كامران المخرج والكاميرا

كامران المخرج والكاميرا

عبد الوهاب فوزي
الآن وقد شاهدنا ((سعيد أفندي)) فقد آن لنا أن نتكلم وأن نقرر حقيقة كانت تقف حيالها في الماضي علامة استفهام كبيرة.. الحقيقة هي اننا نستطيع اعتبار ((سعيد أفندي)) بداية السينما العراقية... بداية حقيقية ترتكز على أسس صحيحة.

لقد سجل ((سعيد أفندي)) نصراً عظيماً... هو النصر الذي انتظرناه طويلاً.. ان وراء هذا الانتصار مغزى عظيماً... انه يدحض كل ما قيل عن ضعف العاملين في الوسط السينمائي... ولقد ثبت الآن ان هناك منْ تستطيع الاعتماد عليهم.
لقد أتى كاميران بمعجزة حقاً.. معجزة لأنها اول عمل له بعد عودته الى العراق وحصوله على شهادة في الاخراج... معجزة لأنه أول منْ استعاض عن الأستوديو بالحياة اليومية الزاخرة.. معجزة لانه استطاع بإمكانات مادية ضئيلة ان ينتج فيلماً نظيفاً مئة في المئة. معجزة لان فيلم ((سعيد أفندي)) معجزة حقاً.
والآن أنزجي التهاني الى كاميران؟.... أمْ إلى أبطال الفيلم وكل منْ حرك إصبعاً فيه؟... لا... لا... ان التهنئة يجب ان توجه الى العراقيين جميعاً... الى كل حريص غيور على هذه الصناعة.. الى كل منْ يؤمن بصناعة السينما كأعظم وسيلة من وسائل الدعاية والتسلية والفائدة.. لنا جميعاً.
الهوية الشخصية:
• كاميران حسني شفيق.
• عمره 33 عاماً.
• درس الإخراج في جامعة كاليفورنيا.
• حصل على شهادة (B.A) ((بي.اي)) في السينما.
• عاد إلى العراق سنة 1955.
• فيلمه الأول ((سعيد أفندي)).
• تزوج من أميركية في حفلة جامعية.
قبل ان يعرض ((سعيد أفندي)) ببضعة ايام زارنا كاميران حسني شفيق في ادارة ((الأسبوع)).. فاهتبلتها فرصة وطرحت عليه وابلاً من الأسئلة... متى سيعرض الفيلم؟. ماذا تتوقع له؟.. هل تنوي إنتاج فيلم آخر.
أسئلة كثيرة كانت تجول في خاطري.. قال:
- انا على استعداد للإجابة على كل سؤال بعد أن سمحت الرقابة بعرض الفيلم كما هو.. وأردف قائلاً:
الآن فقط استطيع ان ارى الناس... قلت له:
• هل تنوي انتاج فيلم آخر؟
- هذا يتوقف على مدى نجاح الفيلم الاول واستطرد قائلاً:
انا لا أبغي الربح المادي بالدرجة الاولى ولكني بطبيعة الحال لا استطيع ان ابعد الناحية المادية عند التفكير في أي عمل... لأنني كانسان لابد ان أجد وسيلة للعيش... ولكنني كفنان أرفض ان تتحكم المادة في اتجاهي الفني.
• ما هي العقبة الكأداء التي وقفت في طريقكم قبل البدء بـ((سعيد أفندي)).
- المال كان العقبة الوحيدة التي وقفت أمامنا... وقد ذللت بعد أن ((رهنا)) بيوتنا.
• لماذا آثرت الذهاب إلى لندن ومعك الفيلم؟
- لانني اردت لعملي ان يكون كاملاً قدر الإمكان.. ان الجمهور لا تهمه ظروفك او ظروفي. يهمه ان يرى عملاً نظيفاً وهذا من حقه.
• ما الذي أعجبك في ((سعيد أفندي))؟
- اعتقد ان هذا السؤال قد اتاح لي الفرصة لشكر كل منْ تعاون معي في اخراج هذا الفيلم الى حيز الوجود.
أعجبني في الفيلم ((الصوت)) الذي قام بتسجيله السيد داود السامرائي... لقد كان في منتهى الوضوح حتى انهم اعجبوا به كثيراً في لندن.
وأعجبني التصوير والفضل يعود الى ((البرتو))... الذي كان في منتهى اليقظة عند العمل في الفيلم.
وسألته مقاطعاً؟
• هل تشعر انك اكتشفت وجهاً جديداً في هذا الفيلم؟
- نعم... انه ((دعبول)) البلام الذي قام بتمثيل دور ((السكير)) فأبدع وجاد.
• يقول البعض انك لم تدخل الأستوديو تمشياً مع خطة دي سيكا؟
