مارغريت آتوود هل تخطف نوبل هذ العام ؟

مارغريت آتوود هل تخطف نوبل هذ العام ؟

علي حسين
عاد اسم الروائية الكندية الشهيرة مارغريت أتوود إلى بورصة الترشيحات لجائزة نوبل للآداب لهذا العام، ومع أن اسمها ظل حاضرا منذ اكثر من خمسة عشر عاما على قائمة الترشيحات ، وكادت ان تقطف الجائزة عام 2017 بعد ان منحتها معظم الاوساط الثقافية اكثر من ثمان نقاط ، لكنّ المفاجأة ان الجائزة ذهبت الى الكاتب البريطاني- الياباني إيشيغورو،

والذي قال في اول مقابلة له بعد افوز :" أعتذر من أتوود . لطالما ظننت أنها هي من سيفوز. لم أكن أظن العكس ولو لوهلة. كنت ولا زلت آمل بأنها ستفوز قريباً " .

بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة عادت روايتها " الصادرة عام 1985 " قصة الخادمة – في ترجمة اخرى حكاية الجارية " الى صدارة الكتب الاكثر مبيعا ، كانت قد باعت بعد صدرها باعوام قليلة اكثر من ثمانية ملايين نسخة .
تقترب تقترب مارغريت آتوود من عامها الثمانين ، ولدت في الثامن عشر من تشرين الثاني عام 1939 في أوتاوا بكندا ، والدها عالم حشرات ، فيما عملت والدتها في مجال التغذية ، كتبت ثمانية عشر رواية و20 ديوان شعر وخمسة كتب للاطفال وعدد كبير من القصص ترجمت الى خمسين لغة ، ابتكرت لنفسها طريقة خاصة بالكتابة تقول عنها :" لا اؤمن بالعقدة الروائية ، واحاول ان امزج بين الحقيقي والخيالي ، واليومي والمجازي "
ظلت على قائمة ترشيحات نوبل ، وفي كل عام تتوقع الصحف الكندية ان آتوود ستنال الجائزة ، ثم فجأة وبعد اكثر من مئة عام ، الإعلان عام 2013 عن فوز كندا، للمرة الأولى بنوبل الآداب. لكن المفارقة أن الجائزة أعطيت لمؤلفة لم تتوقعها وسائل الاعلام التي كانت تنتظر ان تفوز بها آتوود ، فذهبت الى اقرب صديقاتها آليس مونرو.
سالها صحفي مشاغب عن مشاعرها وهي ترى الجائزة تذهب الى امراة كندية آخرى فاجابت مبتسمة :" لن يذهب مبلغ الجائزة بعيدا فساحصل على وليمة فاخرة في بيت صديقتي آليس " ، بعدها وفي نفس اليوم تنشر على تويتر صورة لها مع اليس مونرو مع عبارة :" الآن نحتفل بفوز الخيال الكندي الجامح " .
بدأت الكتابة في سن سن السابعة ، وكانت قد قرات وهي في الخامسة من عمرها رواية جورج اورويل " حديقة الحيوان " ظنا منها انها قصة للاطفال ، ادركت مبكرا انه يجب ان تكتب الادب بحرفية ، لم تدخل مدرسة حتى سن الحادية عشر ، في الخامسة عشر من عمرها تعثر على كاتبها المفضل " فرانز كافكا " ، قرأت له كتاب المحاكمة ، وتتذكر كيف انها ظلت مستيقضة الى صباح اليوم التالي ، وعندما جلست على مائدة الافطار قالت لوالدها عالم الحشرات :" لقد وجدت مهنة تناسبني .. انها الكتابة.
جلست لتكتب روايتها الاولى اختارت لها اسم " الدمية " ترجمتها الى العربية سامية دياب ، تدور فكرتها الرئيسية عن الزمن الذي يريد ان يعبث بمصائر الناس ، بطلة الرواية " زينيا " تدرك جيدا انها ستتحول في يوم من الايام الى غبار منثور ، مبعثر في الريح ، وستصبح تاريخاً فقط .تجازف فترسل المخطوط الذي كتبته الى احدى دور النشر ، وبعد اشهر كان الجواب :" الاوراق غير مفهومة " ، ليتعطل نشر الرواية اكثر من خمسة عشر عاماً ، تتركها جانبا لتكتب روايتها الثانية " المذنبة " في ذلك الوقت تعود الى كاتب طفولنها جورج ارويل :" ادين لارويل وكافكا بانني تعلمت الكتابة من خلال عشقي لرواياتهم ، دوماً، لم أرد أن أكون بوقاً لأي مذهب " .
تلاقي روايتها الثانية نفس المصير ، لتتوقف عن كتابة الرواية وتتوجه للشعر فتصدر ديوانها الاول " لعبة الدائرة " وهي في الخامسة والعشرون من عمرها . تحقق من خلاله اول اعترف ادبي ، تعود للرواية من جديد فتكتب " السطح " ترجمها الى العربية عبد الحميد فهمي ، تجد الرواية ناشر يتحمس لطبعها ، وكان يامل ان تباع الثلاثة الاف نسخة في حدود عام او عامين ، ، لكن المفاجاة كانت في انتظار الفتاة الكندية حيث نفذت الرواية التي تعالج بعضا من القضايا المتعلقة بالهوية وموقف المجتمع من المراة ، نقرا قصة امرأة، اسمها غير معروف، تعود إلي مدينتها في كندا، لتبحث عن والدها المفقود . وفي صحبة كل من حبيبها و زوجها وصيقدتها آنّا ، حيث نجد هذه المرأة تقابل ماضيها في بيت الطفولة ، مستدعية الأحداث والمشاعر بينما تحاول أن تجد حلولا لألغاز اختفاء أبيها الغامض . الا ان الماضي بكل مأسيه وذكرياته يتغلب عليها ، فيقودها الى مصحة للمجانين .
