مصلحة نقل الركاب في سنواتها الاولى

مصلحة نقل الركاب في سنواتها الاولى

وهيب حسن العبودي
ظهرت الحاجة إلى تنظيم النقل بالسيارات في أواخر الثلاثينيات نتيجة لتوسيع بغداد بصورة كبيرة، وفتحت شوارع جديدة وتطلب ذلك وجود مؤسسة مستقلة لنقل الركاب في العاصمة لحل مشكلة النقل فيها، فصدر قانون رقم 38 لسنة 1938 (قانون مصلحة نقل الركاب)، ولقد اعتبر القانون هذه المصلحة مؤسسة ذات شخصية حكيمة،

كما وتم ربط المصلحة بوزارة الداخلية وتحت إدارة أمانة العاصمة وحددت منطقة عمل المصلحة بـ(الدائرة).وكان مركز هذه الدائرة في ساحة الباب الشرقي وحددت واجباتها بنقل الركاب بواسطة السيارات والترامواي (التروللي باص)، إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية أدى إلى عدم إخراج المشروع إلى حيز التنفيذ، ذلك لاستحالة الحصول على الباصات من الأسواق العالمية.
خلال الحرب العالمية الثانية تقدمت شركة (كرنك لبنان)، وصاحب هذه الشركة من أصل فرنسي يحمل الجنسية اللبنانية بالإضافة إلى الجنسية الانكليزية وكان وكلاء هذه الشركة (لاوي وحسن مخزومي وعباس التميمي). حيث كانت الشركة تمتلك ثلاثين سيارة نوع شوفرليت من دون أبدان، فحصلوا على امتياز من الحكومة لتشغيل هذه السيارات في شارع الرشيد لمدة خمس عشرة سنة من دون الحاجة لاستيراد السيارات وقد طرحت الفكرة على أمين العاصمة أرشد العمري فقام بالاتصال بالمسؤولين لإلغاء امتياز وكلاء شركة (كرنك لبنان)، وتشغيل هذه السيارات لحساب أمانة العاصمة بعد استملاك هذه السيارات، وهذا ما تم واستحصل أمين العاصمة موافقة الحكومة، وبذلك أصبحت أول مديرية لمصلحة نقل الركاب. وقد واجهت صعوبة في الحصول على السواق، وكانت تطبع تذاكر المصلحة على الآلة الكاتبة. ومن الجدير بالذكر أن السيارات سميت (أمانة) نسبة إلى أمانة العاصمة. ومن ثم تم تأسيس شعبة النقليات لتتولى نقل الركاب.
ومن الجدير بالإشارة إلى أن وزارة الداخلية قد أصدرت عام 1941 تعديلاً لقانون مصلحة الركاب رقم (31) لسنة 1941، واعتبر هذا التعديل مصلحة نقل الركاب من الجهات التي يجوز تمليكها العربات والمبالغ الأسبوعية، بموجب أحكام قانون تمليك العربات والمبالغ العائدة للحكومة في إقامة المحطات لوقود السيارات وسهولة نقل الركاب بين بغداد العاصمة وضواحيها. وفي شهر آب 1943 سيرت مصلحة نقل الركاب مجموعة من باصاتها في شارع الرشيد، وكانت مؤلفة من (21) باصاً من نوع( الفورد والدوج والشوفرليت)، وكانت معظمها من مبيعات الجيش البريطاني في الشعيبة ثم وضعت لها أبداناً. وباشرت بتشغيل عشر سيارات كدفعة أولى لتقوم بنقل الركاب في شارع الرشيد، وأن خدمة النقل بالسيارات على شكل خطين الخط الأول ينقل الركاب من باب المعظم إلى باب الشرقي، والخط الثاني ينطلق من باب المعظم إلى منطقة البتاوين لتأمين راحة المواطنين، ثم تقرر توسيع مشروع الباصات، نتيجة التوسع العمراني الذي جعل مدينة بغداد ذات أطراف بعيدة ، وليستوعب هذا التوسع بالنقل أيضاً.
