كامل الجادرجي أول رئيس لجمعية (نقابة) الصحفيين سنة 1944

كامل الجادرجي أول رئيس لجمعية (نقابة) الصحفيين سنة 1944

سعاد محمد التميمي
لم تكن فكرة تأسيس نقابة للصحفيين امرا جديدا، فقد وجه مجلس الوزراء كتابا إلى وزارة الداخلية في 10/آب/1932م، حول تأليف نقابة للصحفيين، الا ان الموضوع ترك ولم يتم العودة اليه على الرغم من متابعة الديوان الملكي له. وفي 6/كانون الاول/1932 وجه رئيس الديوان الملكي إلى سكرتير مجلس الوزراء كتابا حول إعلامه بما تم من إجراءات بشأن كتاب مجلس الوزراء الموجه إلى وزارة الداخلية حول تأليف نقابة للصحافة .

سعى كامل الجادرجي لتكوين جمعية الصحفيين اذ لم يقف النشاط الصحفي للجادرجي عندما تنشره جريدة الأهالي من الاهتمام بالتوعية السياسية والاجتماعية لابناء الشعب، بل سعى جاهدا لجمع شمل الصحفيين بجمعية من شأنها ان تكون منهم سدا منيعا ضد استبداد الحكم وطغيانهم ولفتح باب الحوار فيما بينهم للتداول في أمور مهنتهم المقدسة. نظر الجادرجي إلى مسألة تجمع الصحفيين من الزاوية العريضة لمبدأ حرية الصحافة وهكذا عقد العزم منذ الأربعينيات لتكوين جمعية الصحفيين التي تولى رئاستها منذ تكوينها وظل فيها حتى عام 1951م.

