كيف انضم الجادرجي لجماعة الاهالي وكيف اقنع ابا التمن بذلك ؟

كيف انضم الجادرجي لجماعة الاهالي وكيف اقنع ابا التمن بذلك ؟

خيري العمري
الف ياسين الهاشمي في عام 1930 حزباً شعبياً باسم (حزب الاخاء) واسرع صديقه كامل الجادرجي ينضم اليه. وسرعان ما اختاره ياسين الهاشمي من بين الشباب عضواً في اللجنة العليا للحزب التي نضم عدداً من الاقطاب والشيوخ امثال رشيد عالي الكيلاني وحكمة سليمان وعلي جودة، ومحمد رضا الشبيبي.

كان من الطبيعي ان يضيق الجادرجي ذرعا بالاساليب الملتوية التي كان يمارسها ياسين الهاشمي رئيس حزب الاخاء في انتهاج سياسة غامضة تقوم على اساس من المناورة والمساومة بين مراكز القوى ومصالح البلد وتظهر بصورة مختلفة وفق مقتضيات الحال.
وقد عبر كامل الجادرجي عن تبرمه بهذه الاساليب عندما بوغت الحزب بتعيين احد اقطابه وهو رشيد عالي الكيلاني رئيسا للديوان الملكي، فاسرع يعارض ذلك في كتاب رفعه الى ياسين الهاشمي في 22 تشرين الثاني – نص على ما يلي:
"حضرة صاحب الفخامة ياسين باشا الهاشمي المحترم
- معتمد حزب الاخاء الوطني –
اشير الى قرار اللجنة العليا للحزب الصادر في 21 تشرين الثاني – 1931 فيما يتعلق بمنصب (رئيس الديوان الملكي) او (السكرتير الخاص بصاحب الجلالة) وعلاقة الحزب بهذا المنصب، مع احترامي الى رأي الاكثرية اني اخالف القرار المذكور للاسباب الاتية:
1- لان هذا العمل مما اعده نوعا من الاشتراك في المسؤولية قبل تحقيق مبادئ الحزب.
2- لاننا بهذا العمل سنصدم الرأي العام وهو في حالة التكوين وتسلب شيئاً من ثقته بنا.
3- لان الفائدة المتصورة الى الحزب من هذا العمل لا تقابل حسب اعتقادي الاضرار المعنوية التي سوف يتكبدها الحزب نظراً لما بينته آنفاً ونظراً لما افدته شفهياً امام اللجنة العليا اثناء المذاكرة وبهذه الفرصة اقدم وافر الاحترام.
المخلص
كامل الجادرجي
ومع ان الجادرجي لم يقطع صلته بحزب الاخاء بعد هذا التقرير الا انه اكتفى بالتخلي عن عضوية اللجنة العليا، وذلك بكتاب رفعه في 25 تشرين اول 1932 الى ياسين الهاشمي جاء فيه:
(اني مضطر الى ان اقضي اكثر اوقاتي خارج العاصمة خلال هذا الفصل من السنة، واسف كثيرا من اني لا اتمكن من اداء واجب عضوية اللجنة العليا التي انتخبت لها، وعليه ارجو قبول استقالتي من عضوية اللجنة المحترمة، مع قبول احترامي لفخامتكم ولكافة اعضاء اللجنة الكرام وشكري الجزيل لثقة الاخوان اعضاء المؤتمر المحترمين.
المخلص لكم
كامل الجادرجي
وبقي كامل الجادرجي عضواً عاديا في الحزب، وجمد نشاطه بعد انسحابه من تحرير جريدة الاخاء في حزيران 1932 وظل يرقب عن كثب جريدة الاهالي ويتابع مقالاتها باهتمام فيجد فيها تفكيراً سياسيا جديداً يشبع القلق الذي يشعر به ويسد الفراغ الذي يحس به.
وسرعان ما سنحت الفرصة التي كان الجادرجي يترقبها عندما استقال جعفر ابو التمن من الحزب الوطني في 1 تشرين الثاني – 1933 معتزلا السياسة احتجاجا على سياسة المساومة التي حاول بعض اعضاء اللجنة الادارية للحزب الوطني انتهاجاً وكانت نقمة الجادرجي على قيادة حزب الاخاء قد تضاعفت بعد ان تجاهل الهاشمي ترشيح اسمه لقائمة الحزب في الانتخابات التي اجريت في 10 كانون الاول – 1932 عهد وزارة ناجي شوكة، فاسرع كامل الجادرجي في 7 تشرين الثاني – 1933 الى دفع استقالته من حزب الاخاء طالبا شطب اسمه من سجلاته.
وقد يكون من المفيد ان ندرج نص هذه الاستقال:
"بغداد في 7 تشرين الثاني – 1933
الى السكرتير العام لحزب الاخاء الوطني
سيدي المحترم..
