في ذكرى عزله في 17 آذار 1911  الوالي ناظم باشا .. هكذا نصب وهكذا عزل

في ذكرى عزله في 17 آذار 1911 الوالي ناظم باشا .. هكذا نصب وهكذا عزل

اعداد : ايمن سعيد البياتي
ذكر الكاتب ابراهيم صالح شكر في وصف حالة العراق في عهد الوالي شوكت باشا : (( والفوضى سائدة في العراق وحبل الامن العامة مضطرب في جوانبه فقبائل الهماوند تعبث في أطراف كركوك وجهات السليمانية وقبائل المنتفك رافعة لواء العصيان مسخفة بالكم وعشائر الديوانية تجاهر الحكومة بالاستخفاف وتمنع عنها الرسوم الاميرية عشائر بني لام من الكوت الى العمارة

تقطع على البواخر ووسائط النقل النهرية المرور بين البصرة وبغداد وسعدون باشا السعدون متنمر في البادية وغاراته المجتاحة هنا وهناك تقلق الحكومة وتؤلم رجالاتها ولكنهم لا يستطيعون صدها أو التقليل من حوادثها ثم ان الامن في بغداد نفسها كان كثير الاضطراب واضح الخلل ففي كل ليلة كان اللصوص يصطدمون بالدرك والشرطة والنواطير فيهب كل الناس من مضاجع النوم على اصداء البارود وأزيز الرصاص وتجاوب الحراس وخفراء الليل باصوات الاستغاثة وصراخ المعونة وطلب النجدة )) .قررت الحكومة العثمانية ان تفعل شيئاً لعلاج حالة العراق المسعصية فعينت له رجلاً حازماً من طراز خاص هو الفريق حسين ناظم باشا وجمعت له قيادة الجيش كما ضمت اليه ولايتي البصرة والموصل علاوة على ولاية بغداد ومنحته سلطة لم تكن للولاة قبله وأذنت له بصرف أربعين ألف ليرة زيادة سنوية ليتلافي بها ما يحتاجه اصلاح البلاد من نفقات اضافية . وفي 16 تشرين الثاني 1909 وردت من اسطنبول برقية الى الوالي شوكت باشا تعلمه بأمر نقله من بغداد على ان يبقى قائماً بأعمال الولاية وكالة حتى مجيء الوالي الجديد وبعد يومين نشرت جريدة الرقيب البغدادية برقية وردتها من مبعوث كربلاء الحاج عبد المهدي الحافظ تبشر الناس بنبأ تعيين ناظم باشا وأخت الاشاعات تروج في بغداد حوا هذا الوالي وعن عزمه وحزمه والاعمال العظيمة التس سقوم بها في العراق والمظنون ان بعض الموظفين الاتراك هم الذين بثوا تلك الاشاعات بين الناس للتمهيد لقدوم ناظم باشا وخلق الاسطورة حوله .
وجهت الدولة العثمانية ولاية بغداد الى الفريق حسين ناظم باشا على اثر عزل الوالي محمد شوكت باشا في ايار عام ١٩١٠. وبعد وصوله بغداد يوم الخميس ٢٥ ربيع الاخر عام ١٣٢٨ هـ الموافق ٦/5/ 1910حضر ناظم باشا صلاة الجمعة في اليوم التالي في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني.
وبعد انتهاء الصلاة قام بتوديع الوالي السابق الذي توجه قاصدا استانبول مع اركان جيشه وتلي (الفرمان)الخاص بتولية الفريق ناظم باشا الولاية. ومن المهم ان نشير الى امر التعيين ناظم باشا قد تضمن تخصيص مبلغ مقداره اربعين الف ليرة سنويا لاجراء الاصلاحات اللازمة في الولايات الثلاثة بغداد والموصل والبصرة. وتضمن ايضا تكليف الوالي بفتح مكتب مدرسة للجندرمة، واخر للشرطة « كجك ضابطان » وثالث للضباط الصغار ومن اجل ضمان تنفيذ الامر السلطاني احضر الوالي معه ٢٤ ضابطا بينهم حسن رضا بك بن نامق باشا والي بغداد الاسبق و ٣٢ جنديا برتبة رئيس عرفاء وعشرة من الشرطة ليتولوا التعليم والتدريب في مكتبي الضباط والشرطة. كما اصطحب الوالي معه ثمانية من الاطباء العسكريين واربعة مدافع مع الاعتدة اللازمة والف بندقية من « ماوزر » رشاشة وستة مدافع جبلية سريعة .
. جرى استقبال الوالي الجديد لدى وصوله باطلاق المدافع ١٩ طلقة وزينت المدينة ونصبت السرادق حيث تم توزيع الحلوى على الاهالي. وتشيرالمصادر ان بلدية بغداد قدمت لحكومة الولاية تقريرا بمبلغ سبعة الاف قرش للمصادقة على صرف المبلغ المذكور على مراسيم استقبال الوالي. وفي يوم الاحد ٢٨ ربيع الاخر عام ١٣٢٨ ه الموافق 19 / 5/ 1910جرت في ساحة القشلة ببغداد مراسيم قراءة الامر السلطاني (الفرمان) بتعيين الفريق الاول ناظم باشا واليا لولاية بغداد وقائدا للفيلق العثماني السادس. وتولى قراءته السيد رشيد ثم تلا « مسود الفتوى » مراد بك المكتوبي واعقبه الدعاء. وبعد ان عزفت الموسيقى عاد الوالي الى مقر اقامته.
في شهر أيار من عام 1910 وصل إلى بغداد وال جديد هو الفريق حسين ناظم باشا وهو غير الوالي ناظم باشاوالذي سبق أن كان والياً على بغداد قبل سنتين. كان الوالي الجديد لبغداد الفريق ناظم باشا عازما على القيام بأعمال عمرانية وحضارية عديدة للمدينة نلخصها كالآتي:
1. اهتم بنظافة المدينة
2. انشأ صيدلية حديثة تفتح أبوابها ليلا ونهارا.
3. فتح مدرسة كوجك ضابطان - أي صغار الضباط - على النهر في جهة الكرخ.
4. أمر بإعطاء الجنود ماتأخر من مرتباتهم
5. أمر بشق شارع النهر وتغطيته بمادة القير.
6. أمر بجمع الكلاب وإعدامها نظير مكافأة مالية.
7. فتح شارع النهر وهدم جزء من القنصلية البريطانية لغرض عمل الشارع.
وقع الوالي حسين ناظم باشا أثناء فترة ولايته بغرام فتاة أرمنية تدعى سارة خاتون في سنة 1910. وقد عرض عليها الوالي حسين ناظم باشا الزواج فأبت سارة الزاوج منه. وقد تسربت أنباء غرام الوالي إلى أوساط العامة في بغداد. استطاعت سارة خاتون بعدها من الهرب من بغداد متنكرة إلى باريس بعد تعرضها لمضايقات من قبل الوالي وقد ساعد سارة خاتون في هربها القنصل الروسي في البصرة والمقيم البريطاني في مدينة بوشهرالسير بيرسي كوكس . في يوم 17 أذار من سنة 1911 ورد الأمر من إسطنبول بعزل الفريق حسين ناظم باشا عن منصب والي بغداد.. وعند شيوع خبر عزل الوالي نظم أنصار الوالي بأيعاز من بعض الأشراف والذين كانوا من حزب الوالي مظاهرة تأييد للوالي وقيل أن عدد المشاركين فيها بلغ عشرين ألفا استمر التوتر في بغداد حوالي الثلاثة ايام وقد ارسل عددا من الضباط برقيات إلى إسطنبول يهددون فيها بالاستقالة ولكن هذا لم ينفع شيئا، تم تعين أمر اللواء يوسف آكاه باشا واليا على بغداد بالوكالة .وقد عمد الأخير إلى استعمال الشدة في قمع المظاهرات وزج القائمين عليها بالسجون فهدأت الحال في بغداد نتيجة هذه الإجراات القمعية للوالي الجديد. وفي صباح يوم 20 أذار ركب الفريق حسين ناظم باشا باخرة من بواخر لنج متوجها إلى مدينة البصرة ومن هناك ذهب إلى إسطنبول عن طريق بومبي .
اصدر الباب العالي في السابع عشر من آذار عام 1911 أمراً بعزل الوالي ناظم باشا عن ولاية بغداد، فغادرها صباح العشرين من آذار على ظهر باخرة من بواخر لنج متوجهاً إلى البصرة ثم توجه من هناك إلى استانبول، وظل يوسف أغا باشا والياً على بغداد بالوكالة زهاء خمسة أشهر، حتى وصل إليها الوالي الجديد جمال بك، في السادس والعشرين من آب واستقبله كسائر الولاة في الفلوجة معاون الوالي لطفي بك والفريق يوسف أغا باشا وكيل الوالي ووكيل مفتش الفيلق الأول وقائد الفيلق الثالث عشر، والأمراء الأشراف وأطلقت له إحدى وعشرون إطلاقة مدفع كالمعتاد.