مجلس الاعمار وتطور العراق في الخمسينيات

مجلس الاعمار وتطور العراق في الخمسينيات

أمجد خضير الدوري
ليس هناك من أدنى شك ، بأن استخراج وأنتاج النفط في العراق عام 1927م يعتبر نقطة البداية في تغيير بنية الاقتصاد العراقي من اوجه عديدة ، ودفعه في طريق النمو السريع . ومع إن إنتاج النفط الخام لم يتجاوز أكثر من سبعة ملايين طن في عام 1950م ، إلاّ إنه أخذ يتزايد بإضطراد بعد هذا التاريخ . وقد كان ذلك مصحوباً بزيادة ملموسة في إيرادات الحكومة من عوائد النفط حيث بلغت (6.880.000) مليون دينار في عام 1950م ولتصل إلى (50) مليون دينار في عام 1953م .

في عام 1950م قامت الحكومة العراقية وعلى أثر ازدياد الموارد المالية المتحققة من زيادة العوائد النفطية بإنشاء هيئة مخططة أطلق عليها أسم (مجلس الإعمار) ، خصصت لميزانيته جميع عوائد الدولة النفطية ، إلا أن ارتفاع تلك العوائد في عام 1952م على أثر اتفاقية المناصفة المعقودة بين العراق وشركات النفط الأجنبية أدى إلى تخفيض تخصيصات المجلس من عوائد النفط إلى (70% ) فقط ، وتوجيه النسبة الباقية لحساب الميزانية الاعتيادية للدولة ولقد أعطى مجلس الأعمار للصناعة نسبة كبيرة من هذه التخصيصات ، لخلق قطاع الدولة الصناعي العام ، غير أن ما خصصه مجلس الأعمار لاحقاً للاستثمار الزراعي وتعبيد الطرق وانشاء المباني العامة ، ومشاريع الأرواء ،كان أكثر بكثير ماخصصه لأغراض الصناعة ، حيث كان يرى المجلس أن توفير مثل هذه الاستثمارات هي ضرورة لهذه الفترة ، لأجل تحقيق ما يعرف برأس المال الاجتماعي. وهذا ماسنراه من خلال البرامج الأعمارية التي وضعها مجلس الأعمار.
لقد تم انشاء هذا المجلس على أساس أنه وحده ادارية قائمة بذاتها لها استقلالها وكيانها الذاتي العام ، منفصلة عن السلطة التنفيذية . وكانت الحكمة من هذا الفصل هو لأجل أن يكون المجلس بعيداً عن التقلبات السياسية التي قد تحدث في البلاد ،ولأجل أن لاتتأثر قراراته بتلك التقليات ، غير ان المجلس كان مرتبطاً بالحكومة وكان يقوم بتنسيق أعماله معها من خلال وجود عضوين من أعضاء الحكومة في المجلس هما ( رئيس الوزراء ووزير المالية).
أما الدكتور صباح الدرة يقول (( فمجلس الأعمار ماهو في الواقع الاّ واجهة تتفق مع أساليب الأستعمار الجديد في العراق التي اعتمدت على المنطلقات الفكرية في الصراع الأيديولوجي من أجل أيجاد المبررات لبقاء العراق بلداً زراعياً يدور في فلك النظام الرأسمالي الاستعماري العالمي وبالتالي عرقلة أي تقدم صناعي فيه )) .
ولما كانت الخبرة الفنية والأقتصادية المحلية تكاد تكون معدومة لدى الجهاز الأداري الحكومي في جميع الحقول والتصنيع بالذات ، ولأجل توجيه وبسط السيطرة على النمو الأقتصادي في العراق بأتجاه مصالح الاحتكارات الأجنبية، فقد اعتمدت الحكومات العراقية على ما ماتوفر من خبرة أجنبية على شكل هيئة خبراء وبعثات لإجراء المسح العام وتقديم الدراسات اللازمة عن الصناعات العراقية التي يمكن إقامتها في العراق .
