صفحات مطوية من الثورة العراقية الكبرى 1920  شخصيات نادرة في تاريخ الثورة

صفحات مطوية من الثورة العراقية الكبرى 1920 شخصيات نادرة في تاريخ الثورة

رفعة عبد الرزاق محمد
اكاد اقول اني قرأت كل ما كتب عن الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 ، احداثا ورجالا ، فاجد بين ثنايا ما قرأت اسماء كان لها الدور الكبير في الثورة واحداثها ، لكنها بقيت منسية لا تذكر الا لماما . وقد كتبت قبل سنوات مقالة عن احد هؤلاء وهو السيد محمد باقر الحلي ، وقد ذكرت في مقدمة المقال : ما أن اقرا شيئا ً عن الثورة العراقية سنة 1920 .

حتى يمرّ بذهني أسم له دوي ّ في حوادث الثورة والتحريض عليها . وله من القصائد الوطنية ما يعد في طليعة شعر الثورة . غير أن احدا ً لم يكتب عن هذه لشخصية الفذة .. انه السيد محمد باقر الحلي. ولعل من المهم بيانه ان عددا ً من مؤرخي الثورة اعتبره السبب الرئيس في اندلاع الثورة في منطقة الشامية لتصبح مركزا للثورة كلها .
ويمكن ان نذكر طائفة من هؤلاء المنسيين مثل محمد عبد الحسين وخليل عزمي وحسين علوان الدوري الذي اغرق الباخرة فاير فلاي في الكوفة بالمدفع الي غنمه الثوار في معركة الرارنجية وداود السامرائي الذي جلب ابرة المدفع الشهير وحبيب العيدروسي ومهدي مقلد احد رجال ( دكة السويدي ) واحمد الشيخ داود وسواهم من الذين ادوا الادوار المهمة في الثورة وتناستهم كتب التاريخ .

محمد باقر الحلي

قال عنه السيد هادي مكوطر ، أحد زعماء ثورة 1920 :ان ثمن السيد محمد الباقر كان يساوي مئات المدافع والرشاشات فهو الوحيد الذي استطاع ان يلهب الحماس في الحجر الاصم .. ويقول محمد علي كمال الدين ان قصيدة محمد الباقر الحلي وخطبته الرائعة في مضيف عبد الكاظم الحاج سكر هي الشرارةو التي اندلعت منها تيران الثورة ، ولعل اشتراك عشيرة الخزاعل في الثورة كان بعد تحريض الحلي لرؤساء العشيرة . والحديث عنه طويل ذكرناه في مقال سابق ( انظر مقالنا : محمد باقر الحلي ودوره الكبير في ثورة العشرين )

