كيف صدرت جريدة الاهالي سنة 1932 ؟ من كان وراء صدور الجريدة .. ومن هو مؤسسها الحقيقي؟

كيف صدرت جريدة الاهالي سنة 1932 ؟ من كان وراء صدور الجريدة .. ومن هو مؤسسها الحقيقي؟

د. وسام هادي عكار التميمي
كان جماعة الأهالي ، يمثلون تجمعاً وطنياً تقدمياً ، ضم بعض الإصلاحيين والليبراليين ، الذين اهتموا بالإصلاح الاجتماعي ، كأساس لأي إصلاح سياسي ، كما أنهم أول هيئة محلية نشأت في بلد عربي ، حاولت أن تربط بين أفكار الجيل الجديد والسياسيين القدامى ، ويمكن القول بأن جماعة الأهالي نشأوا في رحم التيارات الفكرية السياسية التي كانت سائدة في أوربا المشبعة بمبادئ الثورة الفرنسية، والثورة الاشتراكية في روسيا ، التي اقرت بالديمقراطية وعدتها النظام المثالي للحكم ،

فكانوا يحملون فكراً سياسياً تقدمياً ، ضم من أقصى اليسار إلى الوسط ، ما عدا الموالين للاستعمار ، إذا ما قورن بالفكر السياسي في مصر وبلاد الشام ، ووصفوا جماعة الأهالي ، بأنهم مثلوا إرهاصة من إرهاصات اليسار في الوطن العربي في ثلاثينيات القرن الماضي ، بينما وصفهم بعض القوميين بأنهم ماركسيون ، سيفككون بمنهجهم عرى النظام الاجتماعي في العراق .
في خضم هذه الأفكار والتطلعات كان عزيز شريف، من أوائل المنتمين لجماعة الأهالي ، وظهر دوره فيها من خلال سعيه مع زملائه لشراء المطبعة لإصدار الصحيفة ، والتي سبق وأن قدّم حسين جميل طلباً إلى وزارة الداخلية في (16 حزيران 1931) ، لإصدار صحيفة سياسية يومية باسم الأهالي ، وعن سبب اختيار هذا الاسم للصحيفة ، قال حسين جميل رغبنا أن يكون الاسم مشتقاً من معنى الشعب ، إضافة إلى تأثر جماعة الأهالي بحزب الوفد المصري، وكفاح صحافته ولاسيّما صحيفة الأهالي ، ابرز الصحف الوفدية التي كانت تصدر في مدينة الإسكندرية ، لصاحبها عبد القادر حمزة .
وافقت وزارة الداخلية على طلب إصدار الصحيفة في (2 تموز 1931) ، وباشر جماعة الأهالي بالإجراءات اللازمة لاستكمال متطلبات الصحيفة ، فأجّروا داراً قرب المتحف العراقي القديم ببغداد ، ليكون مقراً للصحيفة ، واشتروا المطبعة اذ تم الاتفاق على شراء مطبعة عبد اللطيف الفلاح ، صاحب جريدة الفلاح التي كانت تصدر في العشرينيات من القرن الماضي ، لكن وافاه الأجل قبل أن يتسلم جماعة الأهالي المطبعة ، مما ألزمهم الورثة دفع مبلغ باهض لشرائها . ، وجلبوا العمال والورق ، وكافة المستلزمات الشكلية الأخرى ، وبهذا الصدد ذكر عزيز شريف " بوصفي أحد المؤسسين في نشاط الأهالي منذ تأسيسها ، فقد أسهمت في إعطاء 50 روبية ، وهي كل ما وفرته بالتقير الشديد ، من أجل إكمال دراستي في خارج العراق ، وسلمته للجماعة ، ولا أحسب أن أحداً قد دفع ما يقارب هذا المبلغ ، ولم يذكر لي حتى سهم واحد في الصحيفة " وعندما وزع كامل الجادرجي الحصص في الجريدة لم يذكر أي حصة لعزيز شريف ؟ وكان توزيعه على النحو الآتي: 28 حصة لعبد الفتاح إبراهيم ، 11 حصة لإبراهيم بيثون ، و5 حصص لخليل كنة ، وثلاث حصص لنصرة الفارسي ، وحصتان لمحمد حديد ، وحصتان لدرويش الحيدري ، وحصة واحدة لحقي الجيبه جي . ، وبعدها قدّم عبد القادر إسماعيل، طلباً إلى وزارة الداخلية في (15 كانون الأول 1931 ) ، لإجازة المطبعة وأن يكون خليل كنة مديرها المسؤول ، فوافقت الوزارة على الطلب المذكور في (19 كانون الأول 1931) ، باسم مطبعة الأهالي.