قبل مدة – وعلى ما اذكر في اواخر شهر نيسان الماضي – قدمت استقالتي من عضوية اللجنة العليا للحزب، غير اني حتى الان لم اتلق اشارة لا من معتمدية الحزب ولا من سكرتاريته باستلام كتابي المذكور، وقد جئت الان بكتابي هذا ارجو شطب اسمي من دفتر انتماء الحزب اتماماً لتلك المعاملة، ارجو ان تتفضلوا بقبول فائق احترامي..
كامل الجادرجي
ولاشك ان استقالة كامل الجادرجي من حزب الاخاء التي جاءت بعد اسبوع من استقالة ابي التمن من الحزب الوطني، تنطوي كل منهما عى معنى الاحتجاج على سياسة الاساليب الملتوية والمناورات الغامضة التي كانت تميل بعض القيادات الى ممارستها.
وكان كامل الجادرجي بحكم سنه وثقافته اكثر تهيؤا للانضمام الى جماعة (الاهالي) من ابي التمن بقى بعد خروجه من الحزب الوطني معتزلا السياسة، وقد كتب كامل الجادرجي في مذكرات له يصف كيفية انضمامه الى جماعة الاهالي فيقول (.. وعند صدور جريدة الاهالي تعقبتها شخصيا ووجدتها حرةة تتفق مع آرائي في كثير من النواحي.. وقد حصلت رغبة من كلا الجهتين فمن جهتي كنت اود الاتصال بهذه الجماعة وكانت نفس الرغبة عندهم فاتصلت اولا مع عبد الفتاح ابراهيم ثم بعبد القادر اسماعيل وكلما اتصلنا توثقت صلتنا واجتمعنا يوما بداري وكان الحاضرون عبد الفتاح ابراهيم ومحمد حديد وعلي حيدر وبحثنا لزوم وضع منهج للجريدة وكان ذلك في اوائل 1933، فصدرت جريدة الاهالي تدعو الى خطه معبئة ومبدا مقرر هو (الشعبية) واصبحت جماعة الاهالي تضم عبد الفتاح ابراهيم ومحمد حديد وعلي حيدر سليمان وعبد القادر اسماعيل وانا..".
وفي هذه المذكرات يستعرض الجادرجي الاحداث التي تعاقبت على الاهالي والاثر الذي تركته عليها سواء حوادث تمرد الاثوريين وموقف الاهالي الشديد من معارضة سياسة التساهل معهم او حادث وفاة الملك فيصل الاول وما تعرضت اليه بسبب موقفها منه من محاولات استهدفت الاعتداء على الجريدة والتهديد بحرقها الى غير ذلك من امور اخرى.
ويشير الجادرجي الى ان جماعة الاهالي دعوا الى مشروع لمكافحة الامية وتقدموا بتأسيس جمعية باسم (جمعية السعي لمكافحة الامية) فاتحوا البعض من الساسة والعاملين في القضايا العامة الى اسنادها.
وقد اتجه الجادرجي الى محمد جعفر ابو التمن لاقناعه باسناد هذا المشروع عن طريق الانضمام اليه، وقد كتب يصف كيفية مفاوضته فقال (كان هو اول من ذهبت اليه وبعد تردد قبل لما تاكد ان الجمعية غير سياسية وقبل ان يكون من مؤسسيها وانتسب نصرة الفارسي وفخري الجميل وانتخب ابو التمن رئيساً ونصرة الفارسي نائباً للرئيس وعبد الفتاح ابراهيم سكرتيرا ومحمد حديد محاسبا وكنت انا من جملة اعضاء الهيئة الادارية..
بينما كانت الجمعية تقوم باعمالها بدأنا بالتفاوض مع (ابو التمن) لتكوين جمعية سرية سياسية على اساس الشعبية، والحقيقة نحن اسرة الاهالي كنا قد انفقنا قبل مدة من تكوين جمعية السعي لمكافحة الامية على مبادئ معينة مثبتة برؤوس اقلام وزعناها بصورة سرية علينا اصبحت فيما بعد اساسا لمنهج جمعية (الاصلاح الشعبي) وقد اطلع جعفر عليها ودرسها فقرة فقرة فقبل مبدئياً تاليف الجمعية على اساس الشعبية وكان تفهمه لها دقيقا وكانت مناقشته لها مدعاة للاعجاب بالنظر لنشاته وبيئته، لقد ابان قبل الدخول بانه قبل كل شيء مسلم حقيقي والدين الاسلامي جاء على اسس ديمقراطية اشتراكية والمبادئ موضوعة البحث هي اقرب الى الاشتراكية منها الى اي مذهب آخر وكل ما فيها لا يخالف الاسلام . وبعد ان نجح كامل في اقناع ابي التمن على قبول الانضمام الى الجمعية السرية اتجه الى حكمة سليمان في محاولة لاقناعه بالانضمام الى هذه الجمعية .
م . دراسات عربية 1970