كامل شيّاع ... حارس الحلم العراقي

كامل شيّاع ... حارس الحلم العراقي

حسام السراي
عقدٌ وعام مرّ على تصفية الباحث والمثقف العراقي كامل شياع (1954- 2008)، وما من أحد يصغي للمطالبات بإعلان نتائج التحقيقات في اغتياله، ضمن مسار اعتدناه من المؤسّسات الرسميّة التي تعلن حال وقوع الجريمة عن تشكيل لجنة تحقيقيّة، ثمّ تتبخّر هي وما ينتظر منها من معلومات.

الفارق شاسع بين حمل كاتم الصوت وسهولة القتل حتّى بلا لثام، وبين صعوبة أن تصل إلى الحقيقة في عراق اليوم؛ بفعل الإحجام عن إعلان ما تتوصّل إليه الجهات المسؤولة، لأنّ للجاني من يحميه، ولعلّه تابع لإحدى القوى والجماعات الفاعلة في الساحة السياسيّة العراقية. احتمالات كلّها قائمة، أمام غياب المعلومة عن الرأي العام الذي كثيراً ما وجّه الرسائل وبعث ببيانات عدة إلى الرئاسات الثلاث في دورات برلمانية سابقة، وأيضاً إلى الجهات الأمنيّة في البلد.
شياع من بين عشرات فقدناهم خلال عقد ونصف من تجربة عراق ما بعد صدّام، ولم نعرف إلى يومنا، مَن هذا الذي يوجّه بقتل مثقف حالم، له مشروعه الذي لا يملك غيره. نتذكّر هنا المصير المشابه للناقد قاسم عبد الأمير عجام الذي اغتيل في أيار (مايو) 2004، وأسماء أخرى نجهل من الذي قتلها، ومن هو التنظيم أو الكيان الذي خطّط لمثل هذه الجرائم؟
أجاد الراحل أربع لغات أوروبيّة (لإقامته في مدينة لوفان البلجيكية)، واهتمّ بالفلسفة والبحث الاجتماعي والتراث العراقي (تولّى مهمة المنسق الوطني العام للجنة حماية التراث العراقي لدى منظّمة اليونيسكو)، وأنجز كتابات نقديّة كثيرة لم يجمعها في كتاب (صدرت له فقط رسالته في الماجستير عن «دار المدى»). حينما فقدناه، خسرنا وجوده «مستشاراً لوزارة الثقافة»، فمن جاء بعده لم يشغل المساحة التي شغلها، لفوارق في الوعي الفكري والنظرة وإدراك حساسيات الثقافة العراقية ومتطلّباتها.
أمّا مشروعه، فرأينا كيف انتهى مآله وكيف ركنت كلّ التوصيات التي خرج بها مؤتمر المثقفين 2005، فلا «بناء وتأسيس» ولا «تغييرات عميقة في نظام الإنتاج الثقافي» من التي تحدّث عنها، كما لم ننته من «التوظيف الأيديولوجي والتعبوي لأشكال التعبير الثقافي».
فكرة اغتيال مثقف عائد إلى بلده بعد غربة عقود، تحمل أبعاداً أكبر من الفتك بجسد وروح إنسان، إنّما تعني امحاء أيّ رغبة في فعل شيء والتقدّم إلى واجهة الحدث والمسؤولية بين حشد من الوحوش المتحاصصة على المناصب والامتيازات، تلك التي تجد في نزاهة كاتب مندفع يفكّر بالغد، عائقاً أمام مطامحها في حصد المغانم والصفقات على حساب المال العام.
وإذا كان القاتل قد نفّذ أركان الاغتيال المعروفة؛ باستغفال المقتول ومن ثمّ الإيقاع به في مكان معزول، فإنّ المؤسّسات الرسميّة التي يديرها أنصاف وأرباع مسؤولين، لا يهمّهم كامل ولا يشغلهم البحث في قضيته، فهو ليس زعيماً لميليشيا مسلحة، ولا هو ابن أو أخ أحد أمراء الطوائف الذين تنقلهم الطائرات الخاصّة من بلد إلى ثانٍ، وليس مسؤولاً أتى إلى منصبه إثر قرابة مع رجل دين أو مسؤول حزبي نافذ. في هذا العدد من «كلمات»، شهادات تُجمع كلّها على أنّ عائلته وزملاءه في وزارة الثقافة والوسط الثقافي، فضلاً عن اللجنة المعنية بالثقافة في مجلس النواب، لا يعرفون أيّ نتيجة تخصّ الشهيد. مطالبتنا بإعلان نتائج التحقيق على الملأ، لن يختلف التعامل معها عن سابقاتها. فقد وصل النظام السياسي الذي يحكم البلد إلى أقصى درجات الفشل وفقدان المشروعية، ولم ينل رفضاً مثل الذي يناله الآن، وقد بدأ جليّاً منذ أشهر بالمقاطعة الكبيرة للانتخابات وحتّى ثورة شباب البصرة المنتفضين على واقعهم المزري وسوء الإدارة التي تتحكم بمدينتهم وبالبلد عموماً.
ربّما ننتظر زمناً آخر لفتح ملف كامل شياع ومعرفة ذلك المجرم الذي أطلق رصاصاته السبع على جسده في بغداد في وضح النهار.