فرانسواز ساغان  بين النسيان والاحزان

فرانسواز ساغان بين النسيان والاحزان

سلوى جراح
الكاتبة الفرنسية الشهيرة فرانسوا ساغان (935-2004) التي كانت في الستينيات رمزاً لا يضاهى لفكرة الأدب النسائي المتميز منذ نشرت روايتها الاولى الشهيرة «صباح الخير أيها الحزن» التي كتبتها في شهور الصيف وهي لم تزل في الثامنة عشرة من عمرها.

وقد أثارت الرواية في وقتها، ضجة كبرى لجرأتها وتماسك حبكتها في تصوير حياة سيسيل، الفتاة المراهقة التي تعيش مع والدها الأرمل اللعوب حياة بوهيمية، ثم تأتي إحدى صديقات الزوجة الراحلة لزيارتهما وتنشأ بينها وبين الأب علاقة غرامية لكن سيسيل تتلاعب بهما وتنهي العلاقة وتدفع بالسيدة للانتحار فتهوي بسيارتها في وادٍ عميق. الرواية تحولت عام 958 إلى فيلم سينمائي ناجح من بطولة ديبرا كار ودافيد نيفن والممثلة الشابة جين سيبرغ.
الطريف أن اسم ساغان الذي حملته الكاتبة صاحبة العشرين رواية، جاء أصلاً من رواية الروائي والناقد والكاتب الفرنسي الشهير مارسيل بروست (87 - 922) صاحب أشهر واطول رواية في تاريخ الأدب «البحث عن الزمن الضائع» التي نشرت في سبعة أجزاء تباعاً منذ عام 9 3 وحتى عام 1972. نشرت الأجزاء الثلاثة الأخيرة بعد وفاته ولم يتمكن من تحقيقها وتدقيقها. في رواية بروست الشهيرة، ضمن الألفي شخصية التي تعالجها، في أكثر من ثلاثة آلاف صفحة، شخصية تعرف بالأميرة ساغان، وقد اختارت فرانسوا كوريز، وهذا هو اسمها الحقيقي، أن تحمله لتصبح باسمها الجديد فرانسوا ساغان، من أشهر الروائيات الفرنسيات وواحدة من أهم الروائيات حول العالم. وحين توفيت في الرابع والعشرين من أيلول عام 2004 قال الرئيس الفرنسي، آنذاك، جاك شيراك، في تأبينها: «فقدت فرنسا بموتها أحد أهم كتّابها وأكثرهم حساسيّة، وعلماً من أعلام الأدب الفرنسي».
استطاعت ساغان منذ روايتها الأولى، أن تخلق شخصيات على قدر كبير من الواقعية أصبحت أيقونات للعديد من المراهقين في فرنسا وحول العالم، شخصيات يقارن العديد من النقاد بينها وبين شخصيات الروائي الأميركي جيروم دافيد سالينجر (9 9 - 20 0) الشهير بجي دي سالينجر، خاصة روايته الشهيرة «الحارس في حقل الشوفان"التي نشرت عام 59 وتصور تمرد الشباب وضياعهم، مخاوفهم ورغباتهم الحسية، وبحثهم الدائم عن الهوية والانتماء، حتى أن رواية سالينجر تعتبر ضمن أفضل مائة رواية باللغة الانكليزية، كتبت منذ عشرينيات القرن الماضي، وما زال يباع منها كل عام ما يقرب من الربع مليون نسخة، وعليه وجدت ساغان نفسها في سن مبكرة تقارن بكاتب مهم مثل سالينجر، ووجدت رواياتها تأخذ طريقها للسينما. فروايتها «هل تحبين برامز؟"التي صدرت عام 959 تحولت بعد ثلاث سنوات إلى فيلم سينمائي من بطولة إنغريد بيرغمان وأنتوني بيركينز بعنوان «وداعاً مرة ثانية». ويروي الفيلم قصة حب سريعة بين امرأة في أواسط العمر وشاب يصغرها بسنين. وبالمناسبة المقصود ببرامز، هو الموسيقي الألماني وعازف البيانو الشهير يوهانز برامز(833- 897) الذي لا تخلو الحفلات الموسيقية حول العالم من مقطوعاته، فحين يلتقي رجل وامرأة غريبان ويرغبان في أن يبدآن شكلاً من أشكال التعارف قد يسأل أحدهما الآخر:»هل تحب برامز؟"أي موسيقى برامز، ليكون ذلك بمثابة بداية للحديث.