على الرغم من الجهود المبذولة من الجماعة لإصدار الصحيفة في الموعد المحدد في (الأول من كانون الثاني 1932) ، لكنهم فوجئوا بخلل في المطبعة ، مما اضطروا إلى الاستعانة بإحدى المطابع لطبع العدد الأول ، وفي يوم السبت (2 كانون الثاني 1932) ، صدر العدد الأول لصحيفة الأهالي ، وكتب في أعلى يمين الصفحة الأولى ( الأهالي ـ جريدة يومية سياسية جامعة ـ يعدها فريق من الشباب )، كان صاحبها ومديرها المسؤول حسين جميل ، اقتبست الصحيفة شعار الشعلة من مجلة العصور المصرية التي كان يصدرها إسماعيل مظهر ، وكانت الافتتاحية الأولى بعنوان : ( منفعة الشعب فوق كل المنافع ) ، جاء فيها : " إنَّ جريدتنا جريدة الشعب ، تضع رفاهيته فوق كل الأهداف الأخرى ، مثل تحسين المستوى المعيشي وتحقيق الاطمئنان المادي والمعنوي ، وهي جريدة لا تشايع حزباً من الأحزاب السياسية الحالية ، لذلك كان من مراعاة حقوق الشعب وإنصافه ، أن لا يصدرها إلاّ أناس يؤثرون الشعب على أنفسهم ، ويرون التفاني في خدمة الأمة واجباً محتماً عليهم " ، تميزت صحيفة الأهالي عن سائر الصحف العراقية الأخرى ، بعدم ذكر اسم كاتب المقال الافتتاحي ، للمحافظة على الجماعة من بطش السلطة من جهة ، ورغبتهم بخلق شعور لدى القراء بأن فكرة المقال لا تعبّر عن رأي كاتبه فقط ؛ بل تعبر عن فكرة ذلك الفريق من شباب من جهة أخرى .
كان لصحيفة الأهالي صدى في الشارع العراقي ، لأنها علقت آمالها على الشباب بالدرجة الأولى ، لاسيّما الذين يعملون بصمت ، ويختلطون مع الناس ، ويشعرون بآلامهم ومعاناتهم ، إضافة إلى مطالبتهم بالتغير التدريجي والسلمي للأوضاع الشاذة ، في البلد بدل العنف ، لتأثرهم بالفكر الفابي بشكل واضح ، فكانت صحيفة الأهالي من أرقى الصحف التي عرفتها بغداد يومئذٍ ، على حد وصف المؤرخ عبد الرزاق الحسني ، كما أنها أضحت اللسان الناطق للقوى الوطنية التحررية في العراق .
كانت جماعة الأهالي ، يسهمون جميعاً في تحرير أبواب الصحيفة ، كلاً حسب اختصاصه ، فكتب عزيز شريف بعض المقالات الافتتاحية ، فضلاً عن الشؤون القانونية لأنه كان محامياً ، واهتم حسين جميل بإدارة الصحيفة ، وكتابته عن الحريات العامة ، والمفاهيم الديمقراطية ، أما عبد الفتاح إبراهيم فلثقافته الواسعة ، فقد تولى الكتابة عن المذاهب السياسية ، والنظريات الأيديولوجية ، وترجمة بعض المقالات الأجنبية ، وكان محمد حديد يحرر البحوث الاقتصادية ، التي تعالج الأزمة الاقتصادية العالمية ، ومدى تأثيرها على العراق ، كما ركز علي حيدر سليمان، على المقالات السياسية والتاريخية ، باسم مستعار هو شمالي أو المؤرخ الصغير ،في حين كان عبد القادر إسماعيل مسؤولاً عن عملية طبع الصحيفة ، كان يكتب في باب قصة اليوم ، التي يطرح فيها إحدى مشاكل الشعب على طاولة النقاش ؛ أو ترجمة إحدى القصص العالمية .

عن رسالة
(عزيز شريف ودوره الفكري والسياسي في العراق )