قبل تسعين عاما.. في 19 أيلول 1929 السعدون يشكل وزارته الاخيرة

قبل تسعين عاما.. في 19 أيلول 1929 السعدون يشكل وزارته الاخيرة

قصي محمود الحسناوي
نجح عبد المحسن السعدون في تشكيل اربع وزارات برئاسته، وذلك في 28تشرين الثاني 1922، 26حزيران1925، 14كانون الثاني1928، 19ايلول1929 فضلاً عن ذلك، فقد شغل مناصب نيابية عديدة، إذ اصبح نائباً عن "لواء البصرة" في المجلس التأسيسي، ثم انتخب رئيساً للمجلس وذلك في 27 أذار 1924، كما وانتخب ايضاً (مرتين) نائباً عن لواء البصرة في مجلس النواب العراقي في تموز 1925، ايار 1928، فضلاً عن انتخابه مرتين رئيساً لمجلس النواب

في27 تشرين الثاني 1926، 29 نيسان 1929، وذلك بدعم وتصويت "حزب التقدم" له.
عُرف عن عبد المحسن السعدون، بكونه ذا توجهات قومية، حيث كان داعماً وسانداً للقضايا العربية، ولاسيما ( الثورة السورية 1925)، و( القضية الفلسطينية 1929). كما ويحسب للسعدون، نجاحه في ظل وزارته الثانية في حل (قضية الموصل) وابقائها ضمن الحدود العراقية.
ولكن الاهم من ذلك، ان عبد المحسن السعدون، بذل جهده لتأليف حزب سياسي اطلق عليه اسم" حزب التقدم"، وقرر ان اعضاءه الرئيسين من النواب، وقد تشكلت الهيئة الادارية الاولى لـ" حزب التقدم" برئاسته وفي 31 تشرين الاول1929، قام السعدون بتشكيل هيئة ادارية جديدة لـ"حزب التقدم" (الهيئة الادارية الثالثة) ، وكانت برئاسته أيضاً.
ومن الجدير بالذكر، أن السعدون، سبق وان تعرض لمحاولة اغتيال من قبل شخص يدعى عبد الله حلمي في 10آب1926، ولكن الغريب في الامر ان السعدون اعلن العفو عنه وتنازل عن حقه الشخصي، ولكن المحكمة أعلنت حكمها بحبس المتهم سنتين ونصف. والجاني من اهالي دير الزور يعمل مأمور كمرك في كويسنجاق الا انه اخرج من وظيفته بسبب تجاوزهُ مدة اجازته التي كانت شهرين الى تسعة اشهر ، ثم عين موظفاً في وزارة المالية، الا انه فصل منها لسوء سلوكه ، وقد حاول التوظيف بعدها لكنه فشل، مما دفعه ذلك للتهجم على الحكومة واتخاذه قرار اغتيال رئيسها عبد المحسن السعدون
اما بالنسبة لوزارته الرابعة والاخيرة فقد كانت نية السعدون، تشكيل (وزارة ائتلافية) يكون (ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني وجعفر أبو التمن) من أعضائها، إلا أن أعضاء "حزب التقدم" عارضوا ذلك، وهددوا بعدم المشاركة في الوزارة الجديدة. حتى أن يوسف غنيمة، عضو "حزب التقدم"، في تصريح له في جريدة "الأهرام" المصرية ، استبعد أن تكون وزارة السعدون، وزارة ائتلافية، لأن الأكثرية الساحقة من مجلس النواب تنتسب إلى "حزب التقدم"، ويمكنها أن تؤلف وزارة قوية متجانسة من دون حاجة إلى مؤازرة المعارضين، ولاسيما بعد أن ثبت فشل الوزارة الائتلافية في سنة 1927.
ونتيجة لذلك، قرر السعدون، ونزولاً لأرادة أعضاء "حزب التقدم"، أن يشكل وزارة لا يوجد فيها عنصر من غير التقدميين، وان وزارته تقدمية بحتة، ولذلك فان بعض أعضاء الحزب وعددهم ثلاثون عضواً، قد عقدوا جلسة للحزب، قبل تأليف الوزارة الجديدة.ومن الجدير بالذكر، أن ناجي شوكت، أحد أعضاء "حزب التقدم" الذي تقلد وزارة العدلية في وزارة السعدون الرابعة، كان رأيه أن تكون الوزارة السعدونية، وزارة قومية لا حزبية، تضم أركان الأحزاب كافة.
وعلى الرغم من ذلك، شكل السعدون وزارته الرابعة في 19 أيلول 1929، وكانت وزارته ائتلافية، وقد أشارت أحدى الوثائق البريطانية،إلى أن بريطانيا كانت تسعى لبذل كافة الجهود من أجل ابقاء السعدون ووزارته في مركز القوة حتى سنة 1932، وقد سبب هذا التشكيل اعتراضات عديدة من قبل أعضاء "حزب التقدم"، ولاسيما بعد أن اشترك فيها ياسين الهاشمي، رئيس "حزب الشعب" المعارض، وزيراً للمالية. ففي اجتماع لـ"حزب التقدم" في 1 تشرين الثاني 1929، ألقى السعدون خطبة سياسية دافع فيها عن اختياره لياسين الهاشمي لوزارة المالية، فقال :" إنّ ياسين باشا معروف بحسن بلائه في القضايا الوطنية. فقبول هذه الشخصية الممتازة في حضيرتنا، لدليل واضح على حسن نوايانا وعدم اهتمامنا بالفوارق الحزبية، وأنا لا أشك في انكم تشاركونني في قناعتي هذه"، فاعترض أعضاء الحزب على ادماج الهاشمي في الوزارة ، وثارت المناقشة على ذلك. فكانت النتيجة الحاسمة، أن الحزب وافق بأكثرية ساحقة على إدماج الهاشمي في الوزارة السعدونية الرابعة.
وعلى الغرار نفسه، عبر جعفر العسكري، عن رأيه بخطوة السعدون قائلاً : "إنّ اشتراك ياسين الهاشمي في هذه الوزارة الجديدة، بتقلده زمام وزارة المالية، وهو من أقطاب حزب المعارضة لدليل على أن الأحزاب السياسية في العراق متعاونة في السعي لبلوغ غايتها الواحدة، وهي انضمام العراق إلى عصبة الأمم بتحالف بريطانيا العظمى.
وعلى أية حال، فأن الوزارة السعدونية الرابعة، قد انتهت بفاجعة كبيرة، إذ أقدم رئيسها عبد المحسن السعدون، على الانتحار في 13 تشرين الثاني . وقد انتهت حياة السعدون، منتحراً في فجر 13تشرين الثاني 1929، بعد ان تغلب عليه الإعياء والتعب لمواجهة مشاكل الحياة السياسية كونه سياسياً محنكا، إذ وجد من تجربته ان الشعب يطلب شيئاً آخر، فاستولى عليه هذا الصراع لأنه ابى ان يخذل شعبه فسدد لنفسه مسدسه وانهى بذلك حياته.
ان الكثير من المصادر اشارت الى ان واحداً من الأسباب المهمة التي أدت الى انتحاره، هو مشاكله العائلية مع زوجته حورية خانم، الا ان حميد حمد السعدون استبعد ذلك مستنداً الى ( وصية السعدون)، التي تركها قبل انتحاره حيث اوصى فيها ابنه علي باحترام والدته.
وعلى ما يبدو، ان الشاعر معروف الرصافي كان له رأي اخر في انتحار السعدون، حيث اتهم طه الراوي احد اعضاء "حزب التقدم" بوشايته للسعدون، امام دار الاعتماد البريطاني بتهمة التحريض على الثورة ضد بريطانيا، وعندما تم استجوابه من قبل دار الاعتماد، لم ينكر عبد المحسن ما نطق به وقال " ماقلت إلا الحق"، وبعد مرور يومين انتحر عبد المحسن السعدون.

بعد انحلال الوزارة السعدونية الرابعة، وذلك بانتحار السعدون في 13 تشرين الثاني 1929، أصدر الملك فيصل الأول إرادته الملكية إلى ناجي السويدي، وزير الداخلية في الوزارة المنحلة بإسناد منصب رئاسة الوزارة بالوكالة اليه . وفي 18 تشرين الثاني 1929، صدرت إرادة ملكية أخرى تقضي بتأليف ناجي السويدي للوزارة، فأصبح رئيساً للوزراء إلى جانب احتفاظه بمنصب وزير الخارجية.

عن رسالة (حزب التقدم في العراق ودوره السياسي
1925- 1931 دراسة تاريخية )