشي، على حد تعبير الكاتب اللبناني الرّاحل كامل مروّة، إذ بدا في جميع مقاطع الفيديو والمنشورات على صفحته غير آبه بالنتائج، أو ملقياً بالاً للتداعيات الخطرة.
وفي بداية التظاهرات العراقية بموجتيها الأولى والثانية، كان التشديد الأمني على الصحافيين من كتّاب ومصوّرين ومراسلين ميدانيين، واضحاً في ندرة النشر والكتابة عمّا يجري على الأرض، حتى بالنسبة للوكالات الدولية، التي طلبت من موظفيها التوقف عن النشر والبث من بغداد والمحافظات التي شهدت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوات الحكومية.
وكان من الملاحَظ نُدرة التغطية الإعلامية من قبل فضائيات ومواقع إعلامية عراقية، حتى أواخر نوفمبر 2019، ليقتصر الأمر على المتظاهرين النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي الذين نقلوا للعالم بشكل علني أو سرّي أبرز عمليات القمع ضدهم.
وبدا عبد الصّمد في المواجهة، يغطّي التظاهرات وينقل أصوات المتظاهرين منذ الأيام الأولى، عدا عن تغطياته الرسمية مع قناة دجلة.
ولم يتردد عبد الصمد في إشهار لسانه السليط أمام الكاميرا، ضد الفساد وتبعية الأحزاب لإيران والمماطلة في التعيينات الحكومية، في بداية الاحتجاجات ورغم الخطر المحدق بالإعلاميين، ثم تطور الحديث لمطالب أخرى وانتقادات أكثر حدّة انسجاماً مع تطوّر مطالب المتظاهرين. وإن كنّا في زمن مضى نقول إن الزخم في مواقع التواصل عادة "مبالغ به" وأقل بكثير من أرض الواقع، بدا الأمر مختلفاً في الشهر الأخير من التظاهرات العراقية، إذ كانا في انسجام تام كمؤثر ومتأثر، وهو ما ظهر جلياً بعد اغتيال عبد الصمد وغالي، حيث توجه الآلاف من متظاهري البصرة لبيت عبد الصّمد من أجل العزاء.
وبرزت الدعوات بأن تكون جنازته كما يستحق، وهو الذي قدّم روحه ثمناً لدفاعه عن التظاهرات وحق المتظاهرين بالاحتجاج والتعبير عن رأيهم، حسب العشرات ممن رثوه في مواقع التواصل.
وفي مواقع التواصل أيضاً رثى عبد الصّمد العديد من أصدقائه، إعلاميين كانوا أو نشطاء سياسيين، ونقلوا بكلماتهم صوراً أخرى من حياة الرّاحل ولو بمواقف بسيطة.
منهم الصحافي العراقي أزهر الربيعي، الذي نشر هذه الصورة مرفقاً بالإنجليزية "هذه آخر صورة التقطتها لأحمد، وقبل أن يظهر في البث المباشر، سألني (هل أعجبك الجاكيت؟ لقد اشتريته خصّيصاً لهذا البث. جاكيت جديد، حكومة جديدة".
وكتب صديقه الصحافي في وكالة فرانس برس، عمّار كريم، بالإنجليزية، مرفقاً بالنص صورة لعبد الصمد حملها المتظاهرون الذين توجهوا لمشاركة أهله العزاء "لا أستطيع تخيل أنني شهدت هذا اليوم، الذي أرى فيه صورة صديقي الصحافي العبقري أحمد عبد الصمد على لافتة فقط، إنه بالفعل لأمر صادم، وخبر مروّع. ارقد بسلام صديقي".
وفي ذات السياق، كتبت مراسلة بي بي سي في العراق وسوريا نفيسة كوهنافارد "لا يمكنني تصديق أن أحمد رحل... لا يمكن أن يكون هذا حقيقياً... كان يملك حس دعابة عالياً ومن أكثر الناس الذين قابلتهم في العراق والبصرة سخاءً. ارقد بسلام يا عزيزي. قُتل اليوم برصاص كمجهولين في البصرة".
وإن كان أكثر القتلى في التظاهرات العراقية تأثيراً وإلهاماً في نفوس العراقيين، الناشط والشاعر صفاء السّراي، فإن ليلة هذا اليوم، شهدت تفاعلاً مماثلاً مع مقتل الصحافي عبد الصمد، خصوصاً أنه تزامن مع مليونية التجديد وزيادة الزخم الثوري للتظاهرات، بعد أن خفتت بسبب الأحداث الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة.