عندما أصبح حسين جميل مديرا للدعاية والنشر سنة 1936 كيف عين .. وكيف استقال ؟

عندما أصبح حسين جميل مديرا للدعاية والنشر سنة 1936 كيف عين .. وكيف استقال ؟

د. بشرى سكر الساعدي
ذكر حسين جميل أنّ جماعة الاهالي تصورت أنّها تستطيع تنفيذ منهاجها عن طريق اشتراكها في الحكم، وهو منهج يتناول كلّ ما يمكن أن تستهدفه حركة سياسية بالنسبة لنظام الحكم، فقد تصوَّروا أنّهم كهيأة أقرب إلى الحزب، ولهم أنصارهم وأعوانهم في أوساط الشعب والمثقفين والمتعلمين والطلاب، وباستطاعتهم ضبط الأوضاع إذا تولوا الحكم، ولاسَّيما أنّ يتولوا بعض الوزارات المهمة، مثل وزارة المعارف التي تولاّها أقرب الاشخاص إليهم،

وهو يوسف عز الدين ابراهيم، ولم يشعروا بخطر من ناحية بكر صدقي، فهو فرد ليس له حزب، وقد طمأنهم إلى أنّه لا يعنيه سوى العمل في الجيش وتقويته، وأنّه سيقوم بذلك عن طريق توليه رئاسة أركان الجيش،

وبذلك كان تفكيرهم منصبّاً على تنفيذ منهجهم السياسي بالتعاون مع جميع العناصر الوطنية والتقدمية، وإقامة جبهة وطنية تتفق مع مبادئهم، لاسيَّما أنّ أعضاء من الجماعة تولَّوا مناصب مهمة في الحكومة، فقد تولَّى حسين جميل منصب مدير الدعاية والنشر في وزارة الداخلية، اذ استدُعي من مقر عمله في عانة بناء على اقتراح من كامل الجادرجي. وعندما وصل بغداد عرض عليه كامل الجادرجي منصب مدير الدعاية والنشر، فوافق وقبل المنصب، ولاسيَّما عندما علم أنّ هناك موظفين ذوي كفاية من رجال الاعلام يومذاك سيقومون بمساعدته، فقد تولَّى حسين الرحال ملاحظية المطبوعات الاجنبية، كما تولى ابراهيم حلمي العمر ملاحظية المطبوعات العربية. وهذا الامر سَّهل عليه العمل كثيراً، وكانت الدائرة التي يشغل بها حسين جميل المنصب تقع في بناية وزارة الداخلية المجاورة للقشلة، وابتدأ العمل في منصبه يوم الرابع من تشرين الثاني عام 1936. وعدّ حسين جميل أول من شغل هذا المنصب، لأنّ المنصب كان قد شغل منذ تشكيله حتى مجيء حسين جميل بطريقه الوكالة من قبل ابراهيم حلمي العمر، الذي رجع إلى وظيفته الأصلية بعد تولّي حسين جميل هذا المنصب. وعلى الرَّغم من قصر المدة التي شغل فيها حسين جميل هذا المنصب، إلاّ أنّه قام ببعض الاعمال المهمة والضرورية، وأول تلك الاعمال هو اعادة الصحف المعطلة، إذ نظمت مديرية الدعاية والنشر قائمة بأسماء تلك الصحف والمجلات، ورفعتها إلى حكمت سليمان رئيس الوزراء ووزير الداخلية بالوكالة لغرض إصدار أمر بالعفو، وقدّمت المديرية المذكورة طلب رجاء إلى رئيس الوزراء من أجل أن يعمّم منشوراً على كافة الوزارات يدعوها لتسهيل مهمة مندوبي الصحف ومساعدتهم علىاستقصاء الأخبار والمعلومات من منابعها الأصلية، لإيصالها إلى الرأي العام بأسرع ما يمكن، وبالصورة الصحيحة، لأنّ مهمتهم غدت شاقة وصعبة، لعدم تعاون تلك الوزارات معهم، وعدم وتزويدهم بالاخبار لنشرها في صحفهم. فأصدر مجلس الوزراء قراراً بالافراج عن جميع الصحف المعطلة، وذلك في 12 تشرين الثاني عام 1936.
ومن الأعمال الاخرى التي قام بها حسين جميل، من خلال منصبه مديراً للدعاية والنشر، هو الاهتمام بالاذاعة العراقية، وإعادة البث اللاسلكي إلى محطة بغداد، اذ هُيِّئت جميع الترتيبات اللازمة،التي من شأنها إتمام العمل في مدّة قياسية، وأعلن أنّ الاذاعة ستباشر البث في الأول من شهر شباط عام 1937، على مرحلتين، وفعلاً تمّ استئناف البث في المرحلة الأولى، من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة العاشرة ليلاً، ولأجل تنظيم العمـل في تلك الاذاعة تألفت لجنة خاصة قوامها وزير المعارف ووزير الخارجية ومدير البرق والبريد العام ومديـر الدعاية والنشر وغيرهم من الاشخاص الفنيين، لوضع الخطة والمنهج اللذين بموجبهما تعمل الاذاعة المذكورة، وعندما اجتمعت اللجنة تداول أَعضاؤها في جميع ما يخصّ هذه المهمة، وتمّ انتداب فؤاد جميل، الذي نقل من ملاك التدريس، لهذهِ الغاية لتنظيم المناهج، وكلّهم أمل بأن تقوم الحكومة باتخاذ كلّ التدابير الفعّالة لجعلها تظهر بصورة فنية، تقوم بتهذيب الشعب وتثـقيفه بما تبثّه من الأحاديث الاجتماعية والعلمية والصحية، وقد عزم وزير المعارف على توجيه كتاب إلى سائر الأدباء والعلماء العراقيين يحثهم على إرسال نتاجاتهم كـلّ حسب اختصاصه، علما أنّه تم تأليف لجنة خاصة لفحص كلّ ما يرد اليها من الخطب والاحاديث، واختيار المناسب منها، كما تقوم بوضع منهاج شهري كامل يذاع على الجمهور بواسطة الصحف و المتصرفين.
وعندما اشتدت الانتقادات والطعون في العديد من الصحف العربية أمثال الاهرام والبلاغ والشباب والمقطم وغيرها، وفي الصحف العراقية أمثال صحيفة البلاد والهداية وغيرها، لوزارة الانقلاب، ولاسيّما بعدما ساءت أوضاع الحكم، لتدخل بكر صدقي في الشؤون السياسية من جهة، وقيامه باحتضان خصوم جماعة الأهالي، وتصريحاته في الصحف بصيغة لا تتلائم وتلك الاهداف التي سعت الجماعة إلى تحقيقها و ترجمتها إلى واقع عملي مؤثر في العراق من جهة اخرى، وبعد قيام بعض الصحفيين في السير في ركاب بكر صدقي، وإطلاق التصريحات غير المسؤولة، التي عجزت مديرية الدعاية والنشر من الحدّ منها وإيقافها، وجد حسين جميل أنّ دوره في توجيه مسار الدعاية والنشر قد بدأ يتضاءل، لذا قدم استقالته بعد أن شغل هذه المديرية زهاء ستة أشهر.
توسط حسين جميل لدى حكمت سليمان رئيس الوزراء ووزير الداخلية وكالة ورجاه الموافقة على إعادته إلى العمل القضائي، بعد أن قام صالح جبر وزير العدلية من جانبه بإقناع حكمت سليمان برغبة حسين جميل هذه. فصدرت إرادة ملكية بتعيينه في القضاء حاكماً في محكمة بداءة بغداد، وباشر عمله في القضـاء مرة ثانية في 22 آيار عام 1937. وعبّرت جريدة الانباء عن أسفها الشديد لتخلّي حسين جميل عن منصبه، وذكرت أنّه شغل هذا المنصب خلال هذه الأشهر بكل نبل وشرف واستقامة، وطالبت الحكومة بعدم عودة الادوار السالفة، وعدم إسناد هذا المنصب بالوكالة إلى الأشخاص السابقين الذين لعبوا أدواراً مختلفة في عهد الوزارات السابقة، بل يجب أن يختاروا الشخص المناسب لهذا المنصب، ورشحت له طالب مشتاق، باعتباره الشخص الجدير بأن يرتقي بهذا المنصب بعد حسين جميـل، وأن يجعلوا منه أداة نفع صالحة للبلاد في الداخل و الخارج. ووصف عمر أبو النصر حسين جميل آنذاك بقوله: "صحبته شهراً واحداً، فما وجدت فيه خلّة يتذمّم منها خلق كريم او يتحايـل لها عذر جميل، أو تغضب لها وطنية، أو تضطرب لها حزبية، معتدل في رأيه، صادق في قوله، يقوم بواجبه في مديرية الدعاية والنشر كأحسن ما يكون وأفضل ما يكون، ثم هو إلى ذلك خير شخصية لتكون صلة الوصل بين العراق والأدباء والصحفيين من أبناء الأمة العربية، فما أَعرف صحفياً انكر من حسين جميل امراً أو تكلَّف عنه نقداً، لقد كان يرعاهم ويساعدهم في المعلومات التي يريدونها ما استطاع وكان إلى ذلك سبيل".

عن رسالة ( حسين جميل ودوره السياسي والفكري)