لم يعد الصمت ممكناً

لم يعد الصمت ممكناً

ينشر ملحق احتجاج مقالات رئيس التحرير فخري كريم خلال الايام الماضية والتي نشرت كافتتاحية لصحيفة المدى وهي تؤشر لملامح مهمة من المشهد العراقي اليوم .. وتحاول ان تثير الكثير من علامات الاستفهام

(1)
قواعد العدالة ومعافاة المجتمع في دولة القانون والديمقراطية..

ضُيّعَت على شعبنا فرصة تاريخيةٌ باستعادة عافيته السياسية والاجتماعية، في أعقاب انهيار نظام الطغيان البعثي الصدامي في نيسان ٢٠٠٣، بصدور سلسلة قوانين وقرارات بول بريمر الارتجالية، غير المُدرَكة نتائجها وعواقبها، وانفلات الغرائز اللا إنسانية الكامنة، كَرَدِ فعل للكبائر التي ارتكبها النظام الفاشي في البلاد. فالقوانين والقرارات والتدابير المتناقضة التي استهدفت معالجة الآثار الإجرامية للنظام، واجتثاث أسسها والحيلولة دون استمرار تأثيرها،
أدت في الواقع العملي إلى إعادة إنتاجها، وتحولها من ممارسة "سلطوية " معزولة ، إلى الإدراك العام كأداة للانتقام من جانب والدفاع عن النفس من الجانب الآخر. ومع نقل المسؤولية السياسية عن الجرائم والفظائع الكبرى من "الطغمة" الحاكمة وأدواتها التنفيذية في الأجهزة الأمنية والمخابراتية والخاصة المحترفة إلى "الطائفة" المتهمة ادعاءً وبهتاناً بتمثيل سلطتها، تم إرساء مفهوم وقواعد الانتقام بديلاً عن المقاضاة أمام القانون. وساعد في هذا التحول غيابٌ كلي لسلطة الدولة، ورفضٌ ضمني لسلطة الاحتلال التي توَلَتْ التشريع والتنفيذ والولاية المطلقة على إدارة البلاد. ولابد من التأكيد في كل مرة على الدور المشبوه لقانون "اجتثاث البعث" و "قرار حل الجيش" وتدابير أخرى متناقضة عديدة في إشاعة مفهوم "الانتقام" وسيادته بالضد مما ينبغي اعتماده من احتكام لسلطة القانون والقضاء والعدالة في إطار الدولة الحاضنة. فالقانون والقرار والتدابير المرتبطة بهما، اتسمت بالطابع الشمولي في فحواها وحكمت على الجميع "ضمنياً" بالشبهة والاتهام بالمشاركة في جرائم النظام والمسؤولية عنها، وهذا كان يعني شمول كل المنتسبين للبعث عن طواعية وإيمان، وهؤلاء قلة يمكن حصرهم في القيادات والكوادر التي ارتبطت مصالحها وربطت مصيرها بالنظام، لقناعة أو لتورط في تنفيذ جرائمه، أو لانتماءٍ على كراهةٍ ومصلحةٍ وسوء تدبير. لكن السلوك العملي لسلطة الاحتلال والقوى الناهضة الجديدة، المتميزة بطابعها الطائفي الانعزالي، حدد المستهدفين، بغباء أو بسوء نية وتعمد مسبق بدوافع سياسية لم تتكشف وثائق إدانتها بعد، بالعدد المحدود الذي روجت له "كوتشينة - دستة ورق اللعب" الجيش الأميركي عشية دخوله العراق وفرض الاحتلال على شعبه بقرار أممي.
إن السلوكية الملتبسة الغامضة من حيث الدوافع والنوايا لسلطة الاحتلال وتعاملاتها المتناقضة، والانهيار الكامل لبنيان الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، وانتشار عصابات الجريمة المنظمة "الحواسم" والمجرمين المطلق سراحهم من السجون بقرار صدام حسين، والانفلات الأمني الذي نجم عن ذلك كله، خلق البيئة النموذجية لاعتماد "الانتقام" الشخصي والفئوي بدلاً من الاحتكام للقضاء والعدالة المرهونة به. وفي مثل هذه البيئة اللا إنسانية المنسلخة بلا وعي عن القيم المتحضرة، اندفعت قطعان الجريمة المنظمة لتشيع مظاهر جديدة في الحياة الاجتماعية والسياسية في كل أنحاء البلاد، وتبتكر وسائل تجارة الخطف والسلب والنهب لتتحول في أسوأ لحظة انتقال ثأريةٍ كارثية إلى تصفية آلاف المواطنين وقتلهم على الهوية والشبهة الدينية والطائفية. واتخذت المأساة الشعبية طابعها الأبشع بانحدار ملوك وأمراء الطوائف إلى مستنقع التصفيات الجسدية، والتحول من السياسة إلى الجريمة المنظمة لتعزيز مواقعها وفرض حضورها في الحياة السياسية، بتصميمٍ ذاتي متعمدٍ ومقصود، أو بانسياق وراء ردود أفعالٍ غير منضبطة تفتقر إلى ابسط المحرمات الدينية والأخلاقية والقيم الإنسانية المتحضرة. وفي تقييم هذه الظاهرة المتوحشة في تاريخ العراق الحديث، لا أهمية للبادئ أو المسؤول الأول الذي بادر لإثارة الفتنة، لان أية محاكمة أخلاقية لهذا الفعل المشين تفصح عن أنه يعيد إنتاج بيئته السلبية ويستثير الحساسيات الثأرية لدى الضحايا، وتتحول ثانية إلى أدوات "طائفية" تحت تصرف تجار السياسة الذين تمرسوا على توظيف مصائب شعبنا لخدمة نواياهم ومطامعهم المشبوهة.
لقد انتقلت البشرية في مجرى "تأنسُنها" وتطورها في تنظيم علاقاتها البينية، وفي مراحل متقدمة من العلاقات داخل المجتمعات المتكونة في تخوم المدن والحواضر وبين وحداتها، من التقاليد الوحشية إلى التدرج في تبني المبادئ والقيم الحضارية الإنسانية. ومثّلت الدولة منذ تكوينها الجنيني كـ"علاقات" بوصفها حاملة لهذه المبادئ والقيم تطورت داخلها وفي رحم مجتمعاتها، واتخذت العلاقة بين "الدولة والقانون ونظام العدالة" طابع توأمة تلتقي وترتقي طوراً، وتتعارض وتتناقض في طورٍ آخر، وفقاً لمستوى التطور والنمو الاجتماعي والاقتصادي والنهوض الثقافي المرافق لهما ونظام الحكم والمصالح المعبرة عنها. إن انهيار الدولة وتفككها يؤدي لا محالة إلى انهيار منظومة العدالة والقوانين المتحكمة بمساراتها، وقد انهارت دولة الاستبداد بكل أركانها في ٩ نيسان عام ٢٠٠٣ وتداعت أحجار بنيانها وتفككت وحداتها إلى خرائب، لكن قيم ومفاهيم "قضائها" و"عدالتها" الاستبدادية تناثرت لتخترق جدران أقبية التعذيب وقطع الألسن والآذان وجدع الأنوف على أيدي عناصر أجهزتها التي تمثلت كل الأساليب الوحشية البدائية واستعادتها من ترسانة الأنظمة المستبدة ، لتنتقل إلى الشوارع والأزقة والمحلات المظلمة على أيدي أزلام الأجهزة الذين أصبحوا قيادات "حواسم" وعصابات منظمة، وضعت نفسها تحت تصرف منظمات القاعدة وفلول البعث والميليشيات الطائفية المسلحة، كلٍ حسب "ملَتهِ" و "طائفته" و "انتمائه" المختلط. وكأن صدام حسين تنبأ بمصير سلطته في الوقت الضائع من غفلته السياسية، فأسس لِنَقل "إرهاب الدولة" بكل ما في ترسانتها من وسائل الجريمة والإبادة إلى الشارع السياسي. ولم تكن الحرائق التي اشتعلت في منشآت الدولة وممتلكاتها، وتدمير بناها التحتية وسرقة الأملاك العامة سوى مشهد عرضي لتكريس هذا الإرهاب والإعلان عن وجود النظام شاخصاً بجريمته واعداً بعودته.
وإذا ما تساءلنا عن النتائج التي ترتبت على أكثر من ثماني سنوات من عملية إعادة بناء الدولة الملغومة بعناصر ومكونات النظام السابق، ومدى الانسجام والتساوق الذي جمع العملية بتوأمها المتمثل بـ"القانون" أو "سلطة القضاء والعدالة"، وانعكاسها على سير العدالة وطمأنة الضحايا وذوي الشهداء، فهل سنتلمس انحساراً لظاهرة الإحساس الشعبي بالقهر من الغدر الذي لحق بهم جرّاءَ تعويلهم على سلطة القضاء بإنصافهم والحجر بذلك على بواعث الجريمة وتصفية أدواتها ومظاهرها.؟ وهل استطاع القضاء "العادل" ردع الدوافع الكامنة "للانتقام" كأداة لإنزال العقاب بالمجرمين من أتباع وأدوات النظام الفاشي الذين احتفظت الذاكرة الشعبية بالوثائق والثبوتات الدامغة على إدانتهم. أو ليس الانتقام تعبيراً في اللاوعي عن مراحل غياب الدولة وسلطتها، فكيف إذا كانت آثار الجريمة شاخصة أمام المجتمع وقد تحولت إلى مظهر جديد في الدولة، تتحرك في دوائرها باعتبارها رموزاً لحقبة جديدة تلبس "لبوسها الديمقراطية" باسم المصالحة الوطنية لتعيد إنتاج نمطٍ متحولٍ من الاستبداد والقتل المعنوي، وتعمق إحساس المواطن بالاغتراب.
ثم ألا تؤشر ظاهرات التمسك بقيم وعادات وسلوكيات النظام المباد إلى صيغ معدلة من التبعيث في المجتمع والدولة. وهل لهذه الظاهرات علاقة بما يراد تعميمه وإشاعته فيهما، تحت مُسمى "المصالحة الوطنية"؟
إن إعادة العدالة إلى مجراها الطبيعي، ومقاضاة أي متهم بالجريمة بحق رعايا الدولة العراقية السائرة بتعثر وتناقضات والتباس على طريق التكوين، سواء أكانت الجريمة قد ارتكبت في ظل النظام المباد أم في بيئة انهيار الدولة والانفلات الأمني من عقالها وحتى أيامنا الراهنة، قاعدة فقهية ملزمة للدولة وسلطتها القضائية تتراجع أمامها كل الأسباب والمبررات السياسية والأخلاقية غير المؤنسنة. وهي أساس متين لأي مصالحة وطنية دائمة مبنية على معافاة العلاقات بين المكونات المجتمعية، وليس مع من يدعي حمل تمثيلها والتعبير عن تطلعاتها وخياراتها. ويقتضي ذلك إعادة الاعتبار على النطاق الاجتماعي والسياسي لمكون أساسي جرى التعامل معه "ضمنياً" باعتباره الوجه الآخر لنظام البعث والمعبر عن بقاياه، وروج لهذا الاتهام الباطل المقصود به خلط الأوراق، أدعياء تمثيله سياسياً، لاعتبارات مصلحية ضيقة، وفي مرحلة الفراغ السياسي الذي حال دون تنظيم "العرب السنة" لأنفسهم من خلال تكوين ملاكاتهم وتجريبهم من بين الذين لم يكونوا في إطار المنتسبين عن إيمان ويقين إلى البعث ونظامه، أو ممن لم ينخرطوا في العمل السياسي، أو من الجمهرة الواسعة من القواعد العربية السنية الذين يحملون الهم الوطني وينأون بأنفسهم عن النزوع المشبوه للقيادات السياسية المصنعة حديثا ممن يخلطون بين قلق وهواجس وتطلعات الطائفة الوطنية وخلفياتهم البعثية الصدامية. إن ابرز الكفاءات والخبرات في محيط المكون الوطني المذكور تُهمش وتُستبعد عن الشأن العام بسبب التضييق عليهم ممن صادروا تمثيلهم وتعمدوا تشويه هذا التمثيل والإثقال عليه لاشتراطات تستهدف بشكل مباشر إعادة تزكية البعث الصدامي وتمكينه بصيغ جديدة من العودة إلى الحياة السياسية واعتبار هذه التزكية والعودة هو الضمان الوحيد لـ"المصالحة الوطنية" ولا يتورعون عن التهديد بين فترة وأخرى بعودة الإرهاب وزعزعة الاستقرار الأمني في حالة عدم الاستجابة لما يطرحونه من مفهوم للمصالحة وتوطيد للأمن. وهم إذ يعبرون عن نهجهم هذا إنما يلمحون إلى أنه مطمحٌ يجسد قلقاً عربياً سنياً، ينبغي أن يعالج، وكأنهم بذلك يريدون تكريس صورتهم في أذهان أبناء الشعب العراقي المكتوين بجحيم صدام حسين بوصفهم ممثلي نظامه وحزبه، والمدافعين عن نهجه الاستبدادي وجرائمه ضد الإنسانية.
إن الفصل السياسي بين المكون العربي السني والبعث ونظامه، بات ضرورة وطنية ملحة، وتحقيقه كفيل بعزل العناصر والقوى التي تتخذ من القاعدة الشعبية السنية وإدعاء تمثيلها خيمة لها لتمرير قيم البعث الصدامي وإيديولوجيته وأساليب عمله إلى الحياة السياسية الديمقراطية الهَشَّة وتفخيخ الدولة المستباحة من أزلامه الذين يترصدون مسيرة بنائه ويعملون من داخل العملية ومن تخومها لإجهاضها.
ومن بين الوسائل الكفيلة بمواجهة التشوهات التي يراد لها أن تتسلل إلى العملية السياسية وبنية الدولة الفصل بين الجريمة والخطأ الذي تعرضت له الصيرورة الديمقراطية في مجرى تطورها منذ نهاية الحقبة الماضية، والتي لم تعالج آثارها بما يضمن العدالة ويفرج عن الأبرياء الذين ضاعوا بين أرجل المجرمين والقتلة الذين لا زال كثير منهم بمنجى عن أيدي العدالة.