- ليس لدي سيكا او غيره دخل في ذلك.. ولكنني وجدت ان الاستوديو يكلف كثيراً.. وفضلاً عن ذلك فانا اعتقد ان المجال اوسع خارج الاستوديو منه بين جدران اربعة.. ان التمثيل داخل الجدران الاربعة يتطلب جهوداً عظيمة الى جانب ضرورة توفر عناصر قوية جداً تستطيع ان تستحوذ على مشاعر المتفرج وتشده اليها هذا ما نفتقر اليه في الوقت الحاضر.. بينما نحن نستطيع ان نستفيد من رجل الشارع والشارع نفسه بما فيه من حركة دائبة مستمرة وحيوية.. في الشارع قد نلتقي بأبي الشربت واطفال يتشاجرون او يلعبون الكرة او غيرها من المناظر المألوفة التي تعطي صورة صادقة عن حياتنا الحاضرة.
• ما رأيك في ((دي سيكا)) – الذي عرفه الجمهور العراقي عن طريق مشاهدة أفلامه؟
- دي سيكا في اعتقادي يجيد التمثيل أكثر من الإخراج...
• منْ هو المخرج الذي يعجبك أكثر من غيره...
- هم عدة مخرجين.. جون هيوستن. جورج ستيفنسن وايليا كازان. لانهم ادخلوا اساليب حديثة في السينما...
جون هيوستن: اخذ يميل في افلامه الى تطبيق تكنيك التداخل التدريجي بدلاً من القطع وهو ما يطلق عليه بـ((الدزولف)). وقد تجلى ذلك في فيلم ((موبي ديك)) عندما يودع النساء البحارة وهم في طريقهم الى البحر لصيد الحوت الهائل. كانت الوجوه تختفي ليظهر وجه آخر بدلها.. وكان استعمال ((الدزولف)) هنا اكثر اثارة وتعبيراً مما لو استعمل القطع..
• هل طبقت ((الدزولف)) في ((سعيد أفندي))؟
- نعم.. في المشهد الذي يغني فيه ((مطرب المقامات)) ويعزف فيه ((القانونجي))... والتداخل التدريجي بين المشهدين.
• قلت انك معجب بعدة مخرجين فمن هو المخرج الاخر الذي تعجب به؟
- انه ايليا كازان: المخرج الذي ينتقي لك الشخصيات الشاذة ومن ثم يقنعك بانها معقولة بتصرفاتها.... مثل جيمس دين في – شرقي عدن -.
• بالمناسبة ما رأيك في جيمس دين الذي يكاد يصبح أسطورة؟ وهز كاميران رأسه عدة مرات وقال:
- جيمس دين المراهق.. الدمية التي صنعها ايليا كازان.
• هل تعتقد ان الدعاية لعبت دوراً في حياة هذا الممثل؟
- نعم... لعبت دوراً كبيراً... وهي ما زالت تلعب ذلك الدور.
• بعد ان شاهدت فيلم ((منْ المسؤول)).. هل تستطيع ان تبدي رأيك في ذلك الفيلم؟
- كان من الافلام الجيدة وقد قضى على الفكرة القائلة بأننا نفتقر الى ممثلين جيدين.. ولكنني اعتقد ان نقطة الضعف في اختيار القصة.
كان على المخرج الزميل عبدالجبار ولي ان يتفهم نفسية الجمهور العراقي قبل ان يقدم على اختيار هذه القصة التي تنتهي نهاية محزنة.. ان الجمهور العراقي بحاجة الى الافلام المسلية.. لا الافلام التي تبعث الحزن في قلبه.
• ما رأيك في الافلام التي سبقت ((منْ المسؤول))؟
- انا اعتبر ((منْ المسؤول)) هو الفيلم العراقي الأول الذي نستطيع ان نطلق عليه هذه التسمية.. في ((منْ المسؤول)) تستطيع ان تتعرف على ((جودي)) و((سبع)) وغيرهم من الممثلين والممثلات.. اما الافلام القديمة فلا تستطيع ان تتبين شخصية واحد منهم وكأنهم اشباح تتحرك. وأحسن وصف لتلك الافلام هو انها من افلام ((سيريالزم)).
• هل في النية توزيع – سعدي أفندي- خارج العراق؟
- لا.. ان (( سعدي أفندي)) فيلم عراقي صرف وقصة جديدة غير معروفة.. واللغة العراقية المحلية غير معروفة لدى اخواننا العرب.
• هل أنت من انصار مبدأ ((الفن للفن)) أمْ ((الفن للجمهور))؟
- انا من انصار المبدأ الاخير.. ان واجب الفنان النزول الى مستوى الجمهور والأخذ بيده الى مستوى أرفع.
مجلة فنون 1954