ذكرياتي مع الاوفياء :جميل عباس .. جمولي

ذكرياتي مع الاوفياء :جميل عباس .. جمولي

د . عبد القادر زينل
الذكريات...روافد تصب في مسار الحياة...يسقط منها ما قد يؤثر سلبا في المسار ...ويترسب منها في وعاء الذاكرة ما يؤثر ايجابا في مسارنا الطويل فيتحقق ما يقوله الشاعر ان الذكريات هي معنى العمر في هذه الحياة .....وفي سواقي الذاكرة رجال ساهموا بهذا القدر او ذاك في بناء الرياضة العراقية وتحديد نهجها وافاق تطورها ....فهؤلاء االرواد يستحقون ان نرفعهم في بيارق الذاكرة وفاء لهم ولما قدموه ....

هذا الوفاء هو الرابط الانساني الذي يبقى يذكرنا بكلمة الرسول العظيم صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ان من علمني حرفا ملكني عبدا .....الى هؤلاء جميعا احني راسي اجلالا والى ذكراهم اقدم لهم كلماتي التي يحكيها القلب والضمير عبر مجلة الكاردينيا ...

جميل عباس ..جمولي.. الملقب بالسد العالي!
اعتزازاً ومحبة واحتراماً لهذه الشخصية الرياضية الاجتماعية المرموقة والمتميزة بالموهبة الكروية اضافتاُ الى دماثة الخلق والذي - نصب له - وباستحقاق – تمثال - لانه ((جمّولي)) كما يحلو لمحبيه وعشاق لعبه تسميته ....
مهما يكتب عن سيرة الراحل جميل عباس ( جمولي ) فانه يستحق الاكثر !
انه شخصية نادرة جمعت صفتين وهما الاخلاق النموذجية الفاضلة وموهبة الفن الكروي المتميز, انه حقا يستحق الذكر الطيب والاشادة بتاريخه بشكل مستمر, ليكون قدوة للاجيال الرياضية الحالية واللاحقة فالتوثيق الذي فقدناه ولم نعطيه اهميته بالشكل المطلوب مع الاسف هو نبراس و جزء من الحضارة والتاريخ والوفاء لمن يستحق الوفاء .

رغبة تحققت
في منتصف الستينيات كنت احد لاعبي فريق مدارس الشرطة الذي كان يمثل الشرطة وهو الفريق الوحيد الذي يلعب آنذاك بالدوري ومن بعد تلك الفترة اصبح للشرطة ثلاثة فرق تلعب ضمن فرق الدوري منها القوة السيارة والاليات والنجدة، .. ومن ضمن منهاج الدوري كان لفريقنا مدارس الشرطة مباراة مع الفرقة الثالثة التي كان يقودها الكابتن المرحوم جمولي, وفي نفس يوم المباراة التي كان مقرر لها ان تقام في ملعب الكشافة عصرا, وللحقيقة بدات اشعر بالقلق بسبب اهمية الباراة بالنسبة لي لاسيما وانا كنت في بداية المشوار الكروي في اول دوري ممتاز ... وراودتني عدة افكار منها , في حالة مشاركتي كيف سأواجه هذا اللاعب الكبير لاسيما وان مركزي في الفريق انذاك مهاجم وهوفي مركز شبه وسط ... ولغرض القضاء على هذا الوقت العصيب, قررت ان اذهب مبكرا الى دار زميلي في الفريق اللاعب العزيز فانوس الاسدي الذي كان يسكن قرب ملعب الكشافة في منطقة الكسرة , لنذهب سويةً الى الملعب من هناك, ولله الحمد سارت المباراة بشكل طبيعي وبنتيجة التعادل بعد ان ضيَّع المرحوم جمولي في تلك المباراة ضربة جزاء بعد ان ارتطمت الكرة بالعامود واعتبرت النتيجة مكسبا لفريقنا وذلك لما كانت تضمّه الفرقة الثالثة من لاعبين بارزين على مستوى المنتخب الوطني وفي مقدمتهم المرحوم - جمولي – وانور مراد وطرزان ولسن ومحمود اسد وخيري عبد الحسين وعلي عطية ونوري ذياب و شامل فليح, وقد شاركت في تلك المباراة في شوطها الثاني وهي اول مشاركة لي في مباراة رسمية طرفها العملاق جمولي ... وكانت بالنسبة لي فرصة كبيرة ورغبة تحققت بكل شرف ولا زلت اعتز بها ...
وفي عام 1972 كلفت ومعي اللاعب المعروف المرحوم جليل شهاب بتدريب منتخب الشباب العسكري وهو اول فريق يتم تشكيله على مستوى القوات المسلحة وقد اخترنا اللاعبين انذاك من الشرطة وكنا نتدرب على ملعب ساحة مدرسة التدريب الرياضي العسكري التابعة الى مديرية العاب الجيش ...... ان تواجدنا اليومي في المدرسة لغرض التدريب قد اتاح لي الفرصة للالتقاء المستمر بالكابتن المرحوم جمولي , حيث كان احد الضباط مدرسة التدريب البدني وغالبا يحضر تدريبات الفريق, وكنت أستأنس بارائه وخبرته الرياضية والكروية فيما يخص اللاعبين والفريق بشكل عام وقد استفدت من خبرته كثيرا ... ومن خلال احاديثنا اليومية خاصة بعد انتهاء الوحدة التدريبية , سالته اكثر من مرة عن سبب عدم لجوئه الى التدريب بعد اعتزاله الكرة لما يمتلكه من خبرة ودراية واسعة في مجال كرة القدم أضافة الى شعبيته وسمعته الطيبة الوسط الرياضي والاجتماعي , مما تساهم تلك االسمات في نجاح مهمته التدريبية .....فاجابني بهدوئه وتواضعه المعروف , قائلا ...لا اجد في نفسي امكانية المدرب وليس كل لاعب نجم ومشهور يمكن ان ينجح في مهمته التدريبية لان التدريب رغبة وموهبة وهكذا بكل بساطة وتواضع يقول افضل لاعب عصره وجيله لا أمتلك المقدرة على التدريب !! وتطرق الى مسألة في غاية الاهمية عندما اضاف ... ان على الجهات المعنية الرياضية سواء وزارة الشباب او اللجنة الاولمبية أو الاتحادات الرياضية ان تضع شروطاً دقيقة جدا خاضعة لاختبارات مهنية ومدروسة لأختيار المدربين بعيدا كل البعد عن المجاملات لان المدرب الكفوء علميا وتربويا سيضع الاسس الرصينة لبناء قاعدة اساسية , لان الرياضة مقبلة على آفاق وتطلعات علمية بحتة....
وفي حديث أخر معه يرحمه الله والذي شاركني فيه زميله في المنتخبين العسكري والوطني اللاعب القدير جليل شهاب الذي شغل مركز المدافع الايسر , قلت له يا أبو عصام لماذا اعتزلت واغلب المتابعين ونحن منهم نرى انك كنت تستطيع الاستمرار باللعب لحفاظك على مستواك البدني والفني؟؟ , وقد ايدني بذلك المرحوم جليل شهاب , الا انه اجاب بثقة ومصداقية - نعم - كنت استطيع الاستمرار ..... ولكني رغبت ان اعطي المجال للغير وفي نفس الوقت والكلام له اتطلع ان تبقى صورتي ناصعة في ذهن محبي ومشجعي جمهورنا العراقي الاصيل واعتقد ان هناك لاعب يمكن يشغل مركزي بأقتدار وثقتي به كبيرة ...
وكان يقصد اللاعب جبار رشك الذي شغل مركز شبه الوسط في الفرقة الثالثة والمنتخبين العسكري والوطني وللامانة كان الكابتن جبار رشك لاعبا موهوبا ويمتلك مقدرة مهارية فردية وذهنية وتوقيت مناسب في الخروج على الخصم وابعاد الكرات الخطرة في اللحظة المطلوبة ,