إن تحقيق العدالة وإطلاق الأبرياء لا ينبغي أن يتحقق من خلال الاستجابة لمطالب "ذوي الاحتياجات الخاصة" من المدافعين عن المجرمين الذين ثبتت إدانتهم وتلبستهم الجريمة دون أدنى شك. ولابد من التأكيد بوضوح قاطع بأن العدالة يجب أن تأخذ مجراها خارج دعوات المصالحة واشتراطاتها، فهي حق مكفولٌ للمواطن وفوق أية اعتباراتٍ تخترق عباءة القانون والدستور.
إن أحداً من دعاة "المصالحة المخلة"، لم يلتفت حتى الآن إلى الكيفية التي أُديرت وعولجت بها قضايا ضحايا النظام السابق، وما هي السياقات التي اتخذتها العدالة بشأن جلاديهم، وما هي علاقة المصالحة "الوطنية" بالجرائم والمجرمين، وكيف تنطبق العدالة والعفو على من تُثبَت التهمة عليه جهاراً، بعيداً عن أي إكراه أو تعذيب أو أي شكل من القصدية والقسر..؟
والسؤال الذي يفترضه هذا السياق هو لماذا تظل ملفات عشرات القتلة والمجرمين الذين حسمت المحاكم قضاياهم وحكمت عليهم بالإعدام، مركونة في مكاتب محكمة التمييز العليا ومن الذي أمر بتجميدها رغم مرور سنوات على صدور الأحكام، وأين مجلس القضاء الأعلى من هذا الذي يجري في أروقة المحكمة المذكورة، وأين اللجنة القانونية في البرلمان من هذا السلوك المنافي للعدالة واستقلالية القضاء؟
إن الدعوات إلى البرلمان بإصدار عفو عام ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار وتنحاز إلى إصلاح الخلل القضائي، ولكن دون أن يرتكب خطأً اكبر بتبرئة من يتطلع ضحاياهم إلى العدالة لإنصافهم من القهر.
العفو العام لا يمكن أن يكون مجديا إلا إذا كان وسيلة لمعافاة المجتمع، وليس أداة لإعادة إنتاج قيم الجريمة والشعور بالغبن وإثارة نوازع الثأر بين الناس من المكتوين بنيران الإرهاب والجريمة

(2)
الفساد ولادة الإرهــاب والطائفية حـاضنتـه!

يحتل العراق بجدارة المركز الأول في عالم الفساد المتفشي في البلدان الأكثر تخلفاً، لكن العراق يتميز عن جميعها بالخبرات المتراكمة فيه في ظل ظرف سياسي يفترض انه نقيضٌ له.
فالنظام الديمقراطي، حيث تنطلق في رحابه الحريات وتنتعش سلطة الإعلام بدورها النقدي والرقابي وحتى الفضائحي ويتكرس دور منظمات الرقابة الشعبية، كما تتمتع في ظل الديمقراطية السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية بالاستقلالية والنفوذ المادي والمعنوي، وبقوة الردع والممانعة.. وبهذا يصعب أن تتشكل في مثل هذه المجتمعات الديمقراطية التي تتسيّدُ فيها هذه السلطات بمثل هذه القوة الرادعة والنفوذ المادي والمعنوي بيئة حاضنة للفساد إلا إذا كانت الدولة نفسها قد انزلقت إلى متاهات الفساد وأصبحت حاضنة له وراعية لنشاطاته ومتورطة بشكل مباشر في أوجه من فعالياته، أو أن السلطة القضائية والأجهزة التنفيذية المرتبطة بالحكومة نالها التآكل وتعرضت للإفساد وفقدت استقلاليتها. إذ يكفي أن يتهرأ جسد السلطة القضائية وينال منها الصدأ والوهن الأخلاقي، وتفقد استقلاليتها، حتى تصبح مظاهر الفساد وانحطاط القيم مجرد وجهة نظر، تتهاوى أمام قوة اندفاعتها جدران الممانعة شيئاً فشيئاً، ليصبح السّوي المنزه عن التجاوز على المال العام، "مشروعاً اجتماعياً" محكوماً عليه بالفشل والإملاق.!
البيئة الفاسدة تنتج كل المظاهر التي تؤدي مع الاستمرارية إلى انهيار المجتمع وتفسخه وانحطاط منظومته القِيَميّة والأخلاقية، وتتضاءل إمكانية نموه وتطوره الحضاري والإنساني. ومثل هذه البيئة حيث يسود الفساد ويتحكم فيها الفاسدون مرتعٌ خصبٌ لكل المظاهر المرضية، ومؤشرٌ لتصدّع النظام العام وتداعي بنيانه، واستحالة نهوضه ديمقراطيا، ونموه ثقافياً، وازدهاره اقتصادياً. فالموارد الاقتصادية والبشرية يستهلكها الفساد وتدمر أصولها العمليات المتناقضة مع قواعد الديمقراطية و التنمية الحضارية والاقتصادية المستدامة.
إن التلازم البنيوي بين الإرهاب والفساد، يعكسه الاعتماد المتبادل بينهما والرعاية المطلوبة لكل منهما من الآخر لخلق مناخ الأمان والحماية التي تتطلبها ممارسة كل منهما طقوسه وتأمين متطلبات نجاحه وهيمنته. فالفساد هو المنبع الذي يسقي بذور الإرهاب وهو في طوره الجنيني، كمجرد "إمكانية"، فيتولاه بالرعاية حتى يُعَبِرَ عن ذاته، ابتداءً كظاهرة شقاوة وبلطجة تترعرع ويشتد عودها في المجتمع، وتتحول فيه من اطرٍ ضاغطةٍ وأدوات ترويعٍ إلى ميليشياتٍ ومنظمات إرهابية نافذة في الحياة العامة سرعان ما تدفع القوة والنفوذ والسطوة التي تبلغها إلى عقد شراكة وتزاوج بينها وبين مصادر الفساد والنهب العام ليرتقيا معاً ويتحولا إلى مافيات تمسك بزمام الحلقات النافذة في المجتمع، وبمفاتيح سلطة القرار في الدولة والسلطة السياسية.
لقد تغلغل الفساد، كما غداً واضحاً اليوم في كل مسامات الدولة في العراق، وتفوق بجرأته واستهتاره، على نماذج عالمية سبقتنا بعقود، وأصبح "الفساد العراقي" بفضل الروح الاقتحامية لفاسدينا المتميزين بالابتكار والمغامرة، معَدّاً للتصدير بامتياز، وحسب الطلب والمواصفات. ويتمتع الفساد المنتج في العراق "بالمناعة" ضد كل المخاطر والتهديدات، بعد أن اكتسب "المقاومة" ضد "المُثُل الأخلاقية" والقلق من الرقابة والمساءلة، وفقد الاهتمام والمبالاة بأي رادعٍ معنويٍ ضاغطٍ قد يخفف من مظاهر الغلو والمبالغة في تلاعباته وعملياته الاحتيالية.