تم اجتماع اصحاب الصحف في العاصمة بغداد بشأن النقابة والرقابة اذ اجتمع في ادارة جريدة صوت الأهالي كل من السادة رزوق غنام ومحمد مهدي الجواهري ويحيى قاسم ونور الدين داود وصدر الدين شرف الدين ورفائيل بطي والجادرجي في 12/كانون الاول/1944م وقرروا ما يلي:
أولا : الشروع بتأليف نقابة للصحفيين في بغداد وحمل الحكومة على إصدار النظام المتعلق بتأليف النقابة.
ثانيا : الاحتجاج على الحكومة على تجاوز سلطة الرقابة على الصحف حدود سلطتها القانونية وتقرر رفع مذكرة تفصيلية مع الاحتجاج بمدى هذا التجاوز.
ثالثا : تقرر ان يعقد الاجتماع الثاني للصحافيين في 17/كانون الأول/1944م في ادارة جريدة العراق .
نشرت جريدة صوت الأهالي مقالا تحت عنوان "احتجاج اصحاب الصحف" على اثر انعقاد الصحف اجتماعا لهم يوم 17/كانون الاول/1944م، جاء فيه : "ان الصحف التي عانت من الرقابة ما عانته من التصرفات الكيفية منذ مدة طويلة والتي لم ترفع صوتها الا على انفراد بالاحتجاج والاستياء، نجد الآن الحالة التي بلغت حداً لا تستطيع معه السكوت لاسيما بعد ان وجدت ان المساعي الانفرادية لم تثمر الثمرة المطلوبة لارجاع الرقابة إلى حدودها القانونية وإلى الحدود المعقولة التي تتناسب ومكانة الصحافة في النظام الديمقراطي". لذلك دعتها هذه الحال إلى الاحتجاج لرفع صوتها، وهي مغتبطة، إلى معاليكم مطالبة بحقوقها الطبيعية، وتتلخص هذه المطاليب:
أولا : الغاء ماله مساس بحرية النشر من هذه المراسيم المشار اليها.
ثانيا : وحتى يتيسر وضع التشريع اللازم لذلك، نطلب إصدار تعليمات صريحة بكيفية ممارسة الرقابة عملها ضمن احكام القوانين .
ثالثا: الغاء التعليمات الصادر سنة 1940م بموجب السيطرة على وسائل دفاع المملكة بمنع اصحاب الصحف من ابقاء بياض في محل ما تمنع الرقابة نشره.
واضاف ملاحظة : أنّ الرقابة حذفت اربعة اسطر من الاحتجاج .
نشرت مجلة الوطن كلمة حول جمعية الصحفيين، خلاصتها ان وقف حق الانتماء إلى هذه الجمعية على اصحاب الصحف السياسية وحده ليس له مبرر، وان الصحف سواء كانت سياسية او أدبية أو فنية وسائل ديمقراطية، وان التفريق بين هذه الصحف عمل رجعي مناقض للديمقراطية.
جاء إيضاح رئيس جمعية الصحفيين حول هذا الموضوع:
عندما شعر الصحفيون بالحاجة الماسة إلى إيجاد رابطة تجمع بينهم كانت النية متجهة إلى تأليف نقابة لهم على غرار نقابة المحامين وغيرها، لكنهم وجدوا في أول اجتماع عقدوه لهذا الغرض ان هنالك مانعا قانونيا يحول دون تأليف النقابة، وبما أنهم كانوا يعتقدون بأن وضع مثل هذا التشريع يستغرق وقتا طويلا فقد وجدوا حلا مؤقتا لتأليف جمعية على ان يسعوا لقلبها إلى نقابة و أضاف إلى ان غاية الجمعية في هذا الصدد كما جاء في نظامها الأساس هي :
توحيد جهود الصحفيين لتأسيس نقابة لهم ورفع مستوى الصحافة وتحسين كفاءة المحررين والمخبرين وكل ما يساعد على تقدم الصحافة بصفة عامة من النواحي الأدبية والمادية، وهنا "أود ان أذكركم بان الجمعية لابد لها ان تضم عناصر من مختلف المبادئ فهي إذن ليست حزبا سياسيا ذا مبدأ معين يمكن ان ينطبق عليه نقاشكم".
أرسل الجادرجي بصفته رئيس جمعية الصحفيين كتابا إلى وزير الداخلية بشأن تعطيل جريدة الرأي العام في 4/آب/1945م جاء فيه : "ان جمعية الصحفيين تلقت باستغراب قرار معاليكم بتعطيل جريدة الرأي العام إلى اجل غير مسمى اعتبارا من 1/آب/1945م حسب منطوق مرسوم صيانة الأمن العام وسلامة الدولة رقم 56 لسنة 1940م، ولما كان من جملة أهداف جمعيتنا بذل كل مجهود لتدعيم النظام الديمقراطي وتطبيقه بانسجام في العراق...".
وقد رفعت الجمعية مذكرة إلى رئيس الوزراء آنذاك حول حرية الصحافة ذكرت فيه "ان اسرة الصحافة العراقية، على اختلاف مبادئ أفرادها ونزعاتهم ، ترى ان كل عمل إجرائي ضد الصحافة من دون ان يستند إلى دلائل مادية قاطعة تقع حصرا تحت طائفة القوانين العقابية يعتبر من التصرفات الكيفية التي لا يقرها الدستور العراقي، ويخلق بيئة سيئة لا تعرقل نمو حرية الصحافة في العراق فحسب، وانما تؤخر الصحافة العراقية الناشئة ... وبذلك تحرم الدولة من ركن أساسي من أركان الديمقراطية".
أما عن نشاطه في عام 1947م، فقد تعرض الجادرجي في هذه السنة إلى المحاكمة في 1/تموز/1947م وذلك بسبب نشره مقالات عديدة ومنها "بعث الفاشية في العراق" وإصداره كراساً بها إذ جمعت هذه المقالات على شكل كراس وتم بيعها في الأسواق، إلا ان الحكم صدر فيما بعد ببراءته من التهم و الإفراج عن الجريدة ولكنه قبل ان يتعرض إلى المحاكمة كان قد نشر موضوعات عدة تتعلق بقانون المطبوعات مثلا "الاتجاه في تعديل قانون المطبوعات"، و "قانون المطبوعات قذى في عيون الدستور" ، و "كيف يجب ان يكون قانون المطبوعات".
فيما سجل عام 1948م، تجميد الحزب، ولم يستأنفه حتى مطلع عام 1950م، ولكنه اعتمد على صحافة الحزب و نشراته في تأجيج النضال الوطني ضد السلطة الحاكمة. إذ شهدت بغداد في 20/كانون الثاني/1948م تظاهرات كبيرة، طالبت بإلغاء معاهدة بورتسموث وقد استخدمت الحكومة القوة والعنف من اجل تفريق التظاهرة، وفي يوم 21/كانون الثاني/1948م اصدر الجادرجي بيانا شديد اللهجة وجهه إلى رئيس الوزراء وزير الداخلية وكالة "صالح جبر" وبعث بصورة منه إلى رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب و الأعيان ورئيس الديوان الملكي، استنكر فيه موقف الحكومة من التظاهرة، واختتم بيانه بمطالبة الحكومة بتجنب كل عمل استفزازي من شأنه تعقيد الموقف، وفي يوم 27/كانون الثاني، بلغت التظاهرات أوجها وذلك لوصول صالح جبر وزير الداخلية وكالة إلى بغداد في يوم 26/كانون الثاني، ومن اجل ذلك أُرغم صالح جبر على تقديم استقالته في 28/كانون الثاني/1948.

عن رسالة ((كامل الجادرجي وإسهاماته الصحفية)