التك تك” بطل ساحة التحرير .. وشبابه يراهنون على قوة صبرهم تجاه الحكومة

التك تك” بطل ساحة التحرير .. وشبابه يراهنون على قوة صبرهم تجاه الحكومة

بغداد / محمد حكمت
بألوانها الجميلة التي زينت تظاهرات بغداد منذ انطلاقها، وشبانها الذين يتقاسمون الفقر والحرمان، ويدفعهم الشعور بالظلم، احتلت عربات “التك تك” قلوب البغداديين، بعد أن زاحمتهم في الشوارع بحثاً عن لقمة العيش.
تحوّلت تلك العربات الصغيرة إلى أيقونة للاحتجاجات، تخترق الصفوف تحت قنابل الغاز والرصاص، تنقل الضحايا وتدفع المؤن والدواء إلى المتظاهرين، وكسب شبانها شعبية غير مسبوقة، تهتف لهم فتيات بغداد، ويتغنى بهم الشعراء.

لا تكاد تمر لحظات في ساحة التحرير وما حولها دون نشاط لعربات “التك التك” التي تمتد من جسر الجمهورية حتى مدينة الصدر، تقدم خدماتها مجاناً ويرفض سائقوها أخذ التبرعات.
ويقول سائق “التك تك” أحمد ذو الـ23 عاماً إن “عربته هذه هي المصدر الوحيد لتأمين لقمة العيش له ولأسرته، ولا يتجاوز دخله منها 20 ألف دينار يومياً”، مبيناً أن “المبلغ غير كاف، لكن ليس هناك حيلة”.
يتواجد أحمد في التظاهرات منذ مطلع تشرين، ويقول إن الغاية الأساسية كانت نقل المصابين، بعد أن فشلت سيارات الإسعاف في إنقاذ من يسقط في الوقت المناسب، أو إخلاء القتلى.
لأحمد ثلاثة أطفال، أحدهم يعاني من “خلع ولادي”، يعود إلى لقاءهم فجراً، ثم يخرج مجدداً بشكل مبكر لاتمام عمله على خط نقل في منطقة الشعب، شمال شرقي العاصمة بغداد، قبل أن يعود إلى ساحة التحرير.
قاتل أحمد في صفوف الحشد الشعبي، طوال عامين، كما يروي، شارك خلالها في معارك بيجي والـ600 والمالحة وجامع الفتاح، في محافظة صلاح الدين، لكنه “طرد من الحشد الشعبي، بعد أن طلب إجازة لعلاج طفله”، على حد قوله.
يقول إنه اكتشف لاحقاً، وجود اسمه ضمن القوائم الإلكترونية لهيئة الحشد الشعبي، لكن راتبه الشهري يذهب إلى “جهة مجهولة”، فقرر بعد أن “أصابه اليأس”، العمل كسائق “تك تك” وتأمين رزق عائلته، حيث يسكن في منزل ضمن حي قائم على أرض للدولة “تجاوز”.
وأطلقت عدة مبادرات لمساعدة سائقي “التك تك”، لكن أغلبهم يرفضون ذلك. يقول محمد شهاب محمود، الذي يتواجد في ساحة التحرير رفقة أخيه، إن “من المعيب أخذ المال مقابل مهمة وطنية، فالتظاهرات للوطن وللمواطن ومطالبنا واحدة، وقوتها من تكاتفنا، فأنا أنقل المصابين والبضائع وأخي يخمد قنابل الغاز المسيل للدموع، وهناك من يتولى شراء المواد الغذائية والمستلزمات الطبية وتأمين الوقود، وآخرون يهتفون”.
يتلقى محمود وشقيقه، مكالمات من والدتهما تحثهما على العودة إلى المنزل، يقول إنها تخشى أن يصيبهما مكروه، لكنه يطمئنها ساخراً: “احنا من داعش ما خفنا.. تريدنا نخاف من مسيلة الدموع!”.
ولمحمود قصة مع الحشد الشعبي أيضاً، فقد قاتل تنظيم “داعش” لكنه ترك صفوف الحشد، “إثر عدم تلقيه أي مساعدة من الحكومة تؤمن معيشة عائلته”، فيما يستمر منذ أيام في أداء مهامه التطوعية في ساحة التحرير لفترات تصل أحياناً حتى 20 ساعة، على حد قوله.
وتميزت احتجاجات تشرين بـ”عفويتها”، وابتعاد محركاتها عن الأحزاب والأطراف السياسية، وكذلك التيارات الدينية والطائفية، وهو مادفع مئات الآلاف إلى المشاركة فيها في بغداد والمحافظات.
ويقول سائق “التك تك”، علي حيدرة، الذي فرغ للتو من نقل بعض المواد الغذائية وصناديق “البيبسي” إلى ساحة التحرير، إن “القتال ضد تنظيم داعش، اضطره إلى اقتراض نحو 4 ملايين دينار لإعالة عائلته، لكنه تمكن من تسديدها لاحقاً من خلال عربته”.
ويضيف ذو الـ26 عاماً، إن “الظلم الذي حل بالفقراء واليتامى يدفعه إلى البقاء في ساحات الاحتجاج، حيث هذه التظاهرات الشعبية التي لا تخضع لأي جهة أو تيار”.
لا يملك أغلب السائقين هنا عربات “التك تك”، فثمنها مرتفع، يصل إلى نحو 3 ملايين دينار. يستأجر الشبان العربات من ملاكها مقابل نحو 60 ألف دينار أسبوعياً.
يجني سائق “التك تك” نحو 25 ألف دينار يوماً، يذهب 10 آلاف منها إلى مالك “التك تك”، وما تبقى يعيلون به أسرهم، كما يبين حيدرة، مؤكداً أن “ما يجينه لا يسد احتياجات أسرته، لكن غياب فرص العمل يضطره إلى ذلك”.
يشعر أغلب رفاق حيدرة ومحمود وأحمد، من سائقي “التك تك” الذين استطلعت أراءهم “المدى”، بالحيف، يرون قصصهم في المعارك ضد تنظيم “داعش”، وقصصاً أشد مرارة عن الفقر والحرمان وغياب الخدمات وضياع الحقوق، على أرض النفط والثروات، فيما يتفق أغلبهم على أن التغيير ممكن لكنه “يحتاج إلى الصبر قليلاً”.
ويتقاسم هؤلاء الشباب، ظروفاً متشابهة، حيث السكن في العشوائيات، وضياع فرصهم في التعليم، والعمل في سن مبكرة، في ظل اليأس من حياة أفضل مع وجود النظام القائم.
عن موقع ناس