أعداء الحوار...أسباب اللاتسامح ومظاهره

أعداء الحوار...أسباب اللاتسامح ومظاهره

يبدو أن مقولة «الشرق شرق والغرب غرب» متجذرة في الأذهان لا تزول بعقد مؤتمرات وحلقات نقاشية للتقريب بين المجتمعات الشرقية والغربية، أو بالدعاية المستمرة لثقافة الحوار.للحوار سواء كان دينياً، ثقافياً، سياسياً، أو اجتماعياً، أعداء لا يؤمنون بالتسامح أو احترام الرأي الآخر،

لذا يرصد الباحث الإيطالي مايكل أنجلو ياكوبوتشي، رئيس المجلس التنفيذي للاتحاد اللاتيني، مظاهر اللاتسامح في مؤلفه «أعداء الحوار... أسباب اللاتسامح ومظاهره» الصادر عن دار «شرقيات» في القاهرة بترجمة د. عبد الفتاح حسن المدرس.
يستنكر المؤلف في مقدمة كتابه القلق الغربي من أوهام تقول إن الإرهاب قادم من دول العالم الإسلامي، محذراً من أن تتحول المسألة إلى حرب حضارات، بالتالي الانجراف إلى الدوامة الضالة للمواجهة بين الشرق والغرب، مذكراً بأن شعار «الموت أفضل من الشيوعية» كان أحد أكثر الشعارات بلاهة في التاريخ، ومقولة إن الإرهاب المتأسلم، يهدد بأن يصبح الشيطان رقم واحد، مقولة قد تقود الحرب المقدسة ضد طريقة الغرب نفسه في الحياة. يوجه الكاتب إلى المتخوفين من خطر الإسلام سؤالاً استنكارياً: «أي حرب باسم الدين أو الحضارة كانت وراء إبادة قبائل التوتسي في رواندا، أو تلك الممارسات الوحشية في الشيشان، وصعود النازيين الجدد أعداء الأجانب في ألمانيا»؟
يشير الكاتب إلى أنه يتحدث عن الإرهاب بوصفه أحد إفرازات عدم القدرة على التسامح وقبول الآخر، «إنه أحد نواتج ضيق الأفق وعدم القدرة على التعايش مع الغير، فإدارة حوار نتظاهر فيه بمقدرتنا على التسامح، كثيراً ما تنطوي على تعصب أعمى»، مدللاً بأننا نبدأ الحوار ولدينا قناعة بأن الآخر سينضم حتماً إلى جانبنا، عاجلاً أو آجلاً، بسبب قوة قضيتنا الواضحة.
يزيد المؤلف الأمر توضيحاً بأن تسامحنا في حقيقة الأمر مشروط بأن يكون الشخص المتسامح معه مستعداً للتنازل لنا عن رأيه في النهاية، وهذا ما يعني أن اللامتسامح، في الحقيقة، هو نحن، «الأمر إذن يتطلب عناءً كثيراً لمواجهة هذه الحقيقة».
وضع المؤلف كتابه في ستة أقسام، بدءاً من التمهيد الذي خصه للحديث عن اللامتسامح كرغبة في إثبات الذات، وعن التسامح باعتباره قاسم التعايش المشترك الأدنى، مروراً بالجزء الأول الذي تحدث فيه عن اللاتسامح الديني والمؤسس على اليقين المطلق المستمد من عند الله، ليتناول قضية القتل لإرضاء الرب أو لاتسامح المقدس الباطني متعرضاً بالحديث إلى التزمت اليهودي والصهيونية وروح إسرائيل الازدواجية، مشيراً إلى أن اليهودي لامتسامح مع الآخر بسبب إصابته بحمى الاعتقاد بأنه، دون سائر شعوب الأرض، مختار من الرب، من ثم فإنه مصاب بعقدة الاستعلاء.
تسيطر، على الدولة اليهودية بحسب المؤلف، الأصولية بقوة وهي الأسطورة التي شعر اليهود فيها دائماً أنهم معزولون ومقتلعون من أوطانهم، ونظرت إليهم المجتمعات على أنهم عامل اضطراب محتمل، ولعل هذه هي النواة الأساسية التي شكّلت فكرة «معاداة السامية»، والتي تلقي بجذورها في اللاشعور الفردي والجماعي لدى اليهود.
يؤكد يوكابوتشي أن مفاهيم معظم الكتاب الغربيين عن الإسلام مغلوطة ومليئة بأكاذيب وافتراءات مقصودة أحياناً، ومردها غالباً إلى جهل الغرب بحقيقة الإسلام كدين، متعرضاً إلى مجموعة من الأصوليات والحركات الدينية في مجموعة من الدول الإسلامية، ومتحدثاً عن سيد قطب الذي رأى أن خلافه مع الغرب صراع ديني وليس عسكرياً ولا سياسياً ولا اقتصادياً، وهو ما ينفي عنه صفة الرجعية أو التعصب التي يحاول الغرب إلصاقها به.
حول فصل «فضيلتان غير مؤكدتين»، يقول المؤلف: التسامح هو القاسم المشترك الأدنى للتعايش، وإذا كان التسامح لا يكون تساهلاً أو إرضاء للذات، فلا يجب أن يتم أيضاً الخلط بينه وبين اللامبالاة، إذا كان قبولنا لشيء ما سببه أنه لا يمسنا من قريب أو بعيد، ولا يخلق لنا مشاكل، ذلك لا يمكن أن نسميه تسامحاً، التسامح لا يعني على الإطلاق الاستغناء عن اليقين الشخصي الراسخ، بل فقط الاستغناء عن ترسيخه بوسائل مغايرة لوسائل الإقناع».