زيارة لقبر الاب انستاس ماري الكرملي وبقايا مجلسه

زيارة لقبر الاب انستاس ماري الكرملي وبقايا مجلسه

اكرم الشيخ مقلد
ثمة معالم من الرجال يكونون مدعاة فخر لاممهم وشعوبهم كونهم تركوا بصمات خالدة في ديوان العبقرية والتميز في مجال مدني اوحضاري والاب (انستاس ماري الكرملي)واحدمن هذا العالم التي هي محل اعتزاز العراق. انه اليوم يرقد رقدته الابدية في كنيسة اللاتين والتي تحتل من بغداد قلبها فهي تقع في"شورجة بغداد" من جهةالشارع الجمهورية مقابل جامع الخلفاء او مااصطلح عليه اسم "منارة سوق الغزل "او المسجد الجامع... وهذا المسجد سكن في جانب من جوانبه ابن بغداد "الشيخ جلال الحنفي" رحمة الله .

هذه الكنيسة تنتصب شامخة وهي تضم رفات راهب اللغة العربية. الاب انستاس ماري الكرملي" الذي وصف بأنه الحارس الصلب للغة العربية. لغة القران ولغة اهل الجنة..

نقش على شاهد قبره بيتان من الشعر لتلميذه "الشيخ مهدي مقلد" وهما من قصيدة طويلةارنجلها الشيخ الشاعر عند مواراة الاب التراب يوم الثلاثاء الموافق7/1/1947... جاء فيهما
لطمت صدرها عليك لغات
في بوادي الاعراب يوم مماتك
وعروس اللغات قد شقت الجيب
وقامت تنوح فوق رفاتك
اشتهرت هذه الكنيسة بمجلسها الادبي في الاربعينات القرن الماضي والمعروف بمجلس يوم الجمعة .. والذي لم يتبق منه اليوم سوى بناء متهالك وذلك ماشاهدته بنفسي في زيارتي للكنيسة بمعية أستاذ التاريخ الأخ جمالي الحيالي .. وماحدثني به الراهب الشاب ميعاد لا يدعو للرثاء فقط . بل للبكاء كذلك وقد عملت به يد السلب والنهب بعد 2003وما عملت .. ولد الكرملي في بغداد العام 1870 من اب لبناني وام عراقية وهو كما اكد عدد من الباحثين انه من اسرة ال عواد المعروفين في جبال لبنان ويعودون بأصولهم الى بني مراد الذي سكنوا اليمن ولتدليل على ذلك يقول المؤرخ الباحثة (رفعة عبد الرزاق) أن المرحوم مهدي مقلد ذكر في مقالة له في جريدة الأيام لصاحبها "المرحوم عبد القادر البراك". العام 1962 ان الكرملي ذكر مرات عديدة انه ينتسب الى قبائل المردة في اليمن الذين ارتدوا عن الإسلام وانتشروا في جبال لبنان .. فاطلق العرب عليهم اسم "المردة " كذلك يؤكد انتمائه العربي الدكتور مصطفى جواد بانه من ارومة عربية .. والمؤرخ " كوركيس عواد" يرجع نسبة لال عواد.
تشغل اللغات التي اتقنها حيزا واسعاً من ثقافته يقول "جورج جبوري" مؤلف كتاب الكرملي الخالد" اتقن الاب انستاس الكثير من اللغات : منها اللاتينية واليونانية و الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والألمانية والكلدانية والسريانية والعبرية .والحبشية. توج ذلك كلة بتفرده بلغته العربية فكان مستودع لغات شكلت له خزينا يغرف منه المفردات والتراكيب للمقارنة بين لغات العالم.
