سلمية الاحتجاجات تنتصر على العنف والاستبداد

سلمية الاحتجاجات تنتصر على العنف والاستبداد

 رشيد غويلب
تشكل انتفاضة تشرين العفوية امتداداً طبيعياً للحراك الشعبي متعدد الأشكال الذي عم العراق منذ عام 2010 ، خصوصاً محطاته الرئيسة في شباط 2011 وتموز 2015 . وقد جاءت الانتفاضة المستمرة منذ الأول من الشهر الحالي شبيهة بسابقاتها من حيث سلميتها وشعاراتها الوطنية الجامعة، وسعة المشاركة المجتمعية فيها.

وفي السياق ذاته جاءت اهدافها المتمثلة في استعادة وطن يرفل ابناؤه بحق الحياة والأمن والعمل والرعاية، وطن تسوده قيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد أن انهكته جرائم الارهاب والمحاصصة الطائفية والأثنية، وربيبتها منظومة النهب والفساد، والجريمة المنظمة، وانفلات الأمن، وتمزق النسيج الاجتماعي وضياع الهوية الوطنية العراقية، حاضنة النضالات الوطنية والطبقية طيلة العقود التي سبقت إسقاط الدكتاتورية، وفشل محاولات بناء الدولة البديلة المنشودة.
لقد ارعبت الانتفاضة الحالية المتنفذين، لأنها هدّدت سلطتهم في الصميم، وشكلت مدخلاً مهماً لاستعادة هويتنا الوطنية التي حاول أبطال فلسفة المكونات طمسها، وفضحت الانتفاضة تهم أصحاب الوعي المسطح لشعبنا بالخمول والانتظار، واثبتت مرة أخرى أن الجماهير هي صانعة التاريخ، وأن اية مراهنات اخرى لا مستقبل لها.
وعلى هذا الاساس كان العنف وإطلاق الرصاص الحي على الشبيبة المنتفضة الرد الرئيس الذي اعتمدته السلطة وامتداداتها، وسقط مئات الشهداء وآلاف الجرحى . وقد فتح عنف بعض التشكيلات الأمنية، الذي يتحمل رئيس الوزراء مسؤوليته الاولى،وفتح الباب أمام أشكال متعددة ومختلفة الدوافع مثل حرق مقرات الأحزاب الذي مارسته بالأساس مجاميع غريبة عن الحشود المنتفضة، وربما عبرت عن غضب بعض المنتفضين، الذي يجب أن تتفهمه القوى السياسية الايجابية، وليس أولئك الذين يرون في أحداث العنف فرصة لإغراق الانتفاضة بالدماء.
كذلك تداعيات أحداث العنف التي جرت خارج مجريات الانتفاضة أو على هامشها، والتي تشكل خطر جدياً ليس على الانتفاضة فحسب، بل على العراق مجتمعا وشعبا.
ولم يجف حبر القرارات التي جاءت في سياق كلمة رئيس الوزراء، والتي أكدت على عدم استخدام العنف ضد المنتفضين، حتى شهدت بغداد والمحافظات مجزرة جديدة فاقت في دمويتها أحداث أسبوع الانتفاضة الأول، وعكست كما أشار بيان الحزب الشيوعي العراقي: " عجز الحكومة عن الوفاء بوعودها وتوفير الحماية للمتظاهرين السلميين، وعن تأمين أمن بلادنا واستقرارها".
مما لا شك فيه، إنه لا بديل للوقف الفوري للقمع وكل أشكال العنف وجميع المواجهات متعددة الدوافع والأسباب. ومن جانب آخر يشكل تعزيز سلمية الاحتجاجات وصور التضامن بين المنتفضيين والمواطنين وبعض تشكيلات القوات المسلحة، الضمانة الرئيسة للحفاظ على الاحتجاجات واتساعها وزيادة زخمها. إن الذين يناضلون من أجل استرداد حقوقهم الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يمكن أن يكونوا في هذه اللحظة الحرجة إلا سلميين ودعاة تغيير واستقرار وسلام. وبهذا يقدمون أكبر وفاء لدماء الشهداء الزكية، ويقطعون الطريق على الساعين الى العنف، الذين يجدون فيه ورقة خلاصهم المثلى والحفاظ على نظامهم الذي اثبتت الحياة فشله وضرورة تجاوزه.
ولابد من التأكيد على ضرورة العلاقة التضامنية الديمقراطية بين المنتفضين وقوى شعبنا السياسية الحية، التي تبنت باستمرار البديل الوطني الديمقراطي وقدمت على هذا الطريق قوافل من الشهداء والمضحين.