لا شك في أن نجاح ساغان المبكر كان حافزاً للإبداع وتقديم المزيد. وهذا ما حدث بالفعل، إذ ظلت تقدم نتاجها الأدبي حتى أواخر التسعينات من القرن الماضي وحافظت دوماً على أسلوبها الشهير في الرواية، سيكولوجية الغوص في أعماق شخصيات يدور بينها عادة حوار عميق مسترسل، كثيراً ما يوصف بأنه محمل بمفاهيم الفلسفة الوجودية. ولم تكتف فرانسوا ساغان بكتابة الرواية بل امتد نتاجها ليشمل الكتابة للمسرح إضافة للسيرة الذاتية وبعض الأشعار الغنائية. بل وتفرغت في ستينات القرن الماضي للكتابة الى المسرح. ورغم أن النقاد أجمعوا على أن حوارياتها متميزة، إلا أن أعمالها لم تلق النجاح، فعادت تركز جهودها في كتابة الرواية.
تزوجت ساغان مرتين، الأولى من محرر صحفي يكبرها بعشرين عاماً لكن زواجها لم يدم لأكثر من عامين وافترقا في عام 960 لتعود بعد عامين وتتزوج بنحات أميركي فاشل، عرف عنه أنه زير نساء ولم يدم زواجها الثاني لأكثر من عام واحد. ثم بدأت تقيم علاقات مع عدد من النساء بعضهن كنَّ شخصيات معروفة، صحفيات وكاتبات. وقد سُئلت مرة عما إذا كانت تؤمن بالحب فأجابت بكل بساطة:»هل تمازحوني؟ أنا أؤمن بالرغبة التي قد تدوم سنتين أو ثلاث على أكبر تقدير، أما الحب فلا تسألوني عنه». ومن أقوالها الشهيرة: «لا شيء يزيد من الغيرة مثل الاستخفاف بها».
لكن ساغان برغم كل ما اكتنف حياتها الشخصية، أحبت عملها وانهمكت به وعشقت الحيوانات وتربيتها في بيتها، خاصة الكلاب. كما عشقت السفر ودارت في العديد من دول العالم كالولايات المتحدة الأميركية حيث أقامت الكثير من الصداقات مع نجوم السينما. كما عرف عنها تعاطيها المفرط للمخدرات، فقد تعاطت خلال مراحل عمرها المختلفة أنواعاً من المخدرات تراوحت بين الكوكايين والمورفين والمشروبات الكحولية. وفي عام 990 قدمت للمحاكمة بتهمة حيازة الكوكايين. ويروى عنها أن الشرطة جاءت مرة تفتش بيتها بحثاً عن مخدرات فقام كلبها المفضل «بانكو"بقيادة رجال الشرطة إلى مكان الكوكايين، وحين وجده بدأ يلعقه فصاحت ساغان:» أرأيتم حتى بانكو يحبه فلم تحاسبونني»؟
مع حلول الألفية الثانية بدأت صحة ساغان تتدهور وتوقفت تماماً عن الكتابة بل لم تتمكن في عام 2002 من المثول أمام المحكمة في قضية رفعتها عليها مصلحة الضرائب الفرنسية وشملت الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، فحكمت عليها المحكمة بالسجن مع وقف التنفيذ. وبعد عامين توفيت بجلطة دماغية ودفنت حسب رغبتها في مسقط رأسها. لكن ساغان التي كانت ملء الأسماع في الستينات لم تعد في عصر التكنولوجيا مثاراً للحديث والجدل، ومرت ذكرى وفاتها بهدوء شديد وانقضت صباحات الحزن.