في عام 1950 أتخذ مجلس الأعمار قراراً باستشارة الشركات الأجنبية التالية :-
1- شركة كود فوغان لي فرانك و كويثر . ( لندن )
2- شركة بني ديكن وكوري .( لندن )
3- شركة نابت تيبت وايت .( نيويورك )
4- شركة وايت . (نيويورك)
5- شركة براين كوبر . (برمنكهام )
6- شركة فارنر مارخ . ( المانيا الغربية )
كما حلت في العراق بعثات عدة من الخبراء الأجانب لدراسة الوضع الأقتصادي وتقييمه وأبداء المشورة في عملية البناء . وهي على التوالي :
1- بعثة ( البنك الدولي للأنماء والتعمير ) . وصلت العراق في عام 1952م ، وأنهت مهماتها في ذات العام .
2- بعثة ( كارل ايفرسون ) وصلت في عام 1953م وقدمت تقريرها في عام 1954م .
3- بعثة (اللورد سولتر ) . وصلت في عام 1954م وقدمت تقريرها في عام 1955م .
4- بعثة ( شركة ارثردي ليتل ) وصلت العراق في عام 1956م وقدمت تقريرها في نفس العام.
تركزت اهتمامات بعثة البنك الدولي للأنماء والتعمير (International Bank of Reconstruction and Development) على تطوير الزراعة ومشاريع الري والسيطرة على الفيضانات ،وتطوير جانب الصحة والتعليم وبعض الصناعات . كما وأكدت ان التوسع في الزراعة سيؤدي الى توفير المواد الأولية والخامات اللازمة للصناعة ، ورفع المستوى المعيشي للريف ، الذي سيخلق فرصاً أوفر لتسويق المنتجات الصناعية . وكذلك حثت البعثة أيضاً على تطوير استخدام الغاز الطبيعي ، وأن تعمل الدولة على مساعدة المستثمرين دون الاستثمار المباشر من قبلها .
أما الدراسة التي قام بها كارل ايفرسون( Carl Everson) تركزت على السياسة النقدية في العراق ، حيث لفت انتباه الدولة الى خطر التضخم ووجوب القضاء عليه ، كما أكد على أهمية التقنية الزراعية وتطوير التعليم والتدريب ورفع مبدأ التصنيع كأستراتيجية للتنمية وعلى فتح باب الأستيراد .
وأعتبر اللورد سولتر ( Lord Saleter) أن الأرض الزراعية الرسوبية هي المورد الأساسي للعراق .لذا فقد نصح بضرورة تطوير الزراعة والخزانات والسدود ، على اعتبار أن قطاع الزراعة يستطيع أن يستوعب أعداد كبيرة من العاملين . وأنه كان يرى أن لاضرورة لأحلال الإنتاج المحلي بدل الاستيراد الخارجي . لأن للعراق إيرادات كبيرة من النقد الأجنبي من النفط الكافي لتغطية استيراداته من السلع الجيدة التي اذا انقطع استيرادها سيكون على حساب صناعة بلد آخر . وإنه كان يرى أن الزيادة الكبيرة في السكان تتطلب تنمية سريعة للمواد الغذائية التي تعتبر الزراعة المصدر الرئيسي لها . وحذر من أن التأكيد على الصناعة هو سابق لأوانه ، وأن التصنيع يجب أن يتم على شكل خطوات متتالية.
وكانت دراسة آرثردي ليتل (Arther D.Litlle) هي الدراسة الوحيدة التي تضمنت توصيات باقامة بعض المشاريع الصناعية التي تبنى بعضها برامج مجلس الاعمار . كما اكدت هذه الدراسة على دور القطاع الخاص ، بشرط أن تكون أسعار المنتجات الوطنية أقل من كلفة الاستيراد ، وإنها عارضت إقامة الصناعات المعتمدة على الحماية الكمركية .

عن رسالة : التطور الصناعي في العراق
1958 – 1979م دراسة تأريخية