لنتذكر اول جمعية فنية في تاريخ العراق الحديث..جمعية أصدقاء الفن سنة 1941

لنتذكر اول جمعية فنية في تاريخ العراق الحديث..جمعية أصدقاء الفن سنة 1941

د. أياد يونس عريبي
بعد ان عاد اكرم شكري من لندن عام 1931قد تشبع بفكرة العمل لتكوين جماعة فنية، اسوة بالفنانين الاوربيين الذين اهتموا منذ مطلع القرن العشرين بذلك وربما كانت الحياة للرسامين البولنديين الذين تأثر بهم اثناء تواجدهم في العراق مدة الحرب العالمية الثانية مثالاً واضحاً لهم، وقد التف حول اكرم شكري مجموعة من الشباب المثقفين المعجبين بفنه،

وهكذا مهدت هذه المحاولات الصغيرة لتبلور فكرة جمعية أصدقاء الفن في عام 1941، أي ان هذه الجمعية لم تبزغ دفعة واحدة دونما سابق أنذار بل سبقتها محاولات أولية للتجمع الفني على أنها تجلت بلا شك كرغبة عامة للفنانين العراقيين بضرورة توحيد كلمتهم.
وعقب مناقشات طويلة بين مجموعة الفنانين تبلورت فكرة جمعية أصدقاء الفن أخيراً بشكل جمعية للفنون التشكيلة ومحبي الفنون وهكذا تقدم كل من اكرم شكري وعيسى حنا وكريم مجيد الى وزارة الداخلية بطلب لتأسيس الجمعية بتاريخ 7 كانون الثاني عام 1941، وتمت الموافقة رسميا على ذلك، كما تم اجتماع الهيئة العامة وانتخاب الهيئة الإدارية بموجب المادة الرابعة من نظام الجمعية الأساس يوم الأربعاء الموافق 2 شباط عام1941 في دار اكرم شكري، وقد حصل على عضوية الهيئة الإدارية بعد اجراء الانتخابات كل من عطا صبري وجواد سليم في حين غدا رئيسا للهيئة اكرم شكري وسعاد سليم سكرتيراً وعيسى حنا امينا للصندوق.
تألف النظام الأساس الذي وضع يوم 20 كانون الأول عام 1940 من اثنتي عشر مادةحددت (المادة الثالثة) شروط العضوية ما نصه "ان لا يقل عمره عن عشرين عام وان تكون له علاقة وهواية بهذا الفن وان لا يكون ساقطا من الحقوق المدنية"فضلا عن ذلك فان النظام الداخلي للجمعية كان يجيز اشتراك المرأة في الهيئة العامة والهيئة الإدارية , ومن هنا كان فوز السيدة ناهدة الحيدري عام 1944 بمنصب نائب رئيس الجمعية والست روزماري خياط بأمانة الصندوق العام.
كانت أعمال الفنانين في مدة ظهور جمعية أصدقاء الفن تتنوع ما بين الاحتراف والهواية، كما كانت تحشد باتجاهات اسلوبية مختلفة بعضها ناشئ من التوتر الذاتي والمجتمعي في ان واحد , وبعضها يمثل الاتجاه التقليدي الساذج الذي تركته الأساليب العديدة التي تحاكي الواقع حتى يصعب أحياناً التفكير او التمييز بين الاختلاطات الاسلوبية العديدة , وبين توقعات المستقبل اذا ما اخذنا الجانب الخاص للأعمال الفنية وليس العامل الاجتماعي وحسب , ولعل مرد ذلك يعود الى موقف الفنان في اختياره الموضوعات التشكيلية التي ابتعدت في تعبيرها عن المساهمة الاساسية في الكفاح السياسي ضد التخلف والتأخرأي انه لم تكن هناك علاقات متينة بين ما يطرحه الفنان وبين الظروف المحيطة.
يتضح لنا الدور المهم الذي اطلعت به جمعية أصدقاء الفن في ظروف غير مستقرة هي ظروف الحرب العالمية الثانية، وساهمت في تغيير موقف الفنان العراقي من كونه موقفاً مدرسياً او شبه مدرسي يؤمن فيه , بضرورة الالتزام في مطابقة الواقع المرئي او تخيل محاكات هذه المطابقة عن طريق الاقتباس الى كونه موقفاً جديداً يؤمن بحرية التعبير الفني عن طريق الصيغ الحديثة , وبضرورة الحفاظ على موضوعية الوعي الداخلي للواقع، لقد هشمت في نفسه هذه المدة رسم فيها متحمسا للتعرف على صميم الفكر العالمي عن طريق الاحداث السياسية والحربية معانيا من نتائجها الاقتصادية والاجتماعية، ضرورة التعرف التدريجي على الحقيقة الإنسانيةواطلعته على أهمية المغامرة والتزام الحرية والعمل الدؤوب في اكتشاف هذه الحقيقة، وكان الامر يدفعه لمتابعة بحثه فيما بعد لاكتشاف جانب اخر من هذه الحقيقة وهو اصالتها او بمعنى اخر تجسيد هذه الاصالة عبر تواصله مع التراث والحضارة.
