متظاهرو العراق يتساءلون : أين ذهبت أموال النفط ؟

متظاهرو العراق يتساءلون : أين ذهبت أموال النفط ؟

 ترجمة حامد أحمد
اجتاحت بغداد وبقية محافظات الجنوب موجات من احتجاجات عنيفة يردد فيها متظاهرون شعارات تدعو لاسقاط مؤسسة سياسية يتهموها بأنها لم تقدم شيء نافع لهم منذ استلامها للسلطة قبل 16 عاماً . وما يغذي حالة الثوران هذه هو الغضب حول اقتصاد بلد غني بأموال النفط فشل بتوفير فرص عمل أو تحسين أحوال معيشة شباب من الذين يشكلون غالبية المحتجين الذين نزلوا الى الشوارع . يقولون انهم سئموا من فساد حكومة لا تبالي وخدمات دون المستوى المطلوب.

320 شخصاً على الاقل لقي حتفه مع تعرض آلاف آخرين لجروح منذ اندلاع الاحتجاجات في 1 تشرين الاول .
هدى ، ناشطة من مدينة البصرة التي تشكل حصة الأسد من الانتاج النفطي في العراق ، تقول " البطالة والفقر منتشران في المدينة ولكننا يوميا نرى لهب نيران آبار النفط ، أين تذهب هذه الملايين من الدولارات ؟ "
إنه سؤال جيد . يشكل النفط ما يقارب من 85 الى 90% من عوائد الدولة . من المتوقع إن تصل ميزانية البلد الفدرالية لهذا العام الى 79 مليار دولار من عوائد نفط مستندة على معدل تصدير يبلغ 3.88 مليون برميل باليوم وبسعر تقريبي يبلغ 56 دولار للبرميل . واستنادا الى البنك الدولي فان اقتصاد العراق تحسن في العام 2019 بسبب زيادة بانتاج النفط ، ومن المتوقع أن ينمو معدل الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 4.6% بحلول نهاية العام .
خبراء ومسؤولون ذكروا لوكالة ، اسوشييتدبرس ، إن عامة الشعب العراقي نادراً ما لمسوا ثمار هذه الثروة بسبب سوء ادارة مالية وفساد وعدم كفاءة حكومية بسبب البيروقراطية . واستنادا لتخمينات البنك الدولي فان نسبة البطالة الكلية بلغت بحدود 11% في حين يعيش 22% من السكان في حالة فقر . وهناك نسبة صادمة هو أن ثلث شباب العراق يعيشون بدون وظيفة أو فرصة عمل .
علي المولوي ، رئيس مركز البيان للابحاث في بغداد ، يقول " أحدى المشاكل الرئيسية هو أن ثروة النفط تنفق على القطاع العام وخصوصاً على رواتب الموظفين ."
نظام المحاصصة الطائفية التي ينتهجها العراق في توزيع مناصب السلطة يعزز بشكل كبير سيطرة النخب السياسية على مؤسسات الدولة استناداً على تنازلات واتفاقات غير رسمية مهمشين بذلك دور البرلمان وتغييب دور الشعب العراقي في هذه المهمة .
على أرض الواقع لعبت هذه الديناميكية دوراً عبر نظام الكوتا ، أو المحاصصة ، حيث يتم خلالها توزيع الموارد بين زعماء كتل سياسية ، يتنازع كل واحد منهم لتوسيع شبكة المحسوبية وبناء قاعدة مؤيدين له . ولتحقيق ذلك يقوم قادة بتنفيذ حملة دعائية لهم من خلال التصدق بوظائف حكومية لكسب ولاء الاخرين .
هذا التكتيك عمل على انتفاخ القطاع العام الذي يقوم بدوره بتجفيف ميزانية العراق المعتمدة على النفط ، حيث لايبقى شيء للاستثمار في مشاريع بنى تحتية مهمة واحتياجات اجتماعية ضرورية .
وقال المولوي " هذا هو النهج المعتمد . المحسوبية مبنية بشكل اساسي على تخصيص وظائف بدلاً من أي شيء آخر . إنه الطريق الرئيس لتوزيع الموارد ، وهو من خلال القطاع العام ." في ميزانية عام 2019 شكلت تخصيصات القطاع العام ما يقارب من 40% من نفقات الدولة .
واستناداً الى بحث المولوي فإنه عقب سقوط نظام صدام حسين خلال الغزو الاميركي للعراق عام 2003 بدا القطاع العام بالنمو بشكل موازي لتنمية الصناعة النفطية للبلد . ومع تقاطر شركات النفط العالمية الكبرى لتنمية وتطوير حقول النفط ازداد عدد موظفي مؤسسات الحكومة خلال فترة 16 عام أكثر بثلاث أضعاف عددهم قبل عام 2003 .
منح وظائف هي وسيلة آخرى استخدمها سياسيون عراقيون لقمع احتجاجات وقعت سابقاً . وضمن حزمه الأصلاحية الأخيرة أدخل فيها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي آلاف فرص العمل والمنح المالية . وقال خبراء إن هذا التوجه لم يحقق شيئاً سوى إدامة المشكلة .
تخصص الميزانية الوطنية مبالغ متزايدة كل عام لتسديد أجور بضائع وخدمات تتراوح ما بين مشاريع خدمة عامة الى نفقات أدنى مثل صيانه بناية حكومية على سبيل المثال . ولكن الكثير يشكو من عدم وجود تقدم ملموس على الأرض .
وقال المولوي انه في بعض الحالات فان النقود ببساطة لا يتم انفاقها بسبب ضعف التخطيط والادارة . مشيراً الى أن ميزانية العام الماضي انتهت بفائض يبلغ بحدود 21 مليار دولار " ليس بسبب لدينا أموال كثيرة بل بسبب عدم معرفتنا كيف ننفقها بشكل صحيح ."
وقال مسؤول عراقي رفض الكشف عن اسمه إن الاموال المخصصة من قبل الحكومة أو منظمات عالمية لمشاريع خدمات غالباً ما يتم انفاقها من قبل مسؤولي وزارات . وأضاف بقوله " يقوم المسؤولين بجمع كل الميزانية المخصصة للانفاق ثم غالباً ما ينفقون جزءاً منها على أمور تافهة ثم يدعون بان المبلغ غير كافي للمشروع . أو أن المبالغ استخدمت لسد ديون متراكمة من السنوات السابقة . هناك آلاف الطرق البيروقراطية يتمكنون من خلالها اختلاس الاموال ."
لحد هذا الوقت ما يزال قادة عراقيون رافضين إصلاح النظام والذي يصفه خبراء بانه يتعذر بقاؤه بسبب موارد محدودة وأسواق النفط المتقلّبة في أسعارها .
وكانت خطوات تقشفية جدية قد اتخذت عقب الأزمة المالية لعام 2015 والتي أدخلتها إدارة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي . ولكن بعد ان استعادت اسعار النفط عافيتها عملت ضغوط سياسية على إزالة إجراءات التقشف في الانفاق .
وشهدت حكومة عبد المهدي زيادة بالانفاق بنسبة 25% مقارنة بالسنوات الماضية .
عن اسوشييتدبرس