لقد جاء الانهيار الفجائي للدولة، وما رافقته من مظاهر الانفلات الأمني وغياب البدائل السياسية الحاكمة والسلوك العبثي القصدي لسلطة الاحتلال المدنية والعسكرية وتدابيرها وقوانينها المتناقضة، كعوامل مشجعة لنمو متسارع لظاهرة الفساد وتوسيع لميادينه وأدوات ممارسته وتكريس قيمه في المجتمع الممزق بفعل الاستبداد، وبحكم الاحتلال الذي خلفه.. وزاد من تداعياته ، "تجريد" الدولة المبادة من طابعها "المؤسساتي" الذي من دونه لا يمكن للدولة الحديثة الديمقراطية أن تستقيم وتؤدي الوظائف المدنية الموكولة لها، ومن بين أهم هذه الوظائف وأكثرها تأثيرا في حماية مقوماتها إرساء الأسس الكفيلة بالتصدي للظواهر المرضية التي تستهدف المجتمع والدولة، وفي مقدمتها ظاهرة الفساد والتجاوز على الحق العام والحريات.
إن "الدولة البديلة" التي خلفها النظام السابق والتي اعتمدت سلطة الاحتلال في إعادة بنائها على أحجار وفضلات الدولة الاستبدادية، ورثت عنه "كياناً هشاً" مجرداً من المقومات الأساسية للدولة المعاصرة، الدولة المؤسساتية، فخلقت بذلك نواتات تصدع بنيانها وتعثر تكوينها. ومثل هذا التكوين بيئة مثالية للفساد وكل الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السارية في البلدان المتخلفة في العالم الثالث، وما يشابهها من البلدان التي أعيد بناؤها على ركام بلدان "العالم الاشتراكي".
ومن الواضح أن "فسادنا الوطني" أصبح "ماركة عالمية" يتسابق العالم "الدوني" على كسب رضا رعاته وأصحاب النفوذ والفضل في توزيع أسهمه بكل تنويعاته، بعد أن تجاوز كل الحواجز والروادع والممانعات.
إن ظاهرة الفساد العراقي تتميز "بالشموخ الوطني" إذ يتعالى الفاسدون عندنا ويستنكفون من التعامل بالأصفار الأربعة، وينأون بأنفسهم عن قبول "الكومشنات" والرشاوى، الأرقام التافهة من ذوات عشرات آلاف الدولارات، لا لأنها مجرد "بخشيش" في عالم المال و "البزنس" لا تغري سوى الهواة، بل لأن المتعاطين بها يشكلون هدفاً سهلا لـ "هيئة النزاهة" و "المفتشين العامين" في الوزارات والمؤسسات الحكومية "الفقيرة الموارد وضئيلة الميزانيات"، وهم يجدون في هؤلاء ضالتهم المنشودة، ومبرر استمرارهم في وظائفهم بعد أن أضناهم العثور على "الحيتان الكاسرة" "والقطط السمان" وأرباب السوابق من حاملي "كوبونات النفط" و "تجار النفط مقابل الغذاء والدواء" ممن استعادوا هيبتهم في دولتنا "المضنيّة" العاثرة الحظ. وهيئة النزاهة في واقع الحال مجنيٌّ عليها، فهي مهددةٌ أينما وجهت "عيناتها" وأدلتها الثبوتية، فالمحاصصة الطائفية تتقاسم أيضا مآثر الفساد بـ"النقاط " حسب الاستحقاق الانتخابي، فليس لأحد فضلٌ على آخر ما دامت الحقوق الشرعية مصانة بالنقاط والتراتبية الحزبية والفئوية والمناطقية. ووفقاً لهذا التقاسم يستحيل على النزاهة أن تحرك ملفاً دون أن تلاحق بتهمة الانحياز الطائفي أو الاستخدام السياسي أياً كان الهدف المقصود، وإذا لم تكن التهمة بالانحياز ممكنة ، فتهمة "الاجتثاث" كفيلة بالردع وتسويد الصفحة، وإرغام النزاهة على التفكير مئة مرة قبل أن تسوّل لرئيسها أو العاملين فيها أنفسهم على تحريك ملف أو حتى الإيحاء بوجوده في مكاتبها. وهي في مثل هذه الحالة لا خيار أمامها سوى الاستدارة والبحث عن الأهداف السهلة والمتيسرة في المراتب الدنيا من سلم الدولة الوظيفية واصطياد "اسماك التونة" و"السلطان إبراهيم" والابتعاد عن مجمعات الحيتان واسماك القرش. ولن أورد أكثر من مثلٍ واحدٍ على ذلك، وهو ما يتعلق بجهاز الكشف عن المتفجرات التي تباع بمئات الدولارات، فقيّدت على الدولة بخمسة وخمسين ألف دولار للجهاز الواحد!
ومما يثير العجب في الحياة السياسية العراقية، أن مصطلح الفساد يكاد يكون الترنيمة المحببة لدى جميع قادة البلد، وهي القضية الوحيدة التي تحتل مكانتها الأثيرة "فوق الطوائف" والكتل والتحزبات الضيّقة. والكل يتهم الكل بالفساد، ويلوّحُ بالكشف عن الوثائق الدامغة، لكن أحداً من الملوحين، لا يظهر حقاً ولا بهتاناً ويلتزم جانب السلامة ويُمَتْمِتْ، كلما جاء ذكر تلويحاته واتهاماته بكشف المستور من الأسرار والوثائق الدامغة. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فالوثائق الدامغة والبراهين المتوهجة في ضوء النهار اذا ما ظهرت تمحّي حروفها، كما لو أنها كتبت فوق كرة ثلج أو تمثال شمع وتتساقط كما يتساقط البهتان أو أوراق التوت في شاطئٍ للتعرّي، وتنهال المصائب على من يميط اللثام عنها، ولن يسلم من الملاحقة، إن لم يتعرض إلى الاغتيال بالكواتم، أو بالعبوات الناسفة، أو بغيرها مما وفرته المزاوجة بين الفساد والإرهاب والعنف المنفلت في أرجاء البلاد.
و في تحوله إلى ظاهرةٍ اجتماعية تنخر في جسد الدولة، يبدو الفساد مدينا إلى صيغة المحاصصة الطائفية التي أنتجت التركيبة البرلمانية الحالية وجردت السلطة التشريعية العليا في البلاد من حولها وقوتها، وأفقدتها القدرة على ممارسة دورها الرقابي على السلطة التنفيذية ومرافق الدولة. والفساد بهذا المعنى محصنٌ من الرقابة والملاحقة والكشف عن بواطن أسراره والتضييق عليه، لأنه أصبح هو الآخر عنصراً فعالاً في العملية السياسية و "المصالحة الوطنية" وأي مسٍ برمزٍ من رموز الفساد هو بمثابةِ تخريب لها وتعدٍ على مكونٍ من مكوناتها، فلكل فاسدٍ حزب ومن ثم طائفةٌ تتداركه وتتستر عليه وتحميه مثلما لكل بيتٍ ربٌ يحميه.
