أقليّات العراق تلغي الاحتفال بأعيادها الدينيّة، تضامناً مع ضحايا الاحتجاجات

أقليّات العراق تلغي الاحتفال بأعيادها الدينيّة، تضامناً مع ضحايا الاحتجاجات

 سعد سلوم
في وقت كان يستعدّ فيه شباب ساحة التحرير لنصب شجرة عملاقة للاحتفال بثورتهم، تزامناً مع عيديّ الميلاد ورأس السنة الميلاديّة، أعلن المسيحيّون في العراق إلغاء الاحتفال بالعيدين، احتراماً للشهداء الذين سقطوا من المتظاهرين خلال الشهرين الماضيين.

وبعد عامين من الانتصار على تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش"، الذي ارتكب جرائم حرب وإبادة ضدّ أفراد الأقليّات الدينيّة من الإيزيديّين والمسيحيّين، يتضامن ممثّلو الأقليّات الدينيّة بعمق مع مطالب المحتجّين في ساحة التحرير وبقيّة المحافظات العراقيّة. ورغم تصاعد وتيرة العنف وعدد القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين وغموض المستقبل ومسار الأحداث التي تتّجه إليها البلاد في الفترة المقبلة، أعلنت زعامات دينيّة من الأقليّات الدينيّة تضامنها مع الحراك الشعبيّ من خلال إلغاء الاحتفال بالأعياد الدينيّة.
في هذا السياق، قرّر بطريرك بابل للكلدان الكاردينال لويس روفائيل ساكو إلغاء مظاهر الاحتفال بعيديّ الميلاد ورأس السنة الميلاديّة، احتراماً لدماء الشهداء والجرحى من المتظاهرين والقوّات الأمنيّة، وتضامناً مع أوجاع عائلاتهم وآلامها. وجاء في بيان نشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة: "لن تكون هناك أشجار ميلاد مزيّنة في الكنائس والساحات، ولا حفلات وسهرات في هذه المناسبة، ولا استقبال رسميّ للتهاني في مقرّ البطريركيّة، إنّما نكتفي بالصلاة ترحّماً على أرواح الضحايا، والدعاء بالشفاء العاجل للجرحى، وعودة الحياة الطبيعيّة إلى البلاد ونهوضها بوطن راقٍ، جامع لكلّ طوائفه وشرائحه". كما دعا لويس روفائيل ساكو في بيانه إلى "التبرّع لدور الأيتام والمستشفيات لغرض شراء المستلزمات الطبيّة للجرحى".
ثمّ عادت الكنيسة إلى نشر بيان توضيحيّ في موقعها، مؤكّدة إلغاء قداديس "ليلة" عيد الميلاد في كنائس العاصمة بغداد، نظراً إلى الأوضاع الحاليّة والأمنيّة الحسّاسة في بغداد، وقالت: "سيحتفل بالقداس نهار العيد (الأربعاء في 25 كانون الأوّل/ديسمبر)، حيث ترفع الصلوات من أجل إيجاد حلّ مُشَرِّف للأزمة القائمة، وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعيّ. وفيه نتشفّع بالدعاء ترحُّماً على أرواح الضحايا من المتظاهرين وقوّات الأمن ولأجل الشفاء العاجل للجرحى". أضافت: "نوَدُّ أن نُذكِّر الجميع بأنّنا سبق وألغينا كلّ مظاهر الاحتفالات كالحفلات الاجتماعيّة والزينة والتهاني الرسميّة، احتراماً لدماء الشهداء والجرحى وتضامناً مع عائلاتهم". وبالمثل، ألغت رئاسة طائفة الصابئة المندائيّين الاحتفال بعيدها الرئيس "عيد الازدهار"، الذي يحتفل فيه المندائيّون بـ2 تشرين الثاني/نوفمبر، وأقام المندائيّون بدلاً من ذلك صلاة جماعيّة تخلّلها الدعاء للحفاظ على العراق وتجنيب البلاد والشعب المآسي والدمار. وأشار رئيس طائفة المندائيّين ستّار جبّار حلو في لقاء صحفي إلى أنّ المندائيّين صلّوا "من أجل إحقاق المطالب المشروعة للشعب في الإصلاح والقضاء على الفساد وتوفير الخدمات وتكافؤ الفرص"، لافتاً إلى إلغاء المندائيّين في بغداد وكلّ المحافظات والعالم مراسيم الاحتفال بعيد الازدهار، والاقتصار على المراسيم الدينيّة، تضامناً مع مطالب الجماهير واحتراماً لأرواح الضحايا". وبيّنت مديرة أوقاف المندائيّين نادية فاضل أنّ المندائيّين أبدوا أعلى درجات التضامن مع مطالب الجماهير. ورغم أنّ المندائيّين في غالبيّتهم هاجروا بسبب الفوضى وسوء الأوضاع التي واجهتهم خلال السنوات الماضية، فإنّ تحقيق الإصلاح ومطالب الجماهير الواسعة قد يسهم في مجيء حكومة تمثّل إرادة الشعب، وليست انعكاساً لرغبات الأحزاب ومصالحها، وسوف ينعكس هذا الأمر إيجابيّاً على أوضاع المندائيّين داخل العراق من خلال زوال خطابات الكراهيّة وعودة الثقة بين العراقيّين من مختلف الخلفيّات الدينيّة من جهة، وعودة الثقة بالحكومة التي ستمثّل كلّ الأطياف العراقيّة من جهة أخرى، وهو أمر سيشجّع الأقليّات، لا سيّما المندائيّين خارج البلاد، على العودة، خصوصاً من ينتظرون في دول الجوار كتركيا والأردن، قبل رحلة اللاّعودة إلى الغرب. على صعيد متّصل، ألغى الإيزيديّون احتفالاتهم بعيد الصوم "إيزي"، الذي أعلنت المرجعيّة الدينيّة العليا للإيزيديّين عن وقوعه هذه السنة بـ20 من الشهر الجاري. ويسبق هذا العيد، عادة، صوم لمدّة ثلاثة أيّام، وهو يسمّى بصوم إيزيّ، ويمتنع الإيزيديّون خلاله عن الأكل من الصباح حتّى المساء. وبعد ذلك، يعلن الاحتفال بالعيد بإقامة الأفراح وتبادل الزيارات لتقديم التهاني في هذه المناسبة. وقرّرت المجالس الاجتماعيّة في منطقتيّ بعشيقة وبحزاني، اللتين تسكنهما أغلبيّة إيزيديّة، إلغاء مظاهر الاحتفالات بعيد الصوم، تضامناً واحتراماً لدماء شهداء المظاهرات في بغداد وجنوبي البلاد، واقتصار الاحتفالات على المراسيم الدينيّة فقط. وتعليقاً على هذه الخطوة، أشار محرّر وكالة "إيزيدي 24" الكاتب سامان داوود خلال حديث صحافي إلى أنّ هذه خطوة متوقّعة للتضامن مع الشباب الثائرين، الذين أجهزوا على الطائفيّة التي دمّرت البلاد، وعانى منها الإيزيديّون خلال السنوات الماضية، وعملوا على إنشاء هويّة جامعة للكلّ، وهو أمر عجزت عن تحقيقه الحكومات العراقيّة المتعاقبة، وقال: إنّ أفراد الأقليّات يشعرون اليوم بقيمة أرض يمثّلون سكّانها الأصليّين. ورغم تعرّضهم لإبادة جماعيّة خلال عام 2014 وعمليّات تهجير قسريّ متواصلة منذ عام 2003، إلاّ أنّهم شعروا بأنّ هذه الاحتجاجات أعادت لهم أرض العراق، التي لا يجدون أنفسهم روحيّاً في مكان آخر، خارجها.