عندما بلغت السادسة والاربعين نشرت روايتها " قصة الخادمة " ، ترجمها الى العربية عبد الحميد فهمي ، - هناك ترجمة اخرى بعنوان حكاية الجارية ترجمة احمد العلي - يبدو الامر لها اشبه بالمفاجاة فالرواية التي تحذر من مستقبل كارثي لمجتمع يسوده العقم تهيمن عليه طائفة من رجال الدين ، تُقسم فيه النساء الى طائفتين ، مجموعة تخضع للاستعباد الجنسي لإنجاب الأطفال من رجال الدين الأقوياء، ومجموعة هنّ زوجات هؤلاء الرجال يعانين من العقم فياخذن الأطفال من أمهاتهن . وتقول آتوود :" تاثرت كثيرا بسيمون دي بوفوار وبالخصوص كتابها العظيم الجنس الاخر والذي تسلط فيه الضوء على نظرة الرجال الى النساء على اعتبارهن مجرد جنس . جنس مطلق ولا شىء غير ذلك. فالمرأة ثانوية والرجل ضروي وأساسي. الرجل مطلق والمرأة هي الآخر".
في الرواية نجد مجتمع الرجال ينظر الى المرأة باعتبارها وعاء لتفريغ الشهوات ، حيث العمة ليديا التي تقوم بدور المتحدث الرسمي للحكومة الدينية ، تصر على ان النساء مجرد اشياء مكملة لعالم الرجل ، اعتبرت الرواية بعد صدورها منشورا اجتماعيا وثقافيا ونقدا للتقاليد والعادات الموروثة .
رشحت الرواية لجائزة البوكر لكنها منحت في ذلك العام لكينجسلي أميس، تضحك وهي تجيب عن عدم منحها الجائزة انذاك :" قالوا إنني لا ازال صغيرة، هكذا تسير الأمور، كل ما علينا أن نواصل الكتابة، لا شيء غير ذلك ،" ، بعد خمسة عشر عاما تخطف آتوود جائزة البوكر عن روايتها " القاتل الأعمى" ترجمتها الى العربية عزة مازن ، وفيها نتعرف على حكاية شقيقتين، إحداهما انتحرت بعد الحرب العالمية الثانية نتيبجة مقتل حبيبها في الحرب ، والثانية امراة مسنة تستعيد ذكريات طفولتها وعلاقتها غير الشرعية بحبيب شقيقتها، إضافة إلى زواجها التعيس من رجل يكبرها سناً.
عانت آتوود من نظرة المجتمع لها لانها لم تستقر في علاقتها الزوجية الاولى ولا الثانية ، وتقول آتوود في حوار معها لصحيفة الغارديان انها :" من ذلك الجيل الذين قيل انهم من المؤرخين الاجتماعيين والادباء ايضاً، ان على المرأة الكاتبة، منح نفسها لادبها، لانها غير قادرة على الامساك بطرف الكتابة والاسرة " .
عام 2017 فازت آتوود بجائزة فرانز كافكا الدولية ، وقالت خلال المراسم التي اقيمت في براغ :" هذه الجائزة خاصة جدا بالنسبة لي لان اول محاولة ادبية مستقلة كتبتها كانت بوحي من فرانز كافكا في الخمسينات. لقد قرأت في تلك الفترة سيرة حياة فرانز كافكا فضلا عن كل اعماله وانا اذكرها جيدا
وعندما سالت هل لديها مشكلة لكونها الكاتبة الاكثر مبيعاً ، ومع ذلك تأخرت نوبل عنها حتى الآن؟ قالت :" الجميع يسألونني عن جائزة نوبل بينما أنا ليس لدي أي سلطة في هذا الشأن، أما بخصوص المبيعات فهناك أربعة أنواع من الكتب: كتب جيدة رائجة، كتب جيدة غير رائجة، كتب رديئة رائجة، كتب رديئة غير رائجة. النوع الأخير بالتأكيد هو النوع الذي لا يريد أحد منّا كتابته " .
تنعكس اهمية كتابات مارغريت آتوود في تنوعها ، ورغم اصرارها على الغوص في عالم المرأة من خلال معظم اعمالها الروائية ، لكن ذلك لا يعني انفصالها عن الحاضر ومشاغله؛ علاوة على أنها مسكونة ومنشغلة بالاحتمالات التي يحملها المستقبل ، مثل ظاهرة الاحتباس الحراري والحروب الحديثة وكوارث البيئة وظاهرة الفقر وعدم المساواة في الاجور والاهم حقوق المراة .. وهي تدخل عقدها التاسع ، قالت لمراسل جريدة الغارديان :" ان الناس يبدون عجبهم، لأني مازلت على قيد الحياة. والناس يرون رأسي على شكل كتاب ، ويتوهمون انني طويلة القامة ،علماً انني قصيرة اقصر مما يتصورون وخصوصا امام الجوائز