وإذا ما ألقينا نظرة متمعنة في المظاهر التي تحيط بنا من كل صوب وحدب، لما خانتنا النظرة في إدراك الأسباب والعوامل التي تقف وراء الأزمة المتفاقمة التي تعيش في ظلها بلادنا المتشظية، ولماذا ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لدورانها، ومن أين يتغذى مسلسل العنف والعسف والتعديات على المواطنين، ومن أين يمكن أن تبدأ عملية استعادة العافية التي افتقدناها منذ أن أصبحت الطائفية بويلاتها واستحكاماتها الأداة التي تتحكم في مقدرات دولتنا ومجتمعنا المنهك بالفوضى والإفقار للحدود الدنيا من متطلبات العيش "الآدمي" واستطاعت بفعل سطوتها ونفوذها أن تستدرجنا إلى ما نحن فيه من ضيم وجور وإفقار وغيابٍ للتراحمِ والعدل الاجتماعي، بسبب أسرنا وتبديد ثرواتنا ومدخرات أجيالنا القادمة والتحكم في مصائرنا وسد أبواب الرحمة والفرج في وجوه شبيبتنا المتطلعين إلى كوةٍ من الأمل والخلاص.
إن فضيحة الفساد ستظل تلاحقنا، وتلطخ جبين أجيالنا القادمة، ومسلسلات الإرهاب والعنف واللا استقرار ستبقى شاخصة فوق رؤوسنا، ما دامت الطائفية ومحاصصتها وأشكال تواطؤاتها، تتحكم في مسارات الدولة والعملية السياسية وتتفنن في المساومة بين مكوناتها على حساب حقوق شعبنا وكرامة بناته وأبنائه، وتُمعن في سرقة الثروات والمال العام وتغتصب تمثيلنا والادعاء بمشروعية تحويلنا إلى أدوات لتحقيق مصالحها الشخصية والفئوية الضيّقَة، دون أن تُجابَهَ بالإنكار والسخط والرفض والنهوض الواعي لوضع حدٍ نهائي لتجاوزاتها ونفي ادعاءاتها التي باتت مفضوحةً وبلا أي سند أخلاقي.
إن تصفية الفساد ووضع حد للعنف والإرهاب يمر عبر رفضٍ حازم وحاسمٍ للطائفية والمحاصصة كصيغة لإدارة الدولة المستباحة وتقسيم المجتمع المضيَّع بادعاءات تمثيله من قبل ملوك وأمراء الطوائف.
وهذا لن يتحقق إذا لم ندرك انه يتطلب تجاوزنا نحن كمواطنين عراقيين للوثة الطائفية بكل مظاهرها وتجلياتها الرثة.
وهذا ينتظر منا أن ننتفض على ذواتنا التي باتت أسيرة الأوهام التي أقحمنا فيها الإسلام السياسي بكل مفرداته المعزولة عن رحابة الإسلام والقيم الإنسانية.
وتجاوز الذات في لحظة الالتباس وغياب الوعي.. تنير دروبها، هبَّة جماهيرية ونهوض لا يلوي على شيء..!

(3)
استباحة الدولة.. وترويض المواطن

(13)
لا يتميز العراق بالفساد وتنويعاته و شموخه الوطني ومآثره في هذا الميدان الكارثي، دون غيره من الابتكارات في تشويه بنية الدولة وقيم وتقاليد المجتمع. فالتمايز في ميادين هذه الابتكارات إنما هو جزء حيويٌ من نسيج ظاهرة الفساد تندمج وتتوحد معه عضوياً.
ويتعذر تعداد ما تم انجازه على هذا الصعيد، ويصعب توصيف النتائج السلبية التي يمكن أن تترتب بسببها، على أجيالنا المستقبلية، إذا لم يجرِ تداركها ووضع حد لتداعياتها وعواقبها الوخيمة في الأمد المحدود. فتفوق العراق في الفساد من حيث الانتشار والتحول إلى ظاهرة قاهرة، وفي تنوع أشكاله ومظاهره وتجلياته، وضعه في المرتبة الأولى في العالم.. ولعل هيمنة الفساد على مفاصل الدولة ومرافقها ومصادر ثروتها وفي الحياة السياسية والاجتماعية اكسبه الاحترام لسبب مضاف على كل ذلك وهو إقرار حكامه بهذه الحقيقة، وهو إقرارٌ نادر الحدوث قدر تعلقه بالقضايا المعيبة التي تواجه شعبنا يومياً، وما أكثرها في حياتنا المأزومة بكل أنواع الفساد والمباذل والتعديات.
وإذا تجاوزنا ظاهرة الفساد المالي المتمثلة في نهب المال العام، عبر المقاولات الملوثة والسمسرة والشراكة "بالباطن" وإعادة بيع أراضي العقود الاستثمارية، وتداول المشاريع التي "ترسى بالباطن" أيضاً على أقارب وأصحاب، في سوق المقاولات لأكثر من مرة، والتزاوج المالي مع أيتام عدي وأرباب السوابق في كوبونات النفط، والغذاء والدواء مقابل النفط، وتأسيس الشركات عابرة القارات بأسماء وهمية أو صديقة، وشركات "الاوفشور"، إذا تجاوزنا كل هذا الكم من تنويعات الفساد المالي، وهو جزءٌ يسير من فيض لا حدود لمقارباته في عالم المال والأعمال، فسوف نصطدم بمكيالٍ عملاق متكدسٍ بما هو شائن ومعيبٌ في ما تقوم به دولتنا الفتية وما تدور في أروقة سلطاتها الثلاث وتفرعاتها.
وليس من السهل تناول عناصر الفساد الإداري والارتكابات التي يتم إقرارها، خلافاً لكل ما له صلة بالطائفية ومثالبها وانعكاساتها على المجتمع. ويكاد المواطن يموت كمداً ويأساً من هول الكبائر والتجاوزات التي ترتكب بحق الدستور والقوانين وحقوق المواطنين والأعراف العامة "الإيجابية" التي استقرت في وعي المواطنين جيلاً بعد جيل، حتى أصبحت جوانب منها اقرب إلى المقدسات التي لا يجوز المَسُّ بثوابتها. وبعض هذه الكبائر التي ترتكب جليّة للعيان بحيث لا تحتاج إلى قرائن أو شهادات ثبوتية ومحاججة فقهية، ومع ذلك فان رجالات الدولة وسلطاتها الثلاث يمكن أن يقترفوها، دون أن يرف لأحدٍ جفن أو وازعٌ من ضمير، أو تخدش مشاعرهم "لفرط حساسيتها" ونفورهم من العيب! لكثرة ممارستهم لمثيلاتها أو تبريرهم لخطاياها وعواقبها.
ويكفي للتدليل على ورطتنا ومحنة شعبنا، المرور من باب رفع العتب والملامة من أصحاب النوايا الطيبة، على قضية تزوير الشهادات والوثائق و"إيصالات المشتريات الحكومية" البالغة عشرات ومئات الملايين وربما أكثر من مليار واثنين وثلاثة، خصوصاً إذا كان المجال المقصود بالمشتريات والمبيعات سلاحاً أو نفطاً أو بنية تحتية أو مواد بطاقة تموينية أو الطاقة الكهربائية، وغيرها من الخيرات التي وضعت في متناول الفاسدين والمرتشين من رجالات الدولة، ومنهم وزراء أو سعاة ووسطاء.
