رائد فن المقال الأدبي

رائد فن المقال الأدبي

نشأت على حبه قبل أن التقي به ، وأنعم بآثاره الابداعية
د. جليل العطية
ولد علي جواد الطاهر في الحلة ودرس في مدارسها ، ثم تخرج في دار المعلمين العالية [ التربية ] عام 1945 ، بعدها شدّ الرحال إلى القاهرة ليدرس في جامعة فؤاد [ القاهرة ] ( 47 – 1948 ) ثم غادر إلى باريس فحصل على دكتوراه الدولة فيها ( 1953 ) وبعد عودته للعراق مارس التدريس في كليتي التربية والآداب بجامعة بغداد .

واثر كارثة 1963 عمل استاذاً مساعداً في كلية الآداب بجامعة الرياض للفترة من 1963 لغاية 1968 . عاد بعدها للعمل في جامعة بغداد – كلية الآداب ونال رتبة « الأستاذية « ثم عمل أستاذاً زائراً في جامعات الجزائر وقسنطينة وصنعاء وقطر واحيل إلى التقاعد عام 1981 .
ودعته جامعة الكوفة للعمل في كلية التربية للبنات ( مرحلة الدراسات العليا ) ثم انتقل إلى التدريس في الجامعة المستنصرية – كلية التربية عام 1994 واستمر في تأدية دوره التربوي والعلمي ونال التكريم من عدد من الجامعات والمؤسسات العلمية .
ولبى نداء ربه في التاسع من تشرين الأول 1996.
الأب الروحي للنقاد
يعدّ الطاهر رائداً من رواد النقد الأدبي في العراق والوطن العربي كما يعد رائداً لجيل من النقاد العراقيين . يقول الناقد والكاتب ياسين النصير وهو أحد تلامذته [ بحقٍ كان الدكتور علي جواد الطاهر الحلي الأصل والعراقي الهوى والفكر والمتتبع للثقافة وأنشطتها والمتحمس للمثقفين الشباب . . رائداً لجيل من النقاد العراقيين الذين وجدوا في رعايته في السنوات الأخيرة ملاذاً يقودهم إلى بر الأمان من غلٍ ينتظرهم أو ضعف ينيب بهم فكان أستاذاً صديقاً للناقد عبد الجبار عباس ولشجاع العاني ولفاضل ثامر ولحاتم الصكر ولعبد الرضا علي ولعبد الآله أحمد ولياسين النصير ، وكان بعضنا يجتمع معه أسبوعياً في داره في الكرادة التي أصبحت مزاراً لنا وندوة أسبوعية منفتحة على الثقافة كلما كانت هناك رغبة حقيقية في نهضة ثقافية ] .
يقول الطاهر [ لقد قرأت وكتبت . . وبقي أن اقرأ أكثر . . وأكتب أكثر . . وأصل الحاصل إلى المقدمة .. ليصل إلى القارئ والدارس ، ولنعتدل في مواجهة القادم من الغرب ونقف على أقدام ثابتة لا يضيع فيها وجودنا .. ]
يقول الشاعر والمترجم صلاح نيازي [ يمكن لنا أن نضع أيدينا على سرّين من أسرار عبقرية الطاهر أولهما تدريس الانشاء والثاني المقالات المجودة التي ظهرت بكتابين هما ( مقالات ) و ( ووراء الأفق الأدبي ) ثم أساتذتي ومقالات أخرى .
المقالة :
ويقول د. فاضل عبود التميمي في كتابه ( جماليات المقالة عند د. علي جواد الطاهر [ في بناء المقالة يعتمد الطاهر على هندسة معينة في تشكيل مقالاته وابرازها للوجود فهو يقدم الشكل على المضمون ، لأن اعتزازه بالشكل يفوق اعتزازه بالمضمون والاعتزاز بالشكل يعني عنده العناية الخاصة بالادارة الفنية والسعي الحثيث إلى عنصر الطراوة ، وهذا لا يعني أهمال المضمون فهو في كل الاحوال قرين الشكل ومنبثق منه ] .
كان الطاهر آية في التواضع ، شديد الايمان بالديمقراطية ، وكان أول أستاذ في العراق يعرّف طلبته بالقصة العراقية الحديثة وبنصوص من الأدب الحديث بعد أن كانت دروس الأدب ، في المدارس والجامعات تعتمد في الغالب النصوص القديمة .
يقول الطاهر : [ فليس كل من جلس على كرسي التدريس . . استاذاً ، الاستاذ علم وأدب وسلوك وشخصية وهو وحدة متماسكة لا تتجزأ ولا تتناقض ، واستاذك في المصطلح هو الذي يعلمك العلم . . .
وتقول تلميذته ( د. نادية غازي العزاوي ) : كان الطاهر مؤمناً ايماناً راسخاً بخطورة دور الجامعة في النهوض والتأسيس والبناء والتحديث كما هو ملموس في الدول الكبرى ، فاعتصرته الموازنات المريرة بين وضع الجامعة في فرنسا – مثلاً – ووضع نظيرتها في العراق ، وبخاصة العطب الذي طال مقوماتها الأساسية :