في عام 1943 دشنت جمعية أصدقاء الفن معرضها السنوي الثالث، وكان مع تواجد الفنانين والرسامين البولنديين في العراق، وكانت الاعمال المعروضة تتألف من الرسوم والمنحوتات , وسيطر بعض التبدل على نوعية الفنانين، اذ ستزداد نسبة طلاب معهد الفنون الجميلة كما سينسحب الرسامين القدماء، ويبدو ان "الأسلوب الانطباعي"هو الذي غدا الأسلوب المفضل وقتذاك لدى الفنانين العارضين، ومن هنا فان هذا المعرض يكاد يكون نقطة الانطلاق الجديدة للتعبير عن وجهة النظر الحديثة في التعبير الفني , والتي كانت تمثل التغير الهائل في تفكير الفنان العراقي، فمعظم المواضيع كانت تكرس الصورة الشخصية والمناظر الطبيعية والجماد كما ظهر الاهتمام , بالريف العراقي في أواسط وشمال العراق وبالمواقع الاثرية , كالجسور والمعابد المتهدمة بل ان فائق حسن الذي زامل الرسامين البولنديين عرض احدى لوحاته بعنوان (فتاة بولندية) كما عرض جواد سليم لوحه بعنوان (كافية سويس) وهي المقهى التي كانت تجمعهم بزملائهم الفنانين.
أنجزت الجمعية في عام 1945 نشاطاً تربوياً وانسانياً وهو الحفلة التمثيلية والمهرجان الخاص بالأطفال، وقد كرست لهما قاعة الملك فيصل الثاني، وبرعاية الوصي على عرش العراق.
إقامت جمعية أصدقاء الفن معرضها على قاعة متحف الأزياء العراقية في عام 1946، وقد أقيم هذا العرض برعاية الوصي على عرش العراق الأمير عبد الاله، مما يدل على رسوخ قدم الجمعية في نشاطها، اذ ان الجمعية نجحت في اعمالها في نشر الذوق الفني الى حد لابأس به، على انها لقيت في ذلك كثيرا من المصاعب، وقد قامت عندها كثير من المشاكل أولها واهمها كما لا يخفى على أحد مشكلة المال. أسس هذا المعرض لبروز فئة من الجمهور المثقف المعجبين بالفن التشكيلي، وفي أوقات سابقة كانت تقتصر على الأجانب من القناصل والسفراء وبعض الذين درسوا في المعاهد الاوربية او في استانبول، وقد واضبت هذه الفئة الجديدة على جمع الاعمال الفنية وتكوين المجموعات الشخصية , واخذ المتحف العراقي نفسه بشراء الاعمال الفنية ، وهذا ما منح الفنان العراقي ثقة عظيمة بنفسه وبفنه مما دفعه لمواصلة اتقان أدائه وتقنيته.
ومن انشطة الجمعية التي اقيمت خارج بغداد أقيم في الأسبوع الأول من شهر شباط من عام 1947 معرضاً على قاعة ثانوية الديوانية في مدينة الديوانية، ويعزى ذلك بالطبع الى اهتمام الجمعية بنشر ثقافتها الحديثة وتحقيق اعلامها الخاص للجمهور العراقي أينما وجد، وكان هذا المعرض بتشجيع من مدير معارف لواء الديوانية الذي كان من الفنانين الهواة ومن المربين المهتمين بالثقافة الفنية في وزارة التربية , وقد رافق المعرض الفنان عيسى حنا، وفي العام نفسه اشتركت الجمعية ب 116 لوحة فنية أرسلت الى مصر لتعرض في الجناح العراقي بمعرض القاهرة، وهو المعرض الدوري للفنون الجميلة المعاصر.
ومن المعارض التقديرية التي اقامتها جمعية اصدقاء الفن , معرض عبد القادر الرسام الذي جاء تثمينا لعضويته في الجمعية في بداية تأسيسها, وقد دشن هذا المعرض في اواخر الاربعينات وبيعت خمسة عشر لوحة منها الى الملك فيصل الثاني.

عن رسالة (الجمعيات الاجتماعية والدينية والفنية..)