جمولي يأمر بجلوس 50 - ألف متفرج !
ضمن بطولة العالم العسكرية بكرة القدم التي جرت في تركيا بين المنتخبين العراقي العسكري والمنتخب التركي العسكري والذي حضرها جمهور غفير يقدر بخمسين الف متفرج وكان الفريق التركي يضم نخبة من اللاعبين المقتدرين ومن ضمنهم اللاعب المعروف والمشهور انذك - جان - وكان يلعب في مركز المهاجم ويعتبر من اللاعبين ذو المواهب ويجيد فن المحاورة -المراوغة - اضافة الى خطورته في منطقة الجزاء ومن احدى الحالات مررت له الكرة وهوبأتجاه الهدف وقبل ان يسدد الكرة وهو في موقع التهديف وقف الجمهور فرحين لا عتقادهم انه الهدف لا محال وفي اللحظات الاخيرة ابعد جمولي الكرة من بين اقدام اللاعب الدولي - جان - وسط ذهول الجمهور التركي الذي اجبر على الجلوس بسبب المهارة التكنيكية العالية لابعاد الكرة الخطرة من قبل لاعبنا الكبير جمولي ....ولذلك اطلقت الصحف عناوينها البارزة ومنها .....كابتن منتخب العراق (جميل عباس) يأمر بجلوس خمسين الف متفرج هذه احدى امكانياته وابداعاته المهارية العالية ...

رغم بعض الظروف التي مربها لم يشكو وبقى ابي النفس ؟؟؟
شخصيا كنت متأثرا جدا بالكابتن جمولي لموهبته الكروية وخلقه المثالي , لذلك كنت متابع لاخباره فاذا لم التقيه فمن خلال اخوانه التي تربطني علاقات واسعة معهم ومنهم الاخ نوري عباس الذي عملنا سوية فترة طويلة في اتحاد كرة القدم وشقيقه اسماعيل عباس زميلي في كلية الشرطة ومنتخب تربية العراق المدرسي كلاعبين , لذلك كنت اعرف أغلب اخباره وظروفه , المعاشية الصعبة وعندما كنا نبادر كان يأبى طلب المساعدة ولم اسمع منه في يوم شكوى او تذمر ...حقا كان الانموذج لعبا وخلقا وكرامةُ .