كما أن أمانة العاصمة قد اتخذت التدابير اللازمة وأضافت عدداً من الباصات إلى الباصات العاملة في العاصمة. وبهذا قررت أمانة العاصمة فتح خطوط جديدة لسياراتها يبدأ من دائرة البرق والبريد في الكرادة الشرقية حتى سبع قصور والزوية. وتجدر الإشارة إلى أن أمانة العاصمة أخذت في تحديد أجور ما يتناسب مع بعد المسافات، فجعلت الأسعار كما يأتي الدرجة الأولى (10) فلوس والثانية (6) فلوس والثالثة (3) فلوس. وعلى أية حال فقد تم إلغاء مديرية النقليات العامة وتحويلها إلى شعبة مرتبطة بالإدارة العامة عن طريق وزارة الداخلية، عندما أجرت تعديلات الوزارة في تشكيلاتها الإدارية، وذلك عام 1944، ومن ثم عام 1945 صدر التعديل الثاني لمصلحة نقل الركاب فأطلق عليها (مصلحة نقل الركاب) وتتكون من أمين العاصمة مديراً لإدارتها العامة ونائب المدير ويساعده في أعمال وهيئة إدارة من المدير وأربعة أعضاء ويعين المدير وأعضاء الهيئة باقتراح الوزير وبمعاونة مجلس الوزراء ويجوز أن يكون من موظفي الحكومة الذين لا تقل درجتهم عن السادسة. وخلال عام 1950 تم تعديل قانون مصلحة نقل الركاب الثالث رقم (26) لسنة 1950 وابرز ما احتوى عليه التعديل هو أن تؤلف مصلحة نقل الركاب في العاصمة لتقوم بنقل الركاب بواسطة السيارات، وتؤلف المصلحة برئاسة مدير عام وأربعة أعضاء يعين هؤلاء بناء على اقتراح الوزير وبموافقة مجلس الوزراء وإرادة ملكية ويشترط في المدير أن يكون ممن سبق أن خدم في الحكومة مدة لا تقل عن عشر سنوات، وتكون مدة العضوية أربع سنوات، ولا يجوز تنحية العضو إلا بقرار من مجلس الوزراء ويحصل النصاب بحضور نصف أعضاء الهيئة. ومن المفيد بمكان أن نذكر أن المصلحة قد جلبت مطبعة عصرية تحتوي على أحدث مكائن الطباعة لتأمين احتياجات المصلحة من البطاقات والاستمارات والمجلات، وكذلك أسست معملاً للخياطة لإعداد ملابس السواق والجباية وغيرهم، فضلاً عن أن المصلحة قامت بتأسيس مستوصف لها بكامل التجهيزات لهذا الغرض وتم شمول الموظفين بقانون التقاعد بعد عام 1958، وأنشأت المصلحة دار استراحة لها يقضي فيها منتسبوها أوقات فراغهم ويتناولون وجبات الطعام في باب المعظم.
كانت تنشر في الصحف المحلية الكثير من الشكاوى التي تنتقد بعض أعمال مصلحة نقل الركاب وعمل الباصات، وشكوى حول عدم قيام سواق الباصات لعملهم بصورة صحيحة،ومن هذه الشكاوى التي كانت تنشر من قبل أصحاب سيارات الأجرة الصغيرة، وجاءت كلمتهم بعنوان كلمة من أصحاب الباصات إلى فخامة رئيس الوزراء ووزير الداخلية وتتضمن شكواهم أن إدارة باصات أمانة العاصمة قد منعتهم من السير على خط بغداد الكاظمية المار بالاعظمية، وقد سبب لهم هذا المنع خسائر كبيرة، وقد حرمهم من رزقهم، لهذا فهم يلتمسون بذلك رفع هذا المنع عنهم ويسمح لهم بالمرور. ومن شكوى الباصات، إذ وردت شكوى حول تأخر الباصات وقلة عددها، وقد تم الاتصال بالمسؤولين وأوعزوا السبب إلى عدم صيانة الباصات، وأنها كانت بحاجة إلى إطارات. كذلك وردت شكوى حول قلة الباصات في الاعظمية، ونتيجة لهذه القلة فان الكثير من أعمال أهالي الاعظمية والكاظمية قد تعرقلت ولاسيما في الليل.
وكانت تأتي شكاوى كثيرة أيضاً حول أجور الباصات، إذ جاءت شكوى ضد خط الباصات التي تسير على الخط الواقع بين ساحة الأمين والكرادة الشرقية، ويذكر أن الأمانة كانت تتقاضى (44) فلساً للشخص الواحد، في حين كانت سيارة التاكسي تتقاضى (50) فلساً ومثل هذه الأجرة لا تتفق وأجرة باصات الأمانة لذا يرجو أصحاب الشكاوى تخفيض الأجرة عن الناس. كذلك كثرة شكاوى حول باصات الوزيرية لأن أكثر سيارات هذا الخط قديمة وبالية ويصيبها العطل بين وقت وآخر فتتوقف عن العمل، وينتج عن ذلك عرقلة مصالح الناس، فكان سكان الوزيرية يرجون من سعادة مدير النقليات بأمانة العاصمة أن يهتم للأمر كل الاهتمام فينقذ سكان الوزيرية مما يعانون من جراء النقص في هذا الخط.

عن رسالة ( امانة العاصمة دراسة تاريخية )