الفقراء يزدادون في العالم

الفقراء يزدادون في العالم

إيمان محسن جاسم
أن عدد الدول الأقل نمواً ارتفع في العقود الماضية من 25 في عام 1971 إلى 48 في الفترة الحالية ، هذا ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته التي ألقاها في المؤتمر الرابع للأمم المتحدة حول الدول الأقل نمواً الذي عقد في اسطنبول بداية أيار 2011 والذي ركز على إيجاد معالجات دولية سريعة لظاهر الفقر أو الدول الفقيرة .

والدول الفقيرة هي تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار سنويا أي ما معدل دولارين في اليوم الواحد، وعددها 48 دولة معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنويا ومجمل هذه الدول تشكل نسبة 13% من سكان العالم أي بحدود 950 مليون نسمة وبزيادة عما كان عام 1971.
برنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوى رفاهية الإنسان ونوعية الحياة” هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم، أي هناك حوالي 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء.
وبالمقابل وجدنا في هذا المؤتمر من يطالب بإعادة النظر في أولويات الإنفاق في الدول المتطورة، ملاحظاً إن الإنفاق على التسلّح كبير جداً مقارنة بما يخصص للدول الأقل نمواً، وبالتالي فإن على الدول الغنية أن تقدم دعما متواصلا للدول الفقيرة والتي من الممكن أن يشكل سكانها هاجسا للكثير من الدول المتقدمة لا سيما في مجال الهجرة غير الشرعية .
وحذر من أن العالم قد يواجه تهديدات سياسية وأمنية كبيرة وتهديدات أخرى إذا لم يعالج المشاكل البنيوية مثل الجوع والأمراض وهي عوامل تساعد على الانخراط في ارتكاب الكثير من الجرائم .
وعلى الرغم من إن العراق ليس من البلدان الفقيرة وفق مفهوم الأمم المتحدة للفقر بحكم الواردات الكبيرة للبلد جراء عائدات النفط التي قفزت في الشهر الماضي لأكثر من سبعة مليارات دولار بحكم ارتفاع أسعار النفط العالمي ، إلا إن البلد يعاني من ما نسبته 16% من السكان يعيشون في حالة تشابه كثيرا ما يعيشه مواطنو البلدان الفقيرة من محدودية الدخل وانعدامه في احيانا اخرى .
بالتأكيد إن السبب الرئيس لوجود الفقراء في العراق يكمن في استفحال ظاهرة الفساد الإداري التي بدأت تأخذ منحنيات خطيرة جدا خاصة في مجالي الأمن الغذائي وأمن المواطن بسياقاته ألمعروفة من خلال المواد الغذائية الفاسدة والتي فاحت روائحها في الآونة الأخيرة والصفقات المشبوهة حتى في مجال تسليح القوات العراقية ، يضاف إلى ذلك كله ما يسببه الفساد من تشوهات اجتماعية يصعب إزالتها بسهولة .
الجانب الثاني يتمثل بعدم التوزيع العادل للموارد وعدم وجود دعم للقطاعات الصحية والاجتماعية خاصة ما يتعلق منها بدعم الأسر الفقيرة عبر مشاريع إسكان أو صحة أو غذاء وبالتالي نجد بأن المعالجات التي شهدها العراق بعد 2003 لمعالجة هذه الحالات والحد من نسبة الفقراء كانت معالجات مشوهة قائمة على تكريس الفقر عبر إتباع آليات غير دقيقة في تشخيص المشمولين برواتب الرعاية الاجتماعية وعدم مراعاة الاحتياجات الحقيقية لهذه الشرائح وعدم استيعاب قدراتهم في مشاريع صغيرة من شأنها أن ترتقي بهم اقتصاديا .
وتعتبر ستراتيجية مكافحة الفقر في المدى القصير(2011/2014) والتي اعتمدت بداية العام الجاري دون التفكير في كيفية توفير موارد خارج الموازنة من شأنها أن تفعل عمل هذه الإستراتيجية ، مع غياب تام لقاعدة المعلومات التي يمكن أن تستند اليها الجهات المسؤولة عن هذا البرنامج الخاص بمكافحة الفقر ، وربما لا يدرك أحد من القائمين على ملف معالجة الفقر بأن عوامل أخرى غير الفساد تساهم في بقاء الفقر وفي مقدمتها ضعف التعليم والوسائل المساندة له والتي تجعل الكثير من العوائل لا تعير للتعليم أهمية لأنه يصبح أحيانا مكلفا ماديا وخارج نطاق تحملها خاصة وإن مجانية التعليم في العراق لم تعد مجانية بحكم التطورات السلبية الكثيرة التي صاحبة التعليم في البلد وفي مقدمتها إهمال وزارة التربية للمدارس بحيث باتت الكثير من ( المجانيات ) تشترى من الأسواق بما فيها الكتب والقرطاسية.
لهذا نجد بأن على المختصين والمسؤولين أن يضعوا في حساباتهم الدقيقة بأن معالجة الفقر وتخفيض نسبته تتطلب أن يكون لدينا نظام تعليمي جيد ، وخدمات صحية وغذائية مدعومة من الدولة ، يضاف إلى هذا كله قاعدة بيانات دقيقة تجعلنا في منأى عن أي تجاوزات من شأنها أن تعرقل هذا المشروع وهذه الإستراتيجية المهمة جدا والتي ستقضي إن وجدت الأيدي الأمينة على كافة التشوهات الموجودة الآن في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية للمجتمع العراق بما يقلل من الفجوة الكبيرة جدا بين أغنياء البلد وفقرائه ،مع الأخذ بنظر الاعتبار بأن هنالك حالات فقر ستولد وتتنامى سنويا في البلد خاصة وإن الفقر كظاهرة عالمية ودولية أرتفع بمعدلات كبيرة خاصة مع ظهور العولمة كفكر سياسي واقتصادي قضى على الكثير من المهن والصناعات المحلية وتجاوزت أرقام البطالة المرادفة للفقر نسب جديدة في عدد كبير من دول العالم .