ذكريات.. موسيقية القبانجي بين برلين 1928والقاهرة 1932

ذكريات.. موسيقية القبانجي بين برلين 1928والقاهرة 1932

سعدي السعدي
باحث موسيقي

برلين 1928
الحدث الاهم في حياة المبدع الكبير وفريد عصره القبانجي هو سفرته الى برلين للفترة من 20 شباط لغاية 7 مايس 1928.بقي بعيدا عن متناول الباحثين والمهتمين بأرثه الخالد وجاءت معظم كتاباتهم ضربا من التخمين والاستنتاج الخاطئ.

بدأ القبانجي برحلته منطلقا من بغداد صوب برلين لتوثيق مجموعة من المقامات القديمة والمقامات الحديثة التي ابدعتها وصاغتها حنجرته اضافة الى الاغاني الجديده في 20شباط 1928 ولسان حاله يقول :
ومنين اجتني هالقوانه - جوزتني من الكبانه ... الكبانه ( وزن الحبوب بالميزان المحمول على الكتف ) .

ومضى القطار. الدرب طويل والمسافة ابعدمن ان يتصورها المرء عانى فيها القبانجي وفرقته الموسيقية الكثير ( اجهاد غثيان سهر برد مطر ) وثق هذه المواقف والحالات باغانيه
وعلى الاقراص السوداء وبكل صدق ووضوح ،ويأتي صوت القبانجي من بعيد ليقول ( وفراكهم بجاني - جالماطليه بالضلع...) الماطليه : السلاح اوالبندقيه التي تحمل تحت الأبط ...
حجلي الصدك بترامبيل - انت اركبت لو بالريل

لم يدع القبانجي صغيرة ولا كبيرة الا ووثقها بصوته :لا تفتكر راحه السفر- بي شاهدت كل القهر...
وايضا اغنية اللامي : تلفت عيوني من السهر...حتى بلغت مجموع اسطواناته بحدود 70 قرص ضمت العديد من المقامات القديمة وبنصوص جديدة ...والمقامات الحديثه : الكرد والنهاوند والحجاز كار والجمال والقطر واخيرا ابوذية اللامي :
علام الدهر شتتنه وطرنه ... والتي سكب فيها من روحه واحساسه المرهف الكثير من الاداء المبدع والخلاق وحقيقة هذه الابوذية لا تعد مقاما ما لم يؤد المقام بشعر قريض وقسم اخر بالموال/ الزهيري ...
وابوذية اللامي لم تكن هي الاولى بل سبقها بعدة ابوذيات وسجلها في بغداد عام 1925
بمعنى اخران القبانجي كان على علم ودراية بهذا النغم قبل رحلته الى برلين عام 1928 ولم يقف المبدع الكبير القبانجي عند حدود غناء نغم اللامي بالابوذيه فالذي ابدع خمسة مقامات ليس صعبا عليه ان يصوغها مقاما عراقيا شجيا متكاملا بـ (متى يشتفي منك الفؤاد المعذب ...) وسجله لحساب شركة جقماقجي عام 1957 ...

