أحد أنشطة مخيم حديقة الأمة..ملعب كرة طائرة على الشاطئ الفاصل ما بين جسري السنك والجمهورية

أحد أنشطة مخيم حديقة الأمة..ملعب كرة طائرة على الشاطئ الفاصل ما بين جسري السنك والجمهورية

 ماس القيسي
الموت قد يوقف حياة شخص لكن لن يقضي على فكرة زرعها في أرض خصبة تنبض بالحياة لتنبت شجرة تعلو وتسمو بأغصان من عنفوان، تصارع الانحناء جراء رياح عاتية وتأبى الخضوع تحت وطأة حجر رُميَ على بعد أميال عن مكنون الوطن المنشود.

جهود جمعتها حسن النوايا وحب الانتماء والهوية والاندفاع الإنساني المحض لتتبلور على هيئة مخيم، مفعم بالأعمال والأنشطة الحيوية التي تضفي ألقاً حضارياً على ساحة التحرير وما حولها من أنفاق وما يجاورها من شواطئ تتوسط جسور الثورة، وبهذا الصدد التقينا يوسف الفهد، مؤسس مخيم (حديقة الأمة) خلف نصب الحرية في ساحة التحرير وأحد القائمين عليه، إذ يقول:" أنا مهندس اتصالات من مواليد ،1986 متزوج ولدي طفلة، مقيم في أربيل ومعتصم هنا منذ 44 يوماً، ومسؤول عن هذا المخيم". ويتحدث لنا عن بداية فكرة تأسيس مشروع المخيم بقوله:" في بادئ الأمر تحديداً في يوم السادس والعشرين من اكتوبر، أتيت الى هنا من أربيل بصفتي متظاهراً داعماً ومتضامناً مع إخوتي الثائرين، والذين سقطوا شهداء في بداية الانتفاضة، إذ بدأت فكرتي بخيمة وحيدة، كوني أساسا صاحب شركة سياحية متخصصة بخدمات التخييم، ثم بمرور الوقت وبمساعدة الأصدقاء تطورت الفكرة وأصبح لدينا مخيم كامل".
وعن الأنشطة التي يقدمها المخيم يقول يوسف:" مخيمنا ينقسم لستة أقسام رئيسة، وهي الطبابة والدعم اللوجستي الذي يشمل أقسام التغذية و الألبسة المفروشات والأغطية وأدوات السلامة المهنية، إذ قمنا بتوزيع عدد من أجهزة إطفاء الحرائق على جميع المفارز الطبية في الساحة والمطعم التركي، و قسم التنظيف بالإضافة الى قسم حملة (نبني وطن) حيث أسسنا ما يقارب 20 حماماً رجالياً ونسائياً، كمرافق صحية واستحمام". مشيراً الى أن المفرزة في المخيم بمثابة مذخر طبي كامل يهتم بتوزيع كافة المستلزمات والأدوية على بقية المفارز في الساحة وما حولها.
لم يقتصر مخيم حديقة الأمة على تقديم الخدمات اللوجستية، وإنما اشتمل أيضاً على إقامة أنشطة فنية تكرس روح الحياة في المشهد الثوري كما يضيف يوسف قائلاً:" ضمن مشروع حملة ( نبني وطن) الذي اهتم به أنا شخصياً، قمنا بتأسيس النافورات في حديقة الامة، وأسسنا إنارة شاملة لنصب الحرية بعد التنسيق والاتفاق مع بلدية بغداد" ما يؤكد على أن مشروع إنارة النصب قد تم بموافقات رسمية وبالتعاون مع مدير أمانة العاصمة، ولكن ما حدث من جدل حوله فقد صدر عن وزارة الثقافة، لكن بقيت الإنارة على وضعها حتى الآن، وذلك تسليماً لرغبة الجمهور العراقي الذي نالت إعجابه.
أفكار اخرى تعكس مدى سلمية التظاهر ووعي الحراك الشبابي لانتفاضة تشرين، معبراً يوسف بذلك عن رسالته قائلاً:" اقترحنا أفكار ترسخ فكرة سلمية ثورتنا، إذ قمنا بتنصيب لوحة بعنوان (أحب التحرير) باللغة الانكليزية، بارتفاع مترين في الساحة، كما طرحنا فكرة تنصيب شجرة (كرسمس) مغطاة بالعلم العراقي كرمزية لأرواح شهداء الثورة، تحمل صورهم لكنها قيد التنفيذ حتى الآن" منوهاً الى أن فكرة إقامة شجرة الميلاد في التحرير تهدف إلى ربط أعياد الميلاد بالانتفاضة، باعتبار أن هذه الفترة تشهد تسليط ضوء إعلامي وهو يستهدف جذب الانتباه للمشهد الثوري إعلامياً من أجل ايصال رسالة الثورة للجميع.
ومن ضمن الأنشطة التي اقيمت يستأنف يوسف بقوله:" قبل أيام قمنا بإقامة مشروع حفل شواء ما يقارب 60 سمكة، شكلت أكبر حلقة سمك (مسكوف) على ضفاف نهر دجلة، ونشاط رياضي آخر رغبت بإدراجه، لكوني كنت أقيم في تايلند وأمارس رياضة الكرة الرملية، ولأن طبيعة الرمل هنا على ضفاف النهر مناسبة فارتأينا أن نقوم بتنظيف الشاطئ ما بين جسري السنك والجمهورية وتهيئته بإحضار شاحنة (شفل) من خارج التحرير، وتصميم الفكرة التي لاقت رواجاً جماهيرياً ودعماً لوجستياً من قبل الدكتورة شهباء عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي حيث أمدت المشروع بكل ما يلزم".
نشاط رياضي متكامل شهد حضوراً شبابياً من أندية رياضية إذ يقول يوسف مضيفاً:" لدي صديقة من لاعبي كرة الطائرة أحضرت لنا فرق رياضية من المحترفين، قاموا بلعب مباريات فردية وجماعية تزامناً مع افتتاح الملعب، كما ننوي إجراء دوري محلي مستقبلاً" مؤكداً على أن هذا النشاط يستهدف شريحة الشباب من المتظاهرين المتواجدين على الشاطئ بمختلف مستوياتهم وطبقاتهم الاجتماعية، بغية جمعهم مع شباب التحرير لترسيخ روح التعايش والألفة بين الجميع إناثاً وذكوراً. ويختتم حديثه قائلاً:" سنبقى مستمرون من خلال أفكارنا ومقترحاتنا، نحن سلميون و هدفنا الوحيد هو بناء الوطن".
شاب عراقي يافع لا ينقصه أي شيء من مقومات الحياة، اختار ترك عائلته لشهر ونصف وأكثر، في سبيل المشاركة في حراك وطني سلمي بحت لأهداف حضارية توعوية وفكرية، بنية تكريس قيم نبيلة من قيم ثورات الشعوب المشروعة في كل الأعراف الانسانية، نموذج حي وقدوة لا يكاد أن يكون فريد من نوعه فمثله الكثير من شبابنا المثقف النخبوي الذي يهبط من برج الحضارة العاجي ملامساً صلب المجتمع ليثبت وجوده بتطبيق أفكاره على أرض الواقع الثوري العراقي في وقتنا الراهن.