كربلاء سنة 1911 في مدونة نادرة

كربلاء سنة 1911 في مدونة نادرة

اعداد : ذاكرة عراقية
وصف كربلاء في بداية القرن الماضي ( عمانوئيل فتح الله عمانوئيل مضبوط ) حيث زارها سنة 1329 هـ 1911م ، فقال : « قد سرنا منظر ( كربلاء ) أعظم السرور لاسيما ( كربلاء الجديدة ) أو شهرنو ، فإن طرقها منارة كلها تنيرها القناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري والقادم من بغداد إذا كان لم يتعود مشاهدة الطرق الواسعة والجادات العريضة

أو إذا كان لم يتعود مشاهدة الطرق الواسعة والجادات العريضة أو إذا كان لم يخرج من مدينته الزوراء ويدهشني أعظم الدهش عند رؤيته لأول مرة هذه الشوارع الفسيحة التي تجري فيها الرياح والأهوية جرياً مطلقاً لاحائل يحول دونها كالتعاريج التي ترى في أزقة بغداد وأغلب مدن بلادنا العثمانية . وعند دخولنا المدينة نزلنا على أحد تجار المدينة وهو السيد صالح السيد مهدي الذي كان قد أعد لنا منزلاً نقيم فيه ، فأقمنا فيه نهاراً وليلتين .
وفي الليلة الاولى خرجنا لمشارفة ما في المدينة مع السيد أحمد وأخذنا نطوف ونجول في الطرق فمررنا على عدة قهوات حسنة الترتيب والتنسيق ورأينا فيها جوامع فيحاء ومساجد حسناء وتكايا بديعة البناء وفنادق تأوي عدداً عديداً من الغرباء وقصوراً شاهقة ودوراً قوراء وأنهاراً جارية ورياضاً غناء وأشجاراً غبياء ، والخلاصة وجدنا كربلاء من أمهات مدن ديار العراق إذ أن بعض الصناع يفوقون مهرة صناع بغداد بكثير لاسيما في الوشي والتطريز والنقش والحفر على المعادن والتصوير وحسن الخط والصياغة والترصيع وتلبيس الخشب خشباً أثمن وأنفس على أشكال ورسوم بديعة عربية وهندية وفارسية وهندسية . ولما كان الغد وكان يوم السبت رأينا مالم نره في الليل فسبقنا وصفه . وكنا نقف عند التجار زملائنا وحرفائنا ومعاميلنا الذين نتعاطى معهم بالبيع والشراء . وفي خارج المدينة نهر اسمه ( الحسينية ) ( بالتصغير ) وماؤه عذب فرات ومنه يشرب السكان إلا أن ماءه ينضب في القيظ فتخرج الصدور وتضيق النفوس ويغلو ثمن الماء فيضطر أغلبهم إلى حفر الآبار وشرب مياهها وهي دون ماء الحسينية عذوبة فتتولد الأمراض وتفشو بينهم فشواً ذريعاً كالحميات والأدواء الوافدة والأمل ان الحكومة تسعى في حفر النهر وحفظ مياهه طول السنة. في كربلاء مستشفى عسكري ودار حكومة ( سراي ) وثكنة للجند وصيدلية وحمامات كثيرة ودار برق وبريد وبلدية وقيسريات عديدة . وفيها قنصلية إنكليزية والوكيل مسلم وأغلب رعية الإنكليز من الهنود . وفيها أيضاً قنصل روسي وهو مسلم أيضاً من كوه قاف ( قوقاسي ) وهيئة كربلاء الجديدة ترتقي إلى مدحت باشا الشهيرة , و يبلغ عدد سكانها 105000 نسمة منها 25 الفاً من العثمانيين و60 الفاً من الإيرانيين وبعض الأجانب المختلفي العناصر و 20 الفاً من الزوار الغرباء الوافدين اليها من الديار البعيدة وليس فيها نصارى لكن فيها عدد من اليهود . أما هواء كربلاء فمعتدل في الشتاء ورديء في الصيف لرطوبته .
أما في سائر أيام السنة فيشبه هواء سائر مدن العراق بدون فرق يعتد به . والذي يجلب المسلمين إلى كربلاء هو زيارة قبر الحسين بن بنت رسول المسلمين وقبور جماعة من شهداء آل البيت والحسين مدفون في جامع فاخر حسن البناء فيه ثلاث مآذن وقبتان كلها مبنية بالآجر والقاشاني ومغشاة بصفيحة من الذهب الابريز وهناك أيضاً ساعتان كبيرتان دقاقتان وكل ساعة مبنية على برج شاهق . وفي كربلاء جامع آخر لايقل عن السابق حسناً في البناء وهو جامع العباس وفيه أيضاً مئذنتان وقبتان وساعتان كبيرتان على الصورة المتقدم ذكرها ووصفها . وفي هذه المدينة قسم قديم البناء و الطرز ضيق الازقة والشوارع والأسواق إلا أن مايباع في تلك الأسواق بديع الصنع وأغلب بضائعها تشاكل بضائع بلاد فارس لاسيما يشاهد المناظر كثيراً من الطوس من كبيرة وصغيرة من النحاس الأصفر ( الصفر ) وهناك سلعة لاتراها تباع في غير كربلاء وهي الترب ( جمع تربة وزان غرفة ) وهي عبارة عن قطعة من الفخارأخذ ترابها من أرض كربلاء وجبلت على صورة مستديرة أو مربعة أو مستطيلة أو نحو ذلك يتخذها الشيعة وقت الصلاة فيجعلونها في جبهة القبلة ويصلون متجهين نحوها . ومما يكثر في اسواقها انواع الاحذية المختلفة الشكل الفارسية الطرز وترى في الحوانيت الزعفران الفاخر الخالص من كل شائبة وغش مما لا تجد مثله في بغداد . ولغة أغلب أهل كربلاء الفارسية لكثرة العجم فيها ، إلا أن الكثيرين منهم تعلموا العربية ويحسنون التكلم بها. ويقسم لواء كربلاء إلى ثلاثة أقضية وهي مركز قضاء كربلاء والهندية والنجف والى سبع نواح وهي : ثلاث منها في مركز القضاء وأسماؤها : المسيب والرحالية وشفاثه وواحد في الهندية وهي الكفل وثلاث في النجف وهي الكوفة والرحبة والناجية . ولما كان نهار الأحد 4 نيسان نهضنا صباحاً وفطرنا ثم ركبنا العجلات وبرحنا كربلاء في نحو الساعة العاشرة ( مجلة لغة العرب ، السنة الاولى ص 156 )
ملحق بالنص :
ذكر الاستاذ عبد الرزاق الحسني في كتابه الرائد ( موجز تاريخ البلدان العراقية) : أما كربلاء اليوم( يقصد العشرينيات) فتبعد عن بغداد 74 ميلاً ، وتربطها بها سكة حديد ثابتة . وهي مدينة واسعة جالسة على ضفة ترعة ( الحسينية ) اليسرى ، يحيط بها شجر النخيل الوارف وتحفها البساتين المحتوية على أشجار الفواكه الباسقة المختلفة الصنوف ، وهي إلى ذلك ذات جادات واسعة ومؤسسات فخمة وأسواق منظمة ومبان عامرة ورياض وغياض كثيرة ، وتقسم كربلاء من حيث العمران إلى قسمين يسمى الأول ( كربلاء القديمة ) وهو الذي أقيم على أنقاض كربلاء العريقة في القدم والشهيرة في التاريخ . ويدعى الثاني ( كربلاء الجديدة ) وهو الذي خطط في عهد ولاية المصلح الكبير مدحت باشا في عام 1285 هـ ( 1868 م ) وبني بعد عام 1300 للهجرة على طراز يختلف عن الطراز القديم ، إلا أنه تهدم معظمه ـ مع الأسف ـ حيث أقيم على أرض سبخة تنزفيها المياه فتأكل أسس الجدران ، ولهذا السبب يحيط بكربلاء اليوم مستنقع كبير هو علة وجود أمراض مزمنة في هذه المدينة تجعل وجوه الأهلين صفر الوجوه هزيلي الأجسام معرضين للأمراض المختلفة كما وصف كربلاء أيضاً الأستاذ رزوق عيسى فقال : كربلاء وهي إحد المدن المقدسة عند الشيعة وفيها مرقد الحسين وموقعها على ضفة نهر الحسينية اليسرى يحيط بها من جهة الشمال والغرب وتكتنفها المزارع والبساتين والرياض من الشمال والشرق والجنوب ، وهي واقعة إلى الجنوب والجنوب الغربي من بغداد تبعد عنها 80 كيلومتراً أو نحو 35 ميلاً وتبعد عن الحلة 25 ميلاً وهي قائمة إلى الغرب والشمال الغربي منها . وفي كربلاء بلدتان الواحدة قديمة والأخرى جديدة فالأولى إلى الشمال ويحيط بها سور من الشرق والشمال والغرب ومفتوحة من جهة الجنوب حيث ترى البلدة الجديدة وهي متسعة البناء وفيها جادة واسعة عريضة آخذة إلى الشمال والجنوب وعلى مسافة ميل من جنوب البلدة الجديدة منزل واسع للزوار . وأما البلدة العتيقة فطرقها معوجة ودورها متجمعة وارتفاع سورها يتراوح بين 20 و30 قدماً وهو مبني بالآجر وفي أعلاه أبراج ، وموقع المدينة مستو إلا أن الجهة الشمالية الغربية أعلى من سائر الجهات .