إلى حتفها تسير هذه البلاد

إلى حتفها تسير هذه البلاد

رضا الظاهر
حالة الاستعصاء هي التي تسم الأزمة السياسية المعقدة في البلاد. فليس هناك أفق منظور لإخراج البلاد من هذه الأزمة، والسياسيون المتنفذون في الحكم لا يبدون شعوراً بالمسؤولية أزاء مصائر العملية السياسية، بل ويستمرون في ممارسة لعبة الصراع على الامتيازات

والمصالح الضيقة تحت ظلال منهجية المحاصصات المقيتة التي تشكل جذر الأزمة السياسية والاجتماعية العميقة التي تعصف بالبلاد وتضع وجهة تطورها في مهب الريح. وفي غضون ذلك تتباين مواقف المتنفذين من الوجود الأميركي، إذ يبدون في العلن حماساً واتفاقاً على ضرورة إنهاء هذا الوجود وسحب قوات الاحتلال وفقاً للاتفاقية العراقية الأميركية وفي الموعد المحدد.
ويعتقد محللون، عن حق، أن هشاشة السلطة وتشبث أركانها بامتيازاتهم وتعمق صراعات المتنفذين عوامل متداخلة تسهم في الاخفاق المحتمل من جانب الحكومة في إنجاز ما تضمنته الاتفاقية العراقية الأميركية.
ومن ناحية أخرى تتعمق الخلافات بين القوى المشاركة في الحكومة. وقد اتخذت في الفترة الأخيرة تصعيداً في تبادل الاتهامات مما يعكس تزايد احتمالات التدهور، وهو ما دفع "المحررين" الى ممارسة ضغوط إضافية والدعوة الى سيناريوهات جديدة هدفها الرئيسي، بالنسبة لهم، الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم. ويتحول بقاء أو رحيل قوات الاحتلال الى لعبة جديدة يستثمرها الحكام كل حسب مصلحته الضيقة، بينما يستمر "المحررون" في محاولة الإمساك بخيوط اللعبة كما فعلوا كل حين.
وفي مسعى لاستباق فشل خطة المئة يوم تتزايد التصريحات التبريرية التي راحت تؤكد أن الفترة غير كافية لتحقيق الوعود التي طرحت. غير أنه ما من أحد من الحكام المتنفذين يتجرأ على إدراك حقيقة أن أساس الأزمة يكمن في التمسك بمنهجية المحاصصات الطائفية والاثنية التي تعيد إنتاج الأزمة، والاعتراف بهذه الحقيقة، واتخاذ الاجراءات العملية الكفيلة بالتخلي عن هذه المنهجية كسبيل لحل المأزق السياسي الاجتماعي.
أما تجليات الأزمة فتتواصل دون أن يلوح في نهاية النفق بصيص نور يوحي بأننا نقترب من حل لهذه الأزمة. ففضلاً عما أشرنا اليه، على نحو وجيز، من تعقد للمكونات السياسية للأزمة يمكننا أن نرى، أيضاً، استمرار فعل المكونات الأخرى للأزمة متجلية في الفشل في ضبط الأمن وإيقاف تدهوره، والاخفاق في ملفات الخدمات الأساسية والبطالة وحقوق الانسان وسوى ذلك من ملفات الأزمة المرتبطة، بالطبع، بارتباك وتعقد الوضع السياسي.
وليس من المبالغة في شيء القول إن ملف الفساد، الذي كشف مؤخراً عن فضائح جديدة، يعد من بين أخطر الملفات إن لم يكن أخطرها على الاطلاق. ومن الجلي أن الحكومات المتعاقبة، التي أخفقت في معاقبة المسؤولين عن الأزمات المستعصية، لم تتخذ موقفاً جدياً في مكافحة الفساد. فقد كبلت أيادي هيئة النزاهة وسواها من الهيئات المعنية وأعاقت اتخاذ الاجراءات العادلة بحق ممارسي الفساد والمتورطين به، والكشف عما أعلن غير مرة عن وجود أدلة ومعلومات موثقة عن أسماء نهّابي أموال الشعب، وخصوصا النهّابين الكبار. وظل الفساد، في سياق شيوع أخلاقية التواطؤ وطمس الحقائق وغياب المساءلة، يستشري على نحو "مؤسساتي" على مختلف المستويات.
ولا يتوقف الشلل عند حدود حكومة "الشراكة الوطنية" العاجزة عن اتخاذ إجراءات عملية ملموسة في ملفات الأزمة، وإنما يتجاوز هذه الحدود ليفضح عجز البرلمان عن ممارسة دوره في الرقابة الحقيقية على الحكومة ومساءلتها عن مختلف القضايا، وبينها قضايا مصيرية مثل وجود قوات الاحتلال وتواصل الأزمات المستعصية في سائر ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ومما يثير السخط أن السياسيين المتنفذين يواصلون استهانتهم بارادة الشعب ووجهة تطور البلاد، ويظلون أسرى لنمط تفكير ضيق جوهره الحفاظ على الامتيازات على حساب مصائر العملية السياسية التي يزعمون، جميعاً، بأنهم حريصون عليها !
ولا ريب أن من بين المصائب العراقية، وهي مصائب تبدو بلا نهاية، أن حكام المحاصصات، الذين يطلقون على أنفسهم صفة حكام "شراكة وطنية"، يستمرون في الصراع المحتدم على تقاسم المغانم، ويعجزون، بسبب هذه المنهجية في التفكير والسلوك، عن إيقاف السيناريو القديم المستمر منذ ثماني سنوات والذي أوصل البلاد الى طريق مسدود.
ومن نافل القول إنه ما من سبيل لايقاف التدهور ووضع العملية السياسية في مسار صحيح سوى مواصلة استثمار السخط المتعاظم وتحويله الى حركة شعبية قادرة على إرغام الحكام على التخلي عن أنماط تفكيرهم الضيقة وصراعهم على الامتيازات وتشبثهم بمنهجية المحاصصات.
* * *
متى يتمكن حكامنا من رؤية حقيقة الأزمة وجوهرها، والكف عن التخبط في التحليل والايغال في إيهام الناس والاستهانة بارادة المعذبين الساخطين والوفاء بالوعود التي قطعوها لهؤلاء الملايين ؟
متى سيشبعون من الغنائم والامتيازات، ويوقفون الضحك على ذقون الناس المكتوين بنيران المعاناة والذين تطحنهم رحى المآسي ؟
أ إلى هذا الحد يمكن لحكام البلاد أن يخشوا من عواقب تخليهم عن نهج المحاصصات وخوفهم من أن يؤدي هذا التخلي الى إزاحتهم عن الكراسي التي يمنون أنفسهم بعدم السماح لآخرين بالجلوس عليها بأي ثمن ؟
أ تسير هذه البلاد الى حتفها !؟

عن: الحوار المتمدن