من ظرفاء بغداد: عبد المجيد الشاوي .. الساخر اللاذع

من ظرفاء بغداد: عبد المجيد الشاوي .. الساخر اللاذع

نور الملاك
ظهر في تاريخ العراق الاجتماعي العديد من الشخصيات الظريفة التي خلدت اسماؤها بما تركته من نكات وطرائف ونقدات ساخرة للواقع السياسي والاجتماعي في ايا . ومن هؤلاء المرحوم عبد المجيد الشاوي الوجيه البغدادي والوزير والنائب وعضو مجلس الاعيان .

وهو عبدالمجيد بن حسن بن مسعود شاوي العبيدي الحميري.ولد في بغداد سنة 1862 وتوفي في بيروت سنة 1927 وقد قضى معظم حياته في العراق.تلقى علوم العربية والعلوم الدينية على يد عدد من علماء عصره، وتعلّم التركية فأجادها. مما اهله للعمل كاتبًا في دائرة تحرير ولاية بغداد، ومحررًا في القسم العربي لجريدة «الزوراء»، ثم مميزًا في دائرة ولاية البصرة.
تدرّج في المناصب الإدارية والسياسية: وتولى منصب وكالة متصرفية العمارة (1905 - 1907) ثم انتخب نائبًا عن اللواء في «مجلس المبعوثان» العثماني (1912 - 1918) وعين وزيرًا بلا وزارة في حكومة عبدالرحمن النقيب الأولى (1920) - واختير رئيسًا لبلدية بغداد (1919 - 1922) ثم متصرفًا للواء الدليم (1922 - 1923) وانتخب نائبًا عن الكوت (1924) ثم نائبًا عن لواءالرمادي في مجلس النواب العراقي الأول (1925) واختيرعضوًا في مجلس الأعيان حتى وفاته .وتنقل عن عبد المجيد الشاوي الكثير من الطرائف الجميلة .
في بداية عام 1921 وقع الاختيار على القشلة ببغداد,لتكون مقراً للوزارات في عهد الانتداب البريطاني,واستحوذ السيد طالب النقيب رئيس الوزراء المدعوم من-السير برسي كوكس-على افضل الاجنحة فيها كمقر لوزارته,لكنه اعترض على التخصيصات المالية لراتبه والتي حددت ب7سبعة الاف روبيه,حيث انه رفض ان يكون راتبه قريبا من راتب وزير الماليه,فاجتمع مجلس الوزراء بناءاً على اقتراح من المندوب السامي في العراق للنظر في الاقتراح وكان للسيد طالب النقيب خصوم معارضين.
ويروى في هذا الصدد نقلاً عن كتاب-حكايات سياسية-ص45-للأديب خيري العمري- قصة طريفة جداً-أن الوزراء كانوا قد اتفقوا فيما بينهم قبل انعقاد المجلس على معارضة الاقتراح عند تقديمه اليهم,وأخذ يشجع بعضهم بعضاً على الصمود ضد السيد طالب النقيب,ولكنهم عندما انعقد المجلس تخاذلوا تجاه نظرات السيد طالب المرعبه.؟ وكان أول المتخاذلين-الوزير ساسون حسقيل- حيث سارع الى القول-(موافق) -ثم أخذ الوزراء يقتدون به واحداً بعد الاخر,حتى وصل الدور الى -الوزير عبدالمجيد الشاوي- وكان معروفاً بحسن النكته فهو بدلاً من ان يقول -(موافق)- قال -(منافق) .
ومن نكات الشاوي الظريفة التي تروى عنه، انه مرة ساله احد زملائه من وزارة الدولة الذين لم تسند لهم حقيبة معينة عن السر في ان راتب وزير الدولة يساوي نصف راتب الوزير الذي يشارك في حقيبة وزارة معينة. فكان جواب الشاوي للسائل: انه مطابق لحكم الشرع الشريف (وللذكر مثل حظ الانثيين) .
