الثورة بلا قيادات ....!

الثورة بلا قيادات ....!

 لؤي خزعل جبر
لأننا لازِلنا نُفكر بالطرائِق التقليديَّة، ولم ننفتحُ بعد على ما يجري في العالَم والعلوم، نستغرِبُ، بل ونستهجِن، حركات احتجاجيَّة بلا قيادات، فالحركات – بحسب تصورنا – لابد لها من بَطَل يُلهِب بخطاباتِهِ الناريَّة مشاعِر المُتظاهرين، ولذلك عندما نشاهِد حركات بلا قيادات نكونُ بين أن نُفتش عن قيادات خفيَّة أو أن نعتقد بعبثيَّة تلك الحركات، والأوَّل يخدِم التفسيرات التآمريَّة، بينما الثاني يخدِم المواقِف الانهزاميَّة .

بدءاً من الستينيات، أخذت تظهر في العالَم حركات من نمط فريد، عُرِفت بالحركات الاجتماعيَّة الجديدة New Social Movement، وأصبَحَت من المفاهيم الرئيسة والراسخة في العلوم الاجتماعيَّة، وقد أشرتُ لذلك في دراسات ومقالات عِدَّة، هذهِ الحركات موجةٌ حديثة، نشأت بسبب التغير العميق في البنى الاجتماعيَّة والثقافيَّة والاتصاليَّة، تقومُ على تحرُّكٌ شعبي عفوي تعددي، لا تستند إلى رؤية أيديولوجية عتيقة ولا تعتمد قيادة بطولية كارزمية، بل تولّد هي المفاهيم، وتكون هي – بجمعيتها – القيادة .
وعنوانُ المنشور هو اقتباسٌ مِن عنوان كتابٍ شهير : "الثورة بلا قيادات : كيفَ سيُبادِرُ الناس العاديون إلى تولي السلطة وتغيير السياسة في القرن الواحد والعشرين " The Leaderless Revolution لعالِم السياسة والاقتصاد البريطاني كارن روس Carne Ross، صدر سنة (2012)، وترجمه فاضِل جتكر، وصدر بالعربيَّة سنة (2017) . وفيهِ يبين باستفاضَة أنماط هذهِ الثورات، ويحلل تجارِب دوليَّة وشرق أوسطيَّة، ويحدد الآليات والغايات والديناميَّات الفاعلة في تكوين وديمومة تلك الحركات، والنجاحات الممكنة والعميقة الناتِجَة عنها . ومما وردَ فيهِ، وله أهميَّة خاصَّة في الثورة التشرينيَّة، إنَّ قوَّة تلك الثورات تنبثق من خصائِص ثلاث رئيسة : الإنسانيَّة الشموليَّة، والسلميَّة، والنموذجيَّة . فتلك الثورات تطالِب بتغييرات جذريَّة شامِلَة ذات طابع إنساني، تنطلِق من عمق عذابات الناسِ ومعاناتِهم، كما أنَّها تعتمد اللاعُنف في مواجهة السلطات الجائِرة التي تمتلك المال والسِلاح، وفي النهايَة تقدم نماذِج مثاليَّة في الواقِع الثوري، إذ تُجسد القيم التي تنادي بها في الساحات الاحتجاجيَّة، ومن خلالِ ذلك تستطيع أن تجتذِب مختلف الفئات الاجتماعيَّة، وتضع السُلطات أمام تحديات حقيقيَّة .
نلاحِظُ إنَّ هذهِ الخصائص توافرت بشكل كبير في الثورة التشرينية، كما نلاحظ أنَّ تركيز السلطات كان على ضرب هذهِ الخصائِص، ابتداءً بالتشكيك بإنسانيتها، وعفويتها، والقول بلاواقعيَّة واستحالة تحقيق مطالبها الشمولية، ثم محاوَلَة جر الحركة إلى التصادُم، والتخلي عن السلميَّة، بطرائق كثيرة، وأخيراً، الطعن بفضائليَّة وأخلاقيَّة ومثاليَّة الحركة، عبر التركيز على أحداثٍ تثلِم النموذجيَّة .
علينا أن نبدأ في التفكير خارِج الصندوق المُغلَق الضيق، فالعالَم يشهد تغيرات بنيويَّة !!
وعلى الثائرين أن يحافظوا على شموليتهم الإنسانيَّة، وسلميتهم، ومثاليتهم !!!!