من اسرار ثورة 14 تموز 1958 موقف السفارة العراقية في واشنطن من قيام الثورة

من اسرار ثورة 14 تموز 1958 موقف السفارة العراقية في واشنطن من قيام الثورة

إسراء خزعل ظاهر
عقد مجلس الوزراء جلسته الأولى مساء يوم الخامس عشر من تموز 1958 في مقر عبد الكريم قاسم في وزارة الدفاع، وتواصل الاجتماع حتى ساعة متأخرة من الليل واستعرض خلال خمس ساعات تقريبا التدابير التي يجب اتخاذها لحماية البلاد من الاضطرابات الداخلية والتهديدات الخارجية سيما وان الإذاعات العالمية أخذت تذيع أخبارا عن إنزال أمريكي في لبنان،

وتدفق القوات البريطانية نحو الأردن، فتوقع مجلس الوزراء العراقي وقوع أحداث خطيرة ولاحظ الوزراء أيضا وجود خلاف بالرأي بين كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف حول اتخاذ بعض القرارات، وكانت أول قضية ظهر فيها الخلاف هي مهمة اختيار ممثل دائم للعراق في هيئة الأمم المتحدة، وكان مجلس الأمن آنذاك منعقدا والعراق عضو فيه وكان ممثله في عهد النظام الملكي الدكتور عبد المجيد عباس والذي صرح بأنه لا يعترف بما حدث في العراق وانه يمثل الاتحاد الهاشمي برئاسة الملك حسين ملك الأردن.

وقد رشح عبد الكريم قاسم الزعيم الركن إسماعيل العارف، الملحق العسكري في واشنطن، لإشغال المنصب بدلا من عبد المجيد عباس، بينما أراد عبد السلام عارف تعيين الرائد الركن صالح مهدي عماش وأصر كل منهما على موقفه وتعالى الصياح بين الاثنين ترك على أثره عبد السلام عارف الاجتماع، إذ أن عبد السلام عارف كان يتهم إسماعيل العارف بأنه هو الذي وشى بالضباط الأحرار لدى رئيس أركان الجيش سنة 1956 بينما كان عبد الكريم قاسم يصر على تعيين صديقه الحميم إسماعيل العارف بحجة انه أعلى رتبة من صالح مهدي عماش، ونظرا لعدم قناعة أعضاء المجلس بقدرة المرشحين فقد قرر المجتمعون اختيار هاشم
جواد بديلا عن المرشحين السابقين ممثلا للعراق في هيئة المم المتحدة، وتقرر في الاجتماع أيضا سحب عبد المجيد عباس وان يقوم عبد الجبار الجومرد بصفته وزيرا للخارجية بالطلب إلى هيئة الأمم المتحدة تأجيل الجلسة الخاصة التي كان من المقرر عقدها بناء على طلب حكومة الولايات المتحدة الأمريكية للنظر في أمر العراق.
سيطر الملحق العسكري العميد الركن إسماعيل العارف على السفارة مؤيدا الثورة حال سماعه بنبأها واتصل بمديرية الاستخبارات العسكرية مستفسرا عن أمور كثيرة أجيب عليها بدقة وتفصيل فأصبح مصدرا مهما للمعلومات عن الثورة والقائمين بها وأهدافها وقرأ عليه احد ضباط المديرية البيان الأول الذي أذيع أول مرة قبل التعديلات التي جرت عليه وعرف عدم صحة كافة الإشاعات التي تقول أن هناك مقاومة ضد الثورة وان وحدات عسكرية معادية تزحف على بغداد ولا غرابة في ذلك لان العميد الركن إسماعيل العارف من أوائل الضباط الأحرار النشطين منذ انضمامه سنة 1952، حتى نقله إلى الولايات المتحدة في كانون الأول سنة 1956 وعليه سارت الأمور في السفارة سيرا مؤيدا للثورة.
أما ممثل العراق في الجمعية العامة للأمم المتحدة الدكتور عبد المجيد عباس فقد التحق يوم 14 تموز بالممثلية لاستلام منصب ممثل العراق الدائم الجديد في الأمم المتحدة، وكانت قد دعت الحكومة الأمريكية مجلس الأمن لعقد اجتماع طارىء في الخامس عشر من تموز كرد فعل على الثورة في العراق.
وقبل أن يذهب الدكتور عبد المجيد عباس لحضور اجتماع مجلس الأمن اتصل بالملحق العسكري إسماعيل العارف في واشنطن مستفسرا عما سيفعله في هذه الجلسة وعندئذ نصحه إسماعيل العارف بعدم الحضور، لان النظام الذي كان يمثله أصبح في ذمة التاريخ، ولكن عبد المجيد عباس حضر الاجتماع مع بعض موظفي البعثة العراقية في الأمم المتحدة ، فاتصل به إسماعيل العارف محذرا إياه والموظفين الذين حضروا وعندئذ انقطع الدكتور عبد المجيد عباس عن الحضور للأيام التالية .
اتصلت الحكومة الأردنية بممثلها بالأمم المتحدة السيد بهاء طوقان وطلبت منه أن يتصل بالقنصل العراقي في نيويورك السيد هاشم الحلي وبالدكتور عبد المجيد عباس ويعرض على كل منهما مبلغ عشرة آلاف دولار ودعم الأردن لهما ليقفا ضد الثورة في العراق وطلب من عبد المجيد عباس الحضور في جلسة مجلس الأمن التي ستعقد في الثامن عشر من تموز أي في اليوم الرابع من بدء الاجتماعات وفعلا حضر الدكتور عبد المجيد عباس هذه الجلسة,ورفض السيد هاشم الحلي عرض الحكومة الأردنية.
اتصل إسماعيل العارف ثانية بالدكتور عبد المجيد عباس بعد جلسة مجلس الأمن وهدده وطلب منه عدم الحضور مستقبلا والا فالعاقبة وخيمة . فرد عليه بأنه سيمضي في تمثيل العراق في مجلس الأمن، لأنه لا يعترف بشرعية الثورة في العراق، ولأنه الممثل الشرعي، لان الملك قد عينه وفقا لصلاحياته الدستورية فأرسل إسماعيل العارف ضابطين من الضباط الذين انهوا دوراتهم وهم كل من النقيبين عباس الاسدي، ونوري إسماعيل للسفر في أول طائرة إلى نيويورك لحجز الدكتور عبد المجيد عباس في غرفته في القنصلية العراقية التي كان بدوام فيها ويغلقا عليه بابها ويحتفظا بالمفتاح ويبقيا هناك حارسين عليه ويقطعا اتصاله تلفونيا بالخارج إلى أن تنتهي جلسات مجلس الأمن. إلا أن هذه الخطة فشلت وفر عبد المجيد عباس من مكتبه بمساعدة بعض الموظفين من خصوم الثورة المؤيدين للنظام الملكي واحتجت الحكومة الأمريكية على الملحقية العسكرية على عملها هذا.
وصل وفد الثورة إلى الأمم المتحدة برئاسة السيد هاشم جواد ممثل العراق الدائم الجديد في الأمم المتحدة وقدم أوراق اعتماده إلى السكرتير العام للأمم المتحدة ثم تبعه بعده وزير الخارجية عبد الجبار الجومرد لحضور المناقشات وأخيرا ندم الدكتور عبد المجيد عباس على عمله وأرسل رسالة إلى عبد الكريم قاسم يعتذر فيها عما بدر منه ويطلب الصفح منه وإعطائه راتبه ألتقاعدي الذي يستحقه حتى يتمكن من العودة إلى العراق.

إسماعيل العارف ودوره العسكري والسياسي
في العراق 1919-1989