من نوادر عبد المجيد الشاوي، رحمه الله، وهو نائب في البرلمان العثماني ثم وزير بدون وزارة ومتصرف لواء الدليم ومتصرف لواء الكوت، بعد تأسيس المملكة العراقية، توفي سنة 1927، أنه في مرة استعطفه موظف صغير فصل من وزارة المالية فرجاه أن يرجعه لوظيفته، فاتصل المرحوم الشاوي بوزير المالية وطلب منه إعادة الموظف البسيط إلى وظيفته، فكان جواب وزير المالية للمرحوم الشاوي: مستحيل لا يمكن إعادته إلى وظيفته، لأن هذا الموظف فصل بعدما ثبتت عليه تهمة الرشوة. فحبكت النكتة عند المرحوم الشاوي وقال لوزير المالية: «عجيب.. هذا مفصول بتهمة الرشوة؟! يا معود رجعه بسرعة لوظيفته الصغيرة، أخاف يعرفون به ويعينوه وزير
ويروي امين الريحاني في كتابه ملوك العرب ان الشاوي كان احد اربعة ممن يكفرونهم في العراق وهم: الزهاوي والرصافي وكاظم الدجيلي ومترجمنا، ويصف عبد المجيد الشاوي بانه من القلائل الذين يعطون المنصب اضعاف ما ياخذون منه فيخلصون الخدمة، يعدلون ويصلحون ولا يكون جزاؤهم غير جزاء من لايعدل ولا يصلح بل اقل، يبذلون من قواهم ومواهبهم خيرها ويخرجون من دار الحكومة والفقر بشيعهم الى البيت النزاهة ترافقهم وتلزمهم دائما.
وفي رواية لأمين الريحاني انه يشبه عبد المجيد الشاوي بالسياسي الفرنسي كليمن في صورته وذكائه المتاجج وسلوكه المتواضع الشاذ وقد تكون صورة الاسد في وجه الشاوي اظهر من صورة النمر – على حد تعبير الريحاني – إلا انه في صوته لا يزمجر.
وفي اجتماع مع امين الريحاني في احدى حفلات الملك فيصل الاول ان قال للضيف الريحاني : (انت ابن المعري وانا ابن الخيام والاثنان اخوة ليس في الانساب اشرف من هذا النسب:
واذا انتسبت وقلت اني واحد من خلقه فكفى بذاك تنسباً
اراد المعري بقوله من خلق الله ونحن فكرا ومبدءاً من خلقه اي من خلق المعري، فقال احد الحضور ولكن المعري كان متقشفا الى حد النسك، فاجاب عبد المجيد الشاوي على الفور: لزوم ما لايلزم ونحن كذلك ننقشف الى حد الاضطرار.
ومن نكاته الشهيرة عندما ظل وجود المبغى العام قذى في عيون الآخرين من غير الرواد والزبائن. فكان ان طالب الوطنيون والمصلحون بازالة هذه المحلة الموبوءة، غير ان غيرهم ذهب غير هذا المذهب. قالوا انها ضرورية لحصر الفساد في منطقة معينة تراقبها وتسيطر عليها الدولة. اخذ عبد المجيد الشاوي بهذا الرأي. واستمر النقاش في الجرائد. كان مدخل الكلجية يؤدي الى محلة الفضل، وهي منطقة محترمة محافظة. طالب القوم بغلق هذا الباب وتحويل المدخل الى شارع الرشيد، شارع الملاهي والحانات. قدموا عريضة بذلك. ولكن امين العاصمة تجاهلها. توسط في الأمر نوري السعيد، رئيس الوزراء، فتجاهله ايضا.
اخيرا طرح الأمر على الملك فيصل الاول رحمه الله في جلسة عقدت في البلاط الملكي. سأله الملك، يا عبد المجيد بك، لماذا تعارض في نقل باب المبغى من منطقة الفضل الى شارع الرشيد في الميدان؟ اجابه امين العاصمة قائلا: يا سيدي انا امشي حسب القاعدة القانونية، القديم يبقى على قدمه والحادث يقلع. تسلمت امانة العاصمة ووجدت باب المبغى من الاول في مكانه هذا من منطقة الفضل وسأتركه في مكانه. وهنا اعترض عليه الحاضرون من الوزراء. قالوا: من قال لك ان باب المبغى كان من الاول في محلة الفضل؟ اجابهم قائلا: انا اقول لكم ان باب المبغى كان دائما مفتوحا على محلة الفضل، واذا ما تصدقوني، اسألوا امهاتكم في البيت.