واوجه الاختلاف والتقارب بينهما ، فهو بهذا يؤكد على ان اللغات هي جسر ثقافة بين الشعوب. لقد قضى السنوات الطوال باحثا منقبا في اللغات والثقافات. نراه في العام 1886 مستوطنا " بلجيكا " في دير الاباء الكرمليين. . كذلك قضى ست سنوات في دير الكرمليين في فرنسا .. دارسا باحثا في مجال الفلسفة واللاهوت واصول اللغات . واب بعدها لوطنه العراق العام1884. وقد انتخب في مجمع المشرقيات الألماني عام 1911 ، والمجمع العلمي في دمشق 1920 . واخير في مجمع فؤاد الأول .. كرمته الحكومتان الفرنسية والبريطانية باوسمة الاستحقاق.
تميزت بغداد بمجالسها الادبية ولكن مجلس يوم الجمعة للاب انستاس كان في طليعة هذه المجالس. تميز بحضور الصفوة في مجالات الادب واللغة والاجتماع والفلسفة يبتدي المجلس من الساعة الثامنة صباحا الى الساعة الثانية عشر ظهرا. ومن رواد هذا المجلس. مصطفى جواد..كوركيسعواد..منشي زعرور. انور شاؤول. الشيخ مهدي مقلد. احمد حامد الصراف. على الخطيب . عباس العزاوي المؤرخ. المقدم كمال عثمان.
وعن هذا المجلس في مقال في جريدة العراق لصاحبها "رزق غنام في عددها المرقم 6043 والمؤرخ في 27/3/1942 يقول فيه كاتبها (في بغداد المستنصرية، اليوم نفر من نظراء لغة القران يذودون عنها وينافحون في سبيل فصاحتها فتراهم في نقاشهم وجدلهم وكأنهم في حلقة من حلقات فقه اللغة في عصر المأمون، نجد هذه الزمرة المباركة تغشىمجلس العلاقة الكرملي صباح كل يوم جمعة في العدد6043 المؤرخ في 27/3/42 في مقالة كذلك للشيخ مهدي مقلد وهو منتلامذة ومريدي الاب يتحدث قائلا.. ينعقد مجلس الاب صباح كل جمعة ويؤمه صفوة من رجال البلد. تدور فيه كل البحوث.. الا السياسة والدين ان الاب غريب في حرصه على الوقت وغريب في صبره على المطالعة وغريب في حياته وتبتله الرهيب كما هو غريب في سموه ولمجلسه صفه لها جمل رونق اذ تجد فيه المسلم والمسيحي واليهودي على سرر متقابلين تجمعهم اخوة الوطن والادب يوم وفاته في السابع من كانون الثاني عام 1947 كانت الطليعة المثقفة من رجالات العراق على موعد لوداع راهب اللغة وعلامة بغداد الاب انستاسالكرملى .. يقول العلاقة مصطفى جواد يوم وري الاب التراب " لقد فارقتنا الفراق الاكبر و ودعنا الوداع الاخير اسفين عليك فاقدين بموتك صديقا واخا صادق الود كريم الخلق ورجلا وهب نفسة للغة العربية فكان بارا بها وبالقرب من مثواه حيث دفن وقف الشيخ مهد مقلد ليؤبن استاذه بهذه القصيدة.
لهف نفسي على حمى بيناتك
اين لااين بنت عن مفرداتك
ولمن قد تركت غر المعاني
ولسان الابداع من اياتك
ولمن قد تركت فنا طريفا
لغويا يبكي اسى لوفاتك
انا شاهدت من وراء المعاني
لمحات الخلود في كلماتك
لطمت صدرها عليك لغات
في بوادي الاعراب يوم مماتك
وعروس اللغات شقت الجيب
وقامت تنوع فوق رفاتك
انا ابكي بك البيان وراثي
بك يا جهبذا جليل صفاتك
اين ذاك اللفظ الجميل واين
اللطف ولي ياحبر من نبراتك
اين ذاك النقد الجرئ توارى
عن عيون الكتاب من نقداتك
يذبل العمر مثلما يذبل الروض
ويمحى يادهر في لفتاتك
انا اخشاك يازمنواخشى
خطرات مرت على نظراتك
لا اعزي فردا بقدك الا
لغة الناطقين في مفرداتك

واخيرا نم ايها الشيخ الجليل " الاب انستاس ماري الكرملي" في رقدتك الابدية. ويكفيك فخرا ان سطوعك الادبي لم يزل باقيا وسيظل كذلك ما بقى الفراتان.