- المناهج .
- الاستاذ والطرائق التعليمية .
- الطالب .
كان ينظر – باكبار إلى الاستاذ شخصاً وأداء .. ]
ودعا الطاهر إلى اصدار قانون للاصلاح العلمي على غرار قانون الاصلاح الزراعي وللأسف فشل الأخير واصلاح العلم لا يزال ينتظر الجهات الرسمية في العراق .
ذكريات :
لم أرزق التلمذة له ، فلقد تتلمذت لأحد تلامذته النابهين . كان أخي خليل معلماً في احدى مدارس الكوت – مسقط رأسينا – ودفعه طموحه للالتحاق بدار المعلمين العالية [ التربية ] وعاد إلينا يوماً ليحدثنا عن عجائب الدار ، فأكد ان نجومها ثلاثة : مصطفى جواد ومحمد مهدي البصير وعلي جواد الطاهر .
- كان يتوقف كثيراً عند الحديث عن « الطاهر « .
- هكذا دخل هذا الرجل قلبي بامتياز . كنت أتابع مجلة « المعلم الحديد « التي كانت تصدرها وزارة المعارف [ التربية ] وكان الطاهر أحد المشرفين على تحريرها ، فأدهش لمقالاته التي كانت تتألف فيها ، اذكر منها : وصيته : أريد أن أكون قصاصاً ووصيته الأخرى للناقد : ألف شرط وشرط وتمضي الأيام فأجد نفسي في بغداد عاصمة الثقافة والابداع . وفي أمسية جميلة في دار أستاذي الدكتور جواد علوش [ 1927 – 1976 م ] التقيت الطاهر . كانت مفاجأة لذيذة أدخرها لي أستاذي لأستاذه وابن مدينته ( حلة بني مزيد ) . سألني عن خليل وابدى أعجابه بتحقيقه ديوان المزرد بن ضرار الغطفاني [ بغداد – 1962 ] . أدهشتني ذاكرته عندما كشف لي أنه كان أجاز نشر مقال لي في المعلم الجديد [ عنوانه مشكلة الانشاء أبداً – نيسان 1960 ] وتوقع لي مستقبلاً مرموقاً في عالم الأدب .
ثم تعددت اللقاءات هنا وهناك وكان يتابع نشاطاتي الأدبية المتواضعة وينصحني بالتركيز والتكثيف . وتمر الأيام ونتباعد لكن بيننا رسائل فقدت اغلبها في تنقلاتي ، وبعد رحيله عمدت إلى طائفة من رسائله التي أنفذها إليّ ما بين 1984 و 1989 فنشرتها في مجلة « عالم المخطوطات والنوادر « التي تصدر في الرياض [ العدد الثاني 97 – 1998 م ] .
- كما نشرت حواراً كنت أجريته معه في مجلة ( الحرس الوطني ) ( 1998 م ) وقد أعاد علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر ( ت 2000 م ) نشره في المجلد الرابع من ( معجم المطبوعات السعودية ) الذي ألّفه « الطاهر « ونشر في الرياض .
كان « الطاهر « نمطاً فذاً من الرجال . زهد في الحياة وأخلص للعلم ، وتظهر مقالاته ونتاجاته التي نشرها في الصحف والمجلات والدوريات دقة متابعته للكتب المنشورة في مختلف الموضوعات ، كما تظهر تميّزه بأسلوب شائق أخاذ يقوم على الايجاز غير المخل ، وتبرهن على ثراء معلوماته الموسوعية وحصيلته العلمية .
ومن حسن التوفيق أنه جمع معظم ما نشره في الصحافة والمجلات في كتب تأنق في اختيار عناوين جميلة لها ، لكنه لم يوفق في نشر هذه الكتب كلها في حياته ، فصدر عدد منها بعد رحيله ولا بأس أن نشير هنا أن عدد آثاره يبلغ نحو خمسين كتاباً ومطبوعاً .
ولم تقتصر متابعات « الطاهر « على ما يصدر من الكتب في العراق والوطن العربي ، بل كان يتابع الكتاب الفرنسي .
وكنت أزوده بفهارس « كتلوكات « عدد من دور النشر الفرنسية فيتابع الجديد ويطلب مني أن أتحفه ببعض هذه الكتب بأسلوب يثير خجلي لتواضعه الجم ، ولكي أداري هذا الخجل ، كنت أطلب منه بعض المطبوعات التراثية العراقية ، فيسارع للاستجابة لطلباتي بهمة ونشاط .
- ومن يطلع على رسائله الشخصية يلاحظ خلّوها من اللقب العلمي وهو يكتب رسائله على أوراق بيض لا تحمل اسمه مطبوعاً ، كما أنه يحرص على تثبيت رقم هاتفه وعنوانه الشخصي في كل رسائله .
- ألم أقل إن ( علي جواد الطاهر ) آية في التواضع ؟

عن كتاب " عراقيون في القلب"
سيصدر قريبا عن دار المدى