القاهرة 1932
في اول خبرعن المؤتمر ذكرت جريدة العراق الصادرة في 25/1/1932 وتحت عنوان :( مؤتمرللموسيقا العربيه يمثل فيه العراق ) نصه:
ذكرت زميلتنا البلاغ المصريه ،انه سيعقد في شهراذارالقادم مؤتمرللموسيقى العربيه في مدينة القاهره يحضره مندبون يمثلون العراق وسوريا وفلسطين ومراكش والجزائر وتونس واليمن وسيقوم هذا المؤتمر بالابحاث الخاصة بالموسيقى العربيه والاقطار الشرقيه وتحضرة عدة فرق موسيقيه عربيه من البلاد التي ستشترك فيه لتعزف الات موسيقاها .
الى جانب دعوة اكثرمن عشرين شخصية من اقطاب الموسيقا العالميه ومنهم د هنري فارمر من انكلترا و د هاينتز من المانيا والاستاذ بلا بارتوك من المجر والاستاذ رؤوف يكتابك من تركيا و...
قبل سفرالوفد التقى رئيس الوزراء نوري باشا السعيد والذي كان من المحبين جدا والذواقين للمقام العراقي كما في الصوره ...
ولندع كل التفاصيل وما تناولته الصحف في بغداد وقتها من مواقف واقاويل مثيرة للجدل ...
سافرالوفد يوم 10 اذار 1932و الذي ترأسه فريد عصرنا القبانجي وفرقته الموسيقية المكونة جميعها من يهودالعراق . عزوري هارون عود - يوسف زعرور قانون - يوسف بتو سنطور - صالح شميل جوزه - ابراهيم صالح رق - يهودا موشي طبله.
المؤتمر استمرمدة اسبوع للفترة من 28 اذار- 3 نيسان 1932 والذي حضر حفل الافتتاح الملك فؤاد وشارك العراق بنخبة من المقامات والاغاني ونشيد عراقي من تاليف الشاعر خضرالطائي والحان واداء القبانجي مطلعه:
ملك النيل سلام لك ماغنى حمام
وشدا في الروض طير وسرى في الدهرعام ..
فاستحسن الملك فؤاد هذا النشيد ايما استحسان كماصرح بذلك القبانجي عند عودته للعراق ...
وايضا مارش جلالة الملك ( رمزالاخوة بين العراق ومصر) ومقام بهرزي واغنيه نالت اعجاب المشاركين وانتزعت التصفيق من قبل الملك فؤاد وجمهور الحاضرين ...
في حفلة اخرى /الفصل الاول قدم الاسطورة استاذنا الكبيرالقبانجي فيها سمفونية المقامات العراقيه ( الابراهيمي) مع بستة تراثيه / ما دار حسنه بشمر وايضا اغنية جديده من كلمات والحان واداء القبانجي والاخيره لم تسجل على الاقراص ، وفي الفصل الثاني : مقام بنجكاه مع اغنية ايضا من كلمات والحان وغناء القبانجي : خالي العشك بطران ايضا لم توثق مع الأسف .
وما ان انتهى القبانجي من فقراته حتى نهض د محجوب ثابت فألقى جملة بلهجة الحزم كما تقول الصحافة المصريه قائلا ( هكذا يلقى الشعر خذوا عن هذا المطرب يااخواني ...)
بعدها انصرف الاسطورة القبانجي وفرقته المتألقه لتوثيق نخبة من المقامات العراقيه والاغاني فكانت حصة العراق هي الاعلى رصيد من بين جميع الدول المشاركه وقد بلغت 31 قرص بعض المقامات سجلت على 3 اقراص وبعضها 2 واخرى 1منها للقبانجي 24 و7 اقراص للفرقة عزفا منفردا وقامت بالتوثيق شركة جرامفون الانكليزيه تحت اشراف الاستاذ منصور عوض بينما بقية البلدان من 3-4 اقراص .
جوائز المؤتمر: حقيقة لم تكن هناك جوائز كما ثبتها الشاعر عبود الكرخي بجريدته الكرخ الاسبوعيه وانما جائزة ذات مغزى فني وموسيقي ومقامي كون القبانجي هواول استاذ مقام استطاع وبموهبته المتفردة ايصال هذا الفن النبيل الى اسماع المشاركين في المؤتمر وكان موضع احترام وتقديروحظي بالتكريم ...
وهنا لا بد من الاشاره ان الاستاذ القبانجي لم يغن نغم اللامي وانما سجله عزفا وعلى اداة العود عزوري هارون على قرص برقم ج.س 36
المقامات التي وثقها القبانجي بصوته في المؤتمر 9 هي:
رست - ابراهيمي - منصوري - مخالف - بهرزي - بنجكاه - حسيني - مدمي - شرقي دوكاه .
ماذا قال المشاركون عن القبانجي؟:
المجري بيلا بارتوك :
( لم يقدم اي فنان عربي سواه من الالوان الريفيه او لون المدينه اداء عظيما مملوء بكل المقومات الدراماتيكيه ، وحتى استطيع القول بأن المؤدي العراقي ارتفع الى مستوى الذروه في الاداء الموسيقي) .
اماالمستشرق الالماني د هاينتز فقال: العراق هو الحجر الثمين في المؤتمر.
وللشاعرالمصري الكبير احمد شوقي رأيه :
هذا تراث عظيم وانت ياعراقي فنان كبير.
وماذا قالت سيدة الغناء العربي ام كلثوم :
اتمنى وجود استاذي ابوالعلا محمد ليسمع هذا الصوت الذي لم نسمع مثله قط .
الحقيقه وللتاريخ ان من يستمع لمقامات والاداء المذهل لسيد المقام العراقي ورمزه الشامخ القبانجي ان الذي ادى في مؤتمرالقاهره سنة 1932 هو غير القبانجي الذي غنى في بغداد سنة 1925 بداية انطلاقته المقاميه ...