عدنان حسين..مقاتل من أجل حرية الصحافة

عدنان حسين..مقاتل من أجل حرية الصحافة

د. حسين الهنداوي
كان لقائي الاول مع الكاتب الراحل عدنان حسين في خريف 1966 وفي كلية الآداب خلال تبادل حديث عابر وكنّا معاً، آنذاك، اعضاء في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، الوطني الهوية الثوري القلب والجوارح. أدبه الجم المقترن بتريث فطري لا يضاهيه الا تعطشه المبكر الى التماهي مع مهنة العمل الصحفي الارقى والاكثر حرية، مع واقعية معلنة، مستلهما كل ما في الفكر الديمقراطي اليساري من اغراء البحث عن التسامي والمثالية الى ابعد حدود الممكن.

واتذكر ببهجة مشاركته يافعا في اضراب طلبة جامعة بغداد، وجهده المتميز ، وعبر جريدة (الصحافة) التي اصدرها مع رفاق له في قسم الصحافة بالجامعة، في انجاح الانتخابات الطلابية لعام 1967، والتي اعتبرت الأصدق تعبيرا في تاريخ العراق كله آنذاك ليس لأن ذلك الاتحاد اليساري العتيد فاز بنسبة 76 في المائة من الاصوات في تلك الانتخابات التي الغت نتائجها الحكومة العسكرية العارفية في نفس اليوم، انما ايضا لأن جيلا جديدا من كتاب وطنيين اشداء، وعدنان حسين في مقدمتهم، ولد منذ تلك التجربة النضالية الرائدة وسيتصدى بصمود حيوي دفاعا عن حرية الشعب العراقي وعن حرية الصحافة بشكل خاصة.
تلك الانتخابات ونتائجها كشفت عن تطلع المواطن العراقي الى الحياة الديمقراطية الكريمة والحريات والتحرر ما عجل عمليا بعودة الفاشية البعثية الى الحكم اثر انقلاب 17 تموز 1968، فيما كان لها ثمن جسيم على الكتاب والفنانين والصحفيين الاحرار الذين تعرضوا الى الاضطهاد والاعتقال والحرمان من العمل. وهكذا فقد تحمل عدنان حسين فترة قاسية من التهديد بالتصفية بعد تخرجه من قسم الصحافة بجامعة بغداد عام 1970 وعانى الحرمان والتهديد داخل العراق حتى اضطراره على مغادرة العراق مشرداً عام 1980 الى بيروت ثم إلى دمشق وبعدها الى لندن عام 1990 حيث بدأ حياة اكثر استقرارا وطموحا على الصعيد الحياتي والمهني الا انه ظل ينزف ألماً اسمهُ العراق...
ومن الخصال الاخرى التي تميز بها عدنان حسين على رفاقه، روحه المدنية المترفعة على العصبيات الحزبية والفئوية والنزوات الاستعلائية القومية والمهنية والايديولوجية فيما ظل ضمان حرية وكرامة الصحفيين شاغله الأول على اكثر من صعيد كما تثبته جهوده الكبيرة والمثابرة في تأسيس ورئاسة النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين وتطويرها كي تكون وتنهض كمؤسسة نقابية راقية وأمينة ومستقلة حقا في الدفاع عن حقوق وحريات الصحفيين العراقيين ومناهضة كل إجراء من شأنه تقييد حرية التعبير والتضييق على الحق في الحصول على المعلومة معتبرا ان إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي يمثل عدوانا بذاته على حرية التعبير فضلا عن كونه إجراء غير مجد، ومذكرا دائما بانه ورغم كل إجراءات صدام حسين بمنع التقاط البث التلفزيوني الفضائي والإنترنت.. "لم ينجح في حفظ نظامه الى الأبد"، لأن "الدولة الناجحة هي التي ترد على أعدائها بالشفافية وبالمزيد من الشفافية وليس بإقامة الأسوار".
بهذه الروحية الوطنية المسؤولة وبنفس الافكار الاولى التي الهمتنا اياها الحركة اليسارية العراقية في عصرها الذهبي قبل نحو نصف قرن، سيقول عدنان حسين لنا في آخر مناسبة لليوم العالمي لحرية الصحافة: "لا ديمقراطية من دون حرية التعبير، ولا حرية تعبير من دون حرية الصحافة، ولا حرية صحافة من دون حرية تدفق المعلومات المقترن بحرية الوصول الى المعلومات وبحرية نشر المعلومات على ان يكون كل هذا حقاً ليس للصحفيين وعموم الإعلاميين حسب، وإنما لكل المواطنين.
وداعا صديقي ابا فرح، لكنه سيظل حزينا يوم رحيلك هذا، ايها المقاتل الباسل من أجل حرية الصحافة والصحفيين، والوطني الجريء في مقارعة البرابرة والاوباش القدامى والجدد من من كل جنس ومن اي جحر قادمون.