سر سامي النقشلي

هو ضابط عراقي بغدادي من أصل تركي كان اثناء الحرب العالمية الاولى ضابط في الجيش العثماني وشارك في معركة ( جناق قلعة ) المشهورة ،وبعد الاحتلال الانكليزي للعراق واندلاع ثورة العشرين انظم سامي النقشلي الى جانب الثورة واتخذ اسم حركي له باسم ( محمود التركي ) خوفا على عائلته في بغداد من بطش الانكليز وقد اخلص للثورة العراقية وبذل فيها جهدا كبيرا وظل الثوار يلهجون ببطولاته ..
في السماوة غنم الثوار مدفعين وعدد كبير من القنابل المدفعية وعدد كبير من القنابل اليدوية وقد تمكن النقشلي ان ينصب احد المدفعين فوق كورة ( مصنع لفخر الطابوق ) تقع في الجانب الشمالي لبلدة السماوة لضرب المعسكر الانكليزي ونصب المدفع الثاني في الجانب الآخر من النهر للغرض نفسه . وقد ارسل الانكليز جاسوس ايراني اسمه ( رضا ) ليلا مع زميل له لتخريب احد المدفعين وقد تمكن النقشلي من القبض عليه فعثر في حوزته على رسالة باللغة الانكليزية عليها توقيع سيد من رؤساء السماوة ولم يذكر النقشلي اسم هذا السيد ولكنه يقول انها مكتوبة بخط رجل يهودي كان موظفا في القطار ثم التجأ الى السيد عند قيام الثورة .
لما اطلع السيد هادي المكوطر وهو من زعماء الثورة على الرسالة ارتأى كتمان اسم اليهودي والسيد على ان ينالا عقابهما في وقت لاحق اما الجاسوس فقد تقرر قتله وعندها تناولته الايدي بالضرب حتى مات فسحبت جثته في طرقات السماوة لكي يكون عبرة لغيره من الجواسيس .
وجد النقشلي صعوبة في تدريب أبناء العشائر على استعمال القنابل اليدوية التي كانت من جملة الغنائم فهم كانوا يكرهون القنابل اليدوية ويسمونها العقرب ويرفضون استعمالها. التجأ النقشلي الى حيلة من اجل ترغيبهم بها وهي استعمال القنابل في صيد السمك فأخذ يقذف بها الى النهر واحدة بعد الاخرى مما أدى الى حصولهم على سمك كثير وعند هذا اقبلوا على استعمالها بشوق كبير واستطاع النقشلي أن يؤلف فصيلا منهم لقذف القابل اليدوية على الانكليز .
استعمل الثوار هذه القنابل عند حصار الباخرة ( غرين فلاي ) التي جنحت في الطين في 10 اب والتي ظل بحارتها صامدين رغم الحصار عليهم وكان الانكليز يحاولون القاء المساعدات اليهم بواسطة الطائرات وكان معظمها يسقط في الماء اضافة الى استهداف الطائرات برصاص الثوار واستطاع احد الثوار اسقاط طائرة ببندقيته والقي القبض على طياريها وقتلهم الثوار .
كان في الباخرة اربع جنود بريطانين وربانها اضافة الى ثلاثين هنديا وكانوا مسلمين عدا واحد من السيخ ونفذ صبر هؤلاء فقرروا الاستسلام للثوار آملين أن يعاملهم الثوار معاملة حسنة لكونهم مسلمين ففي 3 تشرين الاول خرج احد الهنود من الباخرة وهو يحمل علما ابيض فقابله سامي النقشلي وبعد المداولة معه حصل الاتفاق على ان يستسلم الهنود كلهم الى الثوار وان يحفظ الثوار حياتهم بشرط ان يقتلوا الربان والانكليز الاربعة فعاد هذا الهندي وكان لسامي النقشلي ماأراد وقد تم تسليم الهنود الى السيد هادي المقوطر ارسل بعضهم الى النجف وابقى قسم لدية اما الباخرة فقد استولى عليها الثوار فنهبوها بعد ذلك قاموا بتخريبها ..الف الانكليز لجنة تحقيق كبيرة بعد ان استطاعوا من استعادة 17 اسيرا لمعرفة ماحدث للباخرة لكن دون جدوى وظلوا جاهلين ذلك الى النهاية .
يبدوا أن السر لم يعرفه سوى سامي النقشلي وقد حرص هذا الرجل على كتمانه مدة طويلة حذرا من العقوبة ويقال انه افشاه في اخر حياته.

السيد صالح الحلي

ومن رجال الثورة المنسيين السيد صالح الحلي الشاعر والخطيب الشهير، ويعتقد العديدون ومنهم الدكتور علي الوردي ان صالح الحلي هو مبدع الحفلات الدينية التي جمعت الشيعة والسنة في بغداد في شهر رمضان الذي سبق اندلاع الثورة بايام ، وهو اول من نادى بها في الاجتماع الذي عقد في الصحن الكاظمي في الاول من ايار 1920 كما يذكر الاستاذ كاظم الدجيلي فيما كتبه عن الثورة قبل مجيء الشيخ محمد مهدي البصير لبغداد ، ثم انتشرت الفكرة وكانت من ممهدات الثورة , وبعد عودته الى النجف واصل نشاطه في الاجتماعات العامة وكان يحول مجالس التعزية الحسينية الى الدعوة للثورة ونيل الاستقلال وتاسيس دولة عربية في العراق . كما كانت له اليد الطولى بالتحريض على الثورة في بعقوبة ، وكان ذلك قبل احداث الثورة فالقت السلطات المحتلة القبض عليه وارسل الى البصرة وفيها تقررنقله الى الهند على ظهر احدى البواخر الانكليزية ، ويقال ان الباخرة لما وصلت عند قصر الشيخ خزعل الكعبي المطل على شط العرب اخذ الحلي يصيح باعلى صوته : واخزعلاه ، وقد سمعه الشيخ فعلا فارسل عليه اتباعه واخذوه عنوة الى القصر ، فسكن فيه ثم تشفع له عند الانكليز .