قصص من ساحة التحرير..حكاية علوش حديقة و تك تكه  العجيب

قصص من ساحة التحرير..حكاية علوش حديقة و تك تكه العجيب

خضير فليح الزيدي
ما علاقة علوش بالحدائق؟ وهو فتى بروح متصحرة ووجه أسمر. يقال إن الحديقة جاءت كونه مفلساً على طول خط السنين الخمس عشرة التي مضت عليه.
حكاية علوش قبل تشرين التظاهرات في ساحة التحرير، كانت عبارة عن حكاية بسيطة غير ملفتة لأحد. فتى بسيط يعيش من تكتكه بنقل العجائز من متبضعات الخضار بـ “سوق العورة" نحو بيتوهنّ في قطاعات المدينة المتفرقة.

كل العجائز يعرفنّه كونه فتى مفلساً بروح طيبة ينقلهن بالآجل أو بأقل نقد ممكن، لذلك لقب بالحديقة لخلو جيبوه من النقد دائماً ويشرب الشاي بالآجل دائماً.
علوش عليه أن يسدد كل شهر مبلغ مائتي دولار كقسط تكتكه، لكنه يؤجل الدفع كل شهر بعد اقناع التاجر بشُح العمل، بينما كانت أمه تعينه أحيانا من تقاعدها في التسديد.
عندما حدثت الانتفاضة الشعبية هبَّ كحال بقية فتيان التكاتك وتجاوزهم للمرة الأولى حدود المدينة منطلقين بقوة نحو ساحة التحرير ومحيطها. استطاع من خلال تكتكه "الليموني" نقل الكثير من الجرحى والشهداء، حتى وإن بقيت آثار دم الشهداء على أرضية التكتك من دون أن يجرؤ على إزالتها، كالختم المقدس للاستمرار
وضع العلم في مقدمة تكتكه وخط على مؤخرته (إسعاف التحرير – نازل أسدّد مبلغ التكتك). كان يهز برأسه الصغير مع سماعة مضخمة ومثبتة فوق تكتكه بأغنية وطنية مطلعها " يعراق ترجع شي أكيد بحيلك. يضحك نهارك يا وطن وي ليلك" وعندما يصل الى مقطع" جرحك جرحنا وأنت ابونا الغالي.. منّا أطلب اللي تريده بكيفك ادلل. أنت وطنا نريدك ترجع الأول" تنزل دموع علوش نحو أرضية التكتك لتغسل بقعة الدم المتيبسة.
في يوم 27/ 10/ 2019 كعادته انطلق "علوش حديقة" الى التحرير صباحاً لكنه غيّر طريقه ونقل إحدى الطبيبات المسعفات الى بيتها في مدينة اليرموك بعد نوبة عملها في الليل لإسعاف الجرحى. هاله نظافة مدينة اليرموك التي يراها للمرة الأولى وكأنه يسيح خارج حلم الوطن. ببيوتها الفارهة وحدائقها الحقيقية الغناء، وكأن هذه الانتفاضة لا تعنيهم على الاطلاق. نظر الى السماء وعاتب ربه بثلاث من (ليش) قاسية العتب:
- ليش هيجي يا الله؟
- ليش ما كسرت خاطرك يا ربي؟
- ليش يعني دوم أظل حديقة؟
- ما تجاوب؟ بكيفك......
في هذه الاثناء فكر بالعودة إلى التحرير مباشرة ليتنفس هواء الدخانيات التي أدمن على تنفسها لتهدئ روحه قليلاً من شدة الألم. أشارت له إحدى العجائز لنقلها إلى بيتها في أطراف مدينة اليرموك قبل عودته، لكنه صادف خروج طالبات إعدادية اليرموك للبنات في تظاهرة حاشدة وتوقفن للهتاف الشهير له" عَلم أبو التكتك علم "، وتحيته بحفاوة بالغة لخرقه حظر دخول التكتك إلى مدينة الأثرياء.
نظر الى السماء وشكر ربه على سرعة الاستجابة.
ظل الهتاف يلاحقه فأخرج علمه وشاركهن التحية، لكنه إنهار في لحظة لم تخطر في باله يوماً ما. اختفى خلف التكتك وإنهار في نوبة بكاء عظمى للمرة الأولى في حياته. قفز أحد الشرطة من الرصيف المقابل واحتضنه بقوة وراح يبكي معه تعبيراً عن ضياع فكرة الوطن.
تنتهي ولم تنتهِ حكاية حديقة. ففي خمسة أيام فقط بلغت نسبة مشاهدة فيديو "علوش حديقة" المليون مشاهدة. إنه الرقم المرعب في شهرة حديقة، وهو الذي لم يتخيل شهرته يوماً ما خارج أسوار "سوق العورة".
فاتحته شركة اليوتوب لانزال الإعلانات الممولة على الفيديو الخاص مقابل نسبة أرباح هائلة لا يستطيع عدّ ما يأتيه منها. استطاع بها أن يشتري وطنه ويسدد أقساط التكتك كاملة ويرضي أمه بشراء عباءة جديدة لها.