شهداء شباط الاسود.. اسماء لامعة في ذاكرة الوطن

شهداء شباط الاسود.. اسماء لامعة في ذاكرة الوطن

عبد الرزاق الصافي
ليست المرة الاولى التي اساهم فيها في احياء ذكرى شهدائنا الابرار . وفي كل مرة اجد صعوبة في الحديث لما يثيره من اشجان وانفعالات بسبب المكانة التي يحتلها شهداؤنا الاماجد في نفوس الشيوعيين . والسبب الآخر للصعوبة هو عدم امكانية الالمام بكل الشهداء الذين التقيتهم او عملت معهم ، وخشية التقصير في الحديث عن بعضهم بسبب النسيان او عوامل اخرى .

ومع ذلك فسأخوض الحديث عن بعضهم بما يتسع له الوقت ، ذاكراً شذرات قليلة من سفرهم النضالي المجيد ، إ حياءً لذكراهم العطرة في «يوم الشهيد الشيوعي»

-التقيت الرفيق الشهيد سلام عادل لاول مرة في العام 1956 ، في اعقاب نجاح الحزب ، بقيادته ، في تحقيق وحدة الحركة الشيوعية في العراق . وكان دوره مشهوداً في ذلك . ولحظت منذ اللقاء الاول ما يمتاز به الرفيق من هدوء ودقة في طرح القضايا الحزبية والسياسية ، بالاضافة الى الظرف وروح النكتة . وتعددت بعد ذلك لقاءاتي به ايام انتفاضة الشعب العراقي لنصرة الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الانجلو- فرنسي الاسرائيلي في خريف 1956، وفي اعقاب ثورة الرابع عشر من تموز1958. عـُرف الرفيق بالاخلاص اللامتناهي للقضية التي نذر نفسه لها، هذا الاخلاص الذي تجسده رسائله لشريكة حياته الرفيقة ثمينة ناجي يوسف(ام إيمان) وحديثه معها قبل عودته من موسكو الى الوطن في العام 1962، ومن ثم صموده الاسطوري بوجه التعذيب البربري على ايدي انقلابيي 8 شباط الاسود في العام 1963 .
-الرفيق محمد حسين ابو العيس: كتلة من النشاط والحيوية ، وإيمان غير محدود بقضية الحزب . حـُكم بالسجن مع الرفيق فهد في العام 1947 . وكان من نزلاء سجن نقرة السلمان بعد اعدام الرفاق الثلاثة في العام 1949 . هرب من سجن النقرة ، وذهب الى ايران وسـُجن فيها . ورفض إعطاء البراءة من الشيوعية لاطلاق سراحه من السجن ، رغم ان بعض الرفاق الايرانيين كان يرى إعطاء البراءة ممارسة لـ»التقية» التي يؤمن بها الشيعة . كاتب سياسي مبدع وخطيب مفوّه ومحاضر جيد في الاقتصاد السياسي . إستشهد في مواجهة مع الحرس القومي بعد انقلاب شباط الفاشي عام1963.
-الرفيق حسن عوينه : كادر حزبي مرموق . جرى إعلان إعدامه، في اعقاب إنقلاب شباط ، مع الرفيقين الشهيدين سلام عادل ومحمد حسين او العيس . عمل في منظمة الحزب في الفرات الاوسط . وكان يحرر في جريدة»صوت الفرات» التي تولى الحزب إصدارها بعد الرابع عشر من تموز1958 .

الرفاق جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وعبد الجبار وهبي ( ابو سعيد)
- نظمني العبلي في العام 1952 . كتلة من النشاط والحيوية والذكاء . قال لاحد ضباط الشرطة: انك تواصل العمل الحزبي حتى لو ربطنا يدك بيد شرطي على مدار اليوم . ذلك انه كان يوقع يومياً في مركز للشرطة بسبب محكوميته بالسجن ،الذي انهى مدته،وبمراقبة الشرطة . والتقيته في العام 1956 مع الشهيد سلام عادل في اول لقاء لي بهما بعد إستعادة الحزب لوحدته قبل المجلس الوطني ( الكونفرنس) الثاني للحزب في العام نفسه . تدرج في العمل الحزبي واصبح عضواً في المكتب السياسي للجنة المركزية قبل الثامن من شباط 1963، واستشهد مع الحيدري وابوسعيد في تموز 1963 .
-اما الحيدري فقد عشت معه في سجن بغداد المركزي طيلة مدة محكوميتي من نيسان 1952 حتى شباط 1953 .منظم بارع ، وخصوصاً في ظروف العمل السري ، وكاتب سياسي مرموق . شغل عضوية المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب من خريف عام 1956 حتى تموز 1963 عندما إستشهد على ايدي انقلابيي شباط الاسود وكان على رأس القيادة الحزبية منذ شباط 63 حتى تموزمن العام نفسه.
- ابوسعيد : التقيته في سورية عام 1956، وبعد ذلك في مقر جريدة «إتحاد الشعب « العلنية بعد ثورة الرابع عشر من تموز 58 .
كان استشهاد الرفيق فهد نقطة تحول في حياة (ابو سعيد) السياسية ، وانتقاله من حزب الشعب الى صفوف الحزب الشيوعي . فقد كتب يوماً في ذكرى استشهاد فهد يقول : لقد ارقني سؤال لماذا لم يعدموني انا؟ ومن هذا السؤال ادرك اهمية ان يسير على خطى الرفيق فهد فإنضم الى الحزب الشيوعي . وابو سعيد هو الكاتب المتميز الذي جعل «إتحاد الشعب» تـُقرأ ، من قبل كثيرين من القراء ، من الصفحة الاخيرة حيث كان يـُنشرحقله اليومي «كلمة اليوم»، ويلقى إعجاباً شديداً من القراء .
عدنان البراك: التقيته قبل ان نصبح شيوعيين . فقد كنا من قراء جريدة «السياسة» ومن انصار حزب الاتحاد الوطني الذي يترأسه الاستاذ عبد الفتاح إبراهيم.
ذهبت الى الحلة في صيف 1946 لحضور محاكمة عمي جعفر الصافي الذي إتهم بقتل احدهم . وكان علينا ان نرجع الى كربلاء في نفس اليوم بعد انتهاء المحاكمة بالحكم على عمي بالحبس لمدة شهرين كان قضاها في التوقيف. إلا ان الصديق