لكن كل ذلك يهون أمام "انتحال" صفة موقع سيادي في الدولة دون أي مسوغ قانوني ولا احترامٍ للدستور، ولا اهتمام بمشاعر وصلاحيات (٣٢٥) نائباً انتخبوا استناداً إلى دستور مقرٍ ولحمايته من الخرق والتجاوز والتلاعب. والأنكى في كل ذلك ألا يتحرك البرلمان حتى بعد أن تم فضح هذا الانتحال، ليثير القضية داخل أروقته ويتخذ القرار الذي يفرضه الدستور وموجباته، بل واصل النقاش حول انتخاب النواب الثلاثة في "سلةٍ واحدةٍ" كما تطالب (دولة القانون) بذلك أو التصويت على كل مرشح على انفراد مثلما يريد آخرون.
والمشهد المخل المتعارض مع الحدود الدنيا من المسؤولية يتكامل مع الموقف اللا أبالي للادعاء العام الذي لم يتحرك هو الآخر إلا بعد أن رُفِعَت الشكوى إلى القضاء الأعلى، وكأن هناك مهمة أسمى وأجَل من حماية الدستور والسهر على تطبيقه ورد التلاعبات بمواده ومنطقه وفلسفته المبنية على إحقاق حدود العدل والإنصاف.
لقد فرض الدستور في أحكامه، أن يقود الدولة في دورة واحدة، مجلس للرئاسة مكون من ثلاثة أعضاء هم رئيس للجمهورية ونائبان له، يتمتعون جميعا بحقوق ورواتب وصلاحيات وامتيازات متساوية، سوى تمثيلهم في الترميز للدولة وما يدخل في أبوابها. وألغى الدستور في مواد واضحة فيه هذه الحالة الانتقالية، وثبت للبلاد رئيساً "واحداً" بالصلاحيات الكاملة التي مُنحت له في الدستور، لا يتقاسمها معه احدٌ آخر، وأجاز له اختيار نائبٍ أو أكثر، على أن يشرٌعَ ذلك بقانون وتتحدد صلاحياته من قبل الرئيس وفقاً للحالة الملموسة، وليس وفقاً لما كان عليه الأمر في المرحلة الانتقالية، حيث تمتع الأعضاء الثلاث بالصلاحيات ذاتها، حتى أن احد الأعضاء طالب وزارة الخارجية وسفيرا عراقيا في دولة مجاورة باستقباله وفقاً لمراسيم استقبال الرئيس.
وهذا السياق يعني بوضوح أن كل الترتيبات المتعلقة بنائب الرئيس أو نوابه، لا قدر الله، سواء ارتبط الأمر بالرواتب أو المخصصات أو الموازنة التشغيلية أو الصلاحيات أو الامتيازات، خاضعة لاقتراحات يرفعها رئيس الجمهورية إلى البرلمان لمناقشتها وإقرارها بعد التعديلات إن وجد ما يراه ضرورياً للتعديل.
لكن ما جرى هو تجاوز لكل هذه الضوابط، وافترض سلفاً أن النائبين السابقين ظلا محتفظين بمواقعهما، بغض النظر عن موقف البرلمان وقراره بشأنهما، ودون اعتبارٍ لما سيقترحُ لهما من رواتب ومخصصات وأُعطياتٍ، وما تتحدد لكل منهما من مهام ومسؤوليات وهي محدودة على أية حال، تعيش على صلاحيات الرئيس وحاجته لتعاونهما في أوقات ومهام ملموسة لا تتحمل التوصيف المسبق.. واستمر كل منهما بتعريف نفسه في الداخل والخارج كنائب للرئيس، واستلم كلٌّ منهما راتبه السابق، وهو نفس راتب الرئيس باعتبارهما متساويين معه، واستطاعا سحب موازنة تشغيلية (ليس لهما الحق بها في الدورة الجديدة) من وزارة المالية، برغم أنها حق حصري للرئيس للرئيس، ويفترض أن يبحث ما يخصص لهما من قبل البرلمان، وهو لن يكون مطلقاً مساوياً أو قريباً من التخصيص السابق، وسافر السيد طارق الهاشمي إلى عدة دول بـ"مهام رسمية" وبمخصصات رئاسية "ما دام نائباً " والتقى قادة الدول بهذه الصفة وربما تفاوض معهم حول الاتفاقية الأمنية أو الطائفية المقيتة التي يعترف بها وأنحى باللائمة على كل القيادات دون استثناء قادة قائمته لتدهور الأوضاع كما كان يفعل دائماً.
ولكن كل ذلك يتعارض بشكل صارخ مع الدستور، الذي يؤكد أن ترشيح رئيس الجمهورية لنوابه لا يتخذ حكمه القطعي إلا بتصويت البرلمان على المرشحين ومن يفوز بأغلبية الأصوات يصبح نائباً للرئيس، وعدا ذلك باطلٌ ومحكومٌ عليه بتهمة "الانتحال"، فان النيابة تكون قد استقرت لمن انتحل صفتها، دون أدنى إثارة أو احتجاج أو رفضٍ من السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية.
لقد نشرت جريدة السيد طارق الهاشمي قراراً منسوباً لرئيس الجمهورية يكلف بموجبه نائبيه السابقين بواصلة مهامها لحين انتخابهما من قبل البرلمان، كما لو أن هذا القرار يجيز لهما انتحال صفة نائب الرئيس الذي ينتظر الانتخاب من البرلمان، وقد لا ينتخب، كما أكدت الجولة الأولى من طرح المرشحين الثلاثة عليه، وكذلك المناقشات الجارية لإعادة النظر بقانون نواب الرئيس لتقليص العدد من ثلاثة نواب إلى نائبٍ واحد لا غير. وفات على السيد الهاشمي وعلى مستشاريه الكثر، إن قرار الرئيس من منطق استناده إلى أحكام الدستور، يخول النائبين السابقين متابعة نشاطهما المكتبي الداخلي، أي استخدام مكتبيهما والموظفين التابعين لهما وما بحوزتهما من سيارات وحراسة وحماية شخصية، لحين مناقشة قضية الأخذ بترشيحهما أم لا. ولم يقصد إطلاقا، وهو رجل قانون خبير بالدستور أن يتصرفا في أي مجال خارج حدود مكانيهما ومكاتبهما بصفة نائبٍ للرئيس! وقرارات الرئيس حتى إذا جرى سهوٌ غير مقصودٍ بإيراده ينتهي بعبارة معروفة ملزمة لكل المسؤولين ومؤسسات الدولة "يسري هذا القرار إذا لم يكن متعارضاً مع الدستور والقوانين النافذة".
وخلافاً لذلك يجري التأكيد على "إلغاء أي قانون أو قرارٍ يتعارض مع ما جاء في القرار المقصود"، ولا يمكن الاعتقاد بأي شكلٍ من الأشكال أن الرئيس بقراره المنشور في جريدة الهاشمي كان ينوي أو يريد أو يرغب بإلغاء الدستور أو قانون نواب الرئيس الذي صوت عليه البرلمان.
إن قرار الرئيس فسر بما يلائم أغراض من انتحل صفة رسمية وتجاوز على الدستور وصرف لنفسه رواتب لا يستحقها "بالمناسبة لنفترض أن البرلمان ضرب عرض الحائط الدستور وتجاوز جريمة انتحال الصفة الرسم

(4)
صـــــباح الخــــــــير

الساعة الآن في مدينة روشستر السادسة والنصف صباحاً ..استيقظت على رسائل من بغداد تفيد بأن برلماننا الموقر نجح في وضع كل خلافاته وراء الظهور، فانتخب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة بعدما وضعهم جميعا في سلة واحدة طاهرة مطهرة من كل الاختلافات والاعتراضات والتهم الموجهة إلى بعضهم..وهكذا هو التوافق/التحاصص ناس تشيل ناس، وحتى تمضي المسيرة ظافرة مظفرة لا بد لها من أن تغلق
آذانها حتى لا تسمع صياح الجماهير واعتراضها على هذا أو ذاك، وحتى لا تسمع نداء المرجعيات التي قالت بوضوح إن حفظ موارد الدولة وعدم تبذيرها على مناصب وهمية لا يوجبان البحث عن نواب ثلاثة لرئيس جمهورية قادر على القيام بما يجب أن يقوم به، وكان لا بد للمسيرة أن تفرض على كثير من النواب المنتخبين أن يتناسوا الحجج التي أطلقوها ضد بعض المرشحين..المهم أن تستمر المسيرة، ولكن إلى أين؟
حتى نجيب على هذا السؤال، لا بد أولا أن نعزي العراقيين ونحن منهم بالنهاية الدراماتيكية لحقبة الدستور التي لم نصبر عليها طويلا.
لا بد من رثاء هذا التجاوز الصارخ على حرمة الشعب العراقي ومصادرة إرادته بهذا الخرق الفاضح.
وبمقابل العزاء والرثاء..لا بد من مراعاة الأصول وإزجاء التهنئة الخالصة للسادة قادة الكتل السياسية على انتصارهم المجيد على إرادة ناخبيهم " بسلة واحدة ".
المواطنون، أمثالي،المنكوبون بخسارة دستورهم وضياع إرادتهم الانتخابية سيقيمون مجالس العزاء في بيوتهم، وداخل أنفسهم..ذلك أنهم يتعذر عليهم أقامتها في الهواء الطلق..مع هذا لا عزاء لهم في نكبتهم الجديدة التي لن تعالجها مهلة المئة يوم التي وعدهم بها رئيس الوزراء، رئيس قائمة " دولة القانون " .
فجيعتنا لا مثيل لها في العالم ، ففقيدنا الذي ولد بعملية قيصرية، ظل في حالة موت سريري ، ولم يجد مخرجاً لمحنته سوى انتظار قرار مجلس القضاء الأعلى للموافقة على قبول طلبه " بالموت الرحيم " وقد استجاب القضاء العادل في العراق الديمقراطي لطلب الفقيد " الدستور " .
وقد أصر الفقيد في طلبه الأخير قبل تنفيذ الحكم عليه ، بإشهار براءته من كل ما ينسب إليه من قوانين، او مسؤوليته عن الادعاءات بتمثيله، إذ يعلن وهو في كامل وعيه الذي لم تستطع العملية السياسية بكل ما يشوبها من فساد ونهب لثروات البلاد وتعديات على حقوق المواطنين أن تفسد عليه شعوره بالمسؤولية الأخلاقية إزاء تضحيات الناس الشرفاء الذين واجهوا الرصاص والمفخخات والتواطؤات المخجلة، للإبقاء عليه حياً طوال هذه السنوات، منطلقين من الأمل في صحوة أخلاقية تعيد إليه عافيته، لينهض معافى، لعله يستطيع استدراج العراق الجديد، الذي ساهمت في إشاعة الوهم بأنه قادر على معالجة الوعكات التي ألمت به وتحولت الى ظاهرة الوهن التي أفقدته طاقة مقاومة الانهيار العام الذي تعرضت له كل نواحي الحياة المصابة بالوباء، وحالت دون تحمل أعباء مسؤولياته في الدفاع عن المبادئ والقيم الديمقراطية والرغبة في مواصلة ما سميناه " عملية إعادة بناء الدولة ما بعد النظام الاستبدادي ". وكرر الفقيد في رسالته الوداعية للعراقيين الذين وضعوا فيه ثقتهم أسفه على الخيبة التي سببها لهم رغما عن إرادته، وثقته بأنهم سيتفهمون انه كان ضحية غدر الطامعين بالعراق والمتلبسين بهتاناً لبوس الحرص عليه.
إن المدى التي بذلت المستحيل لحماية الدستور تعلن فشلها مؤقتاً بعد حدوث هذه النهاية الكارثية، وبعد الجهود التي بذلتها اعتماداً على الجسم القضائي برفض قرار البرلمان العراقي الموافقة على طلب " الدستور" وهو في حالة إحباط كامل، بالحكم عليه " بالموت الرحيم " والتضحية به لصالح تواطؤات قادة الكتل البرلمانية على " إبداع السلة النيابية الواحدة " لانتخاب نواب الرئيس.
وإذ تطالب المدى المواطنين في جميع المحافظات بإقامة مراسيم العزاء، في بيوتهم وفي جمعة " النكبة " إن وجدوا الى ذلك سبيلا، فإنها ستواصل بذل المساعي للحصول على قرار تمييزي، بإعادة تشريح الدستور وفحصه وبيان أسباب وفاته والمتسببين بما أصابه من يأس دعاه الى طلب الموت الرحيم، وسترفع دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية للكشف عن المستور في ما جرى من خرق فاضح للدستور في البرلمان، كما ستبحث مع المختصين عن إمكانية تدخل ممثلي الأمم المتحدة والهيئات القضائية في هذه الفضيحة الدستورية الجديدة التي من شانها إجهاض آمال العراقيين بدولة مدنية ديمقراطية، أساسها الحكم بالعدل بين المواطنين والاستناد الى المؤسسات.
إن الأمل طاقة إنسانية تولد المعجزات، وقد فاض الأمل وتحول إلى قوة تغييرية أطاحت بأعتى نظام استبدادي، ولم تستطع الكوارث التي حلّت بنا أن تجرد شعبنا منه، وعلى هذا الأمل يمكن الركون والتعويل واستعادة بريق الحياة لدولتنا المستباحة والمتطورة .
اليوم ننعى لأبناء شعبنا العراقي موت الدستور تحت قبة البرلمان، بعد أن صوت " بسلة فاسدة " على انتخاب ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية ، اثنان منهم ظلا نواباً للرئيس طوال شهور خلافاً للدستور، وتقاضيا رواتب " أعضاء مجلس رئاسة " ومخصصات أخرى خلافاً لأي اعتبار ومسوغٍ دستوري. ويتحمل قادة الكتل السياسية تبعات هذا الخرق والتجاوز .
للفقيد المعلول الأمل في الظهور خلافاً للمألوف، ولمجلس القضاء الأعلى ورئيسه التعازي الحارة على المستور مما لم ينكشف من المناورات للتغطية على جريمة الحكم بالموت الرحيم على الدستور للجمهور بعد.
كما نعزي النواب الأعزاء الذين قدموا مأثرة تاريخية لشعبنا بالتصويت على انتخاب نواب رئيس الجمهورية خلافاً لما قرروه في اجتماع سابق خالص التعازي .

(5)
رسالة إلى.. سماحة أية الله العظمى السيد علي السيستاني

يعرف كل عراقية وعراقي، وكل المعنيين بالشأن العراقي، ما الذي فعله سماحتكم لصياغة الدستور العراقي بأيدٍ عراقية وإصراركم على ألّا يقر إلا عبر استفتاءٍ شعبي، وان تكون المشاركة في الاستفتاء شاملة لكل أبناء الشعب العراقي.
ويعرف الجميع أن موقفكم المشرف في الدعوة إلى المشاركة في الاستفتاء، جعلت منه مهرجاناً شعبياً مهيباً أعاد الاعتبار إلى الشعب العراقي الذي عملت الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على الانتقاص من تاريخه ونضالاته وبطولاته ضد الاستبداد والظلم وفي سبيل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
لقد عرف العالم بأسره أن موقفكم المشرف هذا لعب دوراً محورياً في نجاح الاستفتاء، ومشاركة أكثر من اثني عشر مليون مواطنة ومواطن عراقي في تحدي الإرهاب والمفخخات والسير على الأقدام للتصويت بنعم على الدستور، متجاوزين ملاحظاتهم واعتراضاتهم على الكثير من الصياغات والبنود التي وردت فيه، معتبرين أن مجرد إقراره في الظرف الحرج الذي طرح فيه، إنما هو انتصار لإرادة العراقيين على الإرهاب وكل القوى المناهضة لتطلعه بإقامة نظام ديمقراطي برلماني تعددي اتحادي يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة تتضافر فيها جهود كل المكونات العراقية دون تمييز لإعادة بناء دولتهم على أساس المواطنة الحرة، دولة المؤسسات والحريات والحقوق، دولة القانون والعدالة.
إن الكثرة الغالبة التي شاركت في الاستفتاء على الدستور، وفي الانتخابات المتتالية، تأثرت بدرجات متفاوتة بموقف سماحتكم، بل ليسمح لي سماحتكم أن أكون صريحاً، واستخدم المصطلحات التي أجبرنا على تداولها في المخاطبات السياسية لأقول، إن الجمهور الشيعي الموالي والمقلد لمرجعيتكم منح الثقة للأحزاب والكتل السياسية "الدينية المذهبية" وإن الملايين لم تتصرف إلا اعتماداً على تقديرها وهي تصوت لتلك الكتل بأنهم بذلك التصويت إنما يستجيبون لتوجيه مقامكم وفكركم المتنور، خصوصاً وان الأطراف المذكورة أوهمت المواطنين بأنهم يستمدون الإرشاد والنصح من سماحتكم ويمثلون إرادتكم في كل ما يقومون به وينفذونه من سياسات ونهج وتوجهات. وقد احتار الناس خلال سنوات في مدى صدق دعاواهم ومصداقية أفعالهم، بعد أن استشرى الفساد والنهب والتعديات على المواطنين، وازدادت الويلات والمصائب عليهم، فلا الأمن والاستقرار تحققا، ولا الآمال الكبيرة والوعود البراقة رأت النور، بل ما تحقق في الواقع المعاش، هو المزيد من الإحباطات والخيبات والتقصير المتزايد بالخدمات، إذ ظل العراق يعيش في الظلام بسبب تفاقم انقطاع الكهرباء وتدني مستوياته، وتصاعدت معدلات البطالة وغلاء المعيشة ونقص الخدمات في كل المرافق الحيوية لحياة إنسانية متواضعة. وفي المقابل اتسعت الفجوة بين المستوى المعيشي للأغلبية المطلقة من المواطنين، والحكام الجدد وقادة الأحزاب المهيمنة على مقدرات البلاد، وتضخمت ثروات أغلبيتهم من نهب المال العام بمختلف الأساليب حتى أصبح العالم يضرب المثل باستشراء الفساد في العراق الجديد الذي احتل المرتبة الأولى في العالم بامتياز.
سماحة السيد..
لن أقدم لكم جديداً إذا قلت بان أحدا من القادة والمسؤولين الذين يتصدرون المشهد باسم الدين الحنيف، ليس بريئا تماماً مما يجري في البلاد، فقد حولوا "التوافق والشراكة الوطنية" إلى تواطؤٍ ومشاركة في المغانم والمكاسب الشخصية، وتكاد الاستثناءات، سماحة السيد تكاد تكون نادرة، فندرة من يلتزم منهم بدواعي دينه وما يفرضه عليه من الصدق والالتزام بحقوق الناس ونظافة اليد وطهارة الضمير والأخلاق الإنسانية السوية. وقد لا يصدق مؤمنٌ مترفع على الدنيويات مثل سماحتكم، أن الكثير من هؤلاء القادة والمسؤولين أمسوا بعد إملاقٍ أصحاب ملايين من الدولارات بحيث لا يتحرج من (يتوفق) في "كسب رزقه"! بسرعة الصاروخ عابر القارات من امتلاك العقارات والمصالح في الداخل والخارج، ولا يتوانى البعض منهم من استغلال نفوذه في الدولة علناً لتحقيق ثروته وأعماله التجارية.
لقد أصبحت الدولة ومرافقها ضياعاً يتقاسمونها بـ"المحاصصة" دون خوف وخشية من رقيب او حسيب، وكيف لهم أن يخشوا بعد أن أصبحوا سادة البلاد وحكامها وهم يختزلون الأمة والدين والطائفة في شخوصهم وأسرهم الكريمة وفي أبنائهم وأقربائهم ومريديهم، أما قصورهم وسياراتهم المصفحة وما يستولون عليه من الدولة والمواطنين فهو حديث القاصي والداني، إذ لم يعد سراً ولا شائعات وأقاويل مدسوسة مغرضة، وأنا على يقين بان سماحتكم قريب من نبض جياع الشعب ولا تخفى مثل هذه التفاصيل عليكم.
سماحة السيد..
إن فجيعتنا تكمن في أن هؤلاء صادروا إرادة الأمة، وشوهوا قيمها وتسببوا في تشكيك الناس بدينهم ومعتقداتهم وهم يرون من يدعي الإيمان والتقوى يرتكب الكبائر على مرأى ومسمع من الجميع دون أن يرف له جفن. وأكاد اجزم بأن غلوهم بلغ حداً لم يعد ينفع معه النصح والتنبيه.
وفجيعتنا اليوم تكمن في ما فعله من انتخبهم الناس لتمثيل إرادتهم وصيانة دستورهم والارتقاء إلى مستوى المسؤوليات الوطنية التي ألقيت على عواتقهم، فقد حنثوا بالقسم الذي أدوه لتطبيق دستور البلاد الذي حرصتم على تصويت الأمة عليه، وخرقوا الدستور بلا أدنى تردد او خشية من تبعات ذلك على صدق إيمانهم ودعاواهم الدينية والمذهبية، ناهيك عن تجاوزهم على ما أعلنوه من برامج وشعارات خدعت الناس وضللت إرادتهم وارتكبوا تجاوزات واضحة على الدستور للترضية المعيبة والمخلة. واليكم سماحة السيد ما فعلوه:
لقد نص الدستور على إنهاء الفترة الانتقالية

ذات صلة