المثقفون: حكم التاريخ قاسٍ في تسجيل مواقف كل مثقف تجاه ما يتعرض له العراقيون

المثقفون: حكم التاريخ قاسٍ في تسجيل مواقف كل مثقف تجاه ما يتعرض له العراقيون

 علاء المفرجي
في الحراك الشعبي الأخير تفاعل المثقف بدراية العارف مع طبيعة المحركات لهذا النوع من الحِراك ، أسبابها ومبتغياتها ، ومن ثم توصيف الحلول الناجعة ، وهكذا أشارَ وكتبَ وساهمَ ميدانياً لأنه فرد من المجتمع وليس فرداً في المجتمع ، إلّا أن هذا التفاعل لم يكن في الحد المطلق ، كون التباين في مواقف المثقفين مازال يحدُّ من تكوين الرؤية الواحدة نتيجة لتشعب المنابع الثقافية والفكرية والسياسية وقوّة سطوة السياسي الطاغية التي ترى الفهم للتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية بمنظار آيديولوجي واحد بعيداً عن المتغيرات العالمية .

الاحتجاج رصدت اراء عدد من المثقفين:
خالد خضير: انحسار الوسائل النضالية (العتيقة)
التاريخ مواقف، والمثقفون في طليعة أصحاب المواقف من المشكلات الوطنية والاجتماعية، سواء انخرطوا في الحراك الاجتماعي كما يوصي كرامشي، او التزموا عدم الانخراط في الحراك الاجتماعي، حسب (جوليان باندا) في كتابه الشهير (سقوط الاكليروس)، وكلا الخيارين، يسعى لإبداء الرأي في مختلف الشؤون الإجتماعيّة، وإن نأى بنفسه عن المشاركة في حراك مجتمعه، أو إنتاج حلول وتطبيقها.
أتذكر، بداية تظاهرات مصر، سجلت صحيفة (أخبار الأدب)، بعضَ المواقف المتخاذلة المنشورة لبعض كتّاب مصر بداية الاحتجاجات المصرية التي أطاحت، بعدها بمبارك، وسجلت الصحيفة التحولات التدريجية لخطاب هؤلاء، من معارضة الاحتجاجات الشعبية بصراحة، الى الحيادية، والتوفيقية، ثم التاييد (الثوروي) المفضوح، والمضحك/المبكي معاً عندما ظهرت بوادر نجاح الاحتجاجات، وها نحن نرى بعض (المشتغلين بالشان الثقافي)، وهم يساوقون خطاباتهم مع المناسيب الثورية للشارع العراقي، فبعد أن كانوا ينشرون مواقف مضادة للتظاهرات، ثم تلبسوا خطاب النصح بالسلمية وغيرها مما تؤاخذ عليه التظاهرات من وجهة نظرهم، وأخيراً بدأت تنفرج أسارير منشوراتهم، وقد يتحولون أخيرأ الى الأدعاء بأنهم قادة للاحتجاجات!.
إن حكم التاريخ قاس في تسجيل مواقف كل مثقف تجاه ما يتعرض له العراقيون من إبادة، وترويع، وهم يطالبون بحقوقهم، ويطالبون بانهاء الفساد الذي اعترف به أربابه، وقادة كتله، أنفسهم.
إن التظاهرات، التي هي أقوى وسائل الاحتجاج الاجتماعي السلمي، لا يمكن أن يؤدي فعلها الجماهيري الآن دون تغطيتها إعلاميا، ومتابعتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي هي أقوى وسيلة إعلام جماهيرية رغم كل مساوئها من ناحية ضعف الصدقية، إلا إنها تمتاز بسرعتها الفائقة في نقل المعلومة والرأي، وهي لا تحتاج وسائل إنتاج معقدة؛ فيكفي لإنتاجها موبايل بمواصفات عادية، وإن أهم نقاط قوتها إنها محمية دولياً فلا تتمكن الدول من حضرها دون عواقب، وخسائر اقتصادية جسيمة، ودون احتجاج دولي ضدها..

عبدالكريم يحيى الزيباري : قلوبهم مع ثوار تشرين
أمام حكومةٍ عاجزة قلقة خائفة، فقدت توازنها واحترامها وشرعيتها الدولية، ما زال موقف بعض الأدباء والإعلاميين عدم الاكتراث، وبعضهم تنقلوا كالقرود من حزبٍ إلى آخر، ومن قناةٍ فضائية إلى أخرى ومن جريدة إلى أخرى، براغماتيين يصعدون سيارة الذي يدفع أكثر، والثوار لا يدفعون شيئاً ولا يَعِدونَ بشيء، بالتالي سيظلُّ يجعجع ويدين شباب التحرير، لأنَّهم يلوثون بدمائهم الزكيَّة سيرة وملابس الفاسدين الخُضر. ربما يحتاج هؤلاء إلى التاريخ ليفهموا ما يجري في بغداد، وعلاقته بتغييرات ما بعد 2003، والربيع العربي ومآلاته التي انتهت بإشاعة موجة ثورية في روح الشباب الذي يعاني الفقر والحرمان. لأكثر من عقدين توحَّدت أوروبا ضد الثورة الفرنسية للحيلولة دون تكرارها، وبعد هزيمة نابليون 1815، فهمت ألمانيا وبريطانيا أنَّ مَسار التاريخ قد تغير وأنْ لا مَنَاص من إصلاح النظام السياسي، واندلعت موجة ثورية في دولٍ أخرى لم تفهم: إسبانيا والبرتغال وروسيا وإيطاليا 1820 ضد النظام الملكي الدستوري، وثارت اليونان 1821 ضد الحكم العثماني، واستمرت الأجواء الثورية ضد نظام النبلاء 1830- 1845.
يكاد يتَّفِق المثقفون في ميل قلوبهم إلى شباب تشرين، الذين وصلَوا درجةً من البؤسِ، لا يبالون بالموت معها، لكنَّ عقول المنتفعين منهم مليئة بالوَساوس والشكوك: ماذا سيحدث لنا إذا حدث التغيير؟ ماذا ستفعل بنا الخضراء إذا وقفنا مع الثوار وفشلت الثورة؟ كذلك كان الناس مع الإمام الحسين، كما وصفهم الفرزدق (قلوبهم معك وسيوفهم عليك)، القلوب مع الحق، لكن العَجَزَةَ يؤثرون المصلحة ويخاف المخاطر .

صادق الجمل: المثقف هو الاستثناء
لم يكن المثقف العراقي بعيداً عن الهم العراقي فقد قدم الكثير من الأفكار والرؤى حول ما يحدث بل وقد قرأ المشهد قبل حدوثه واستقرأ المستقبل وتنبأ بما حدث من خلال الروايات والقصائد والقص وقدم الشهداء حيال ذلك وكلنا نذكر اغتيال الدكتور علاء المجذوب بسبب ذلك وكذلك الشاعر رحيم المالكي وآخرين رحمهم الله، ولن ينس الشعب العراقي ذلك فقد كانوا ومازالوا شمعة أنارت الدرب الوطني الشريف. المثقف العراقي مرآة للأجيال تسير خلف إبداعاته وكما قال سارتر أن يكون للمثقف في مجتمعه موقف المعارض الذي يساهم في كشف الزيف والخداع لأنه أي المثقف هو الاستثناء بين الناس يكتشف ما خفي عنهم بسبب إدراكه ووعيه من خلال تجارب الأمم كي تكون الصورة واضحة كشمس الظهيرة لمن في عينه رمد ويذكر لنا التاريخ مواقف كثيرة حول ذلك ربما أكثرها نصوعاً موقف الشاعر الكبير دعبل الخزاعي وهو يحمل صليبه على كتفه مطارداً من قبل السلطة ونحن اليوم وبين ظهرانينا الشاعر الكبير مظفر النواب أطال الله في عمره والشواهد كثيرة كالكاتب المرحوم غائب طعمة فرمان والجواهري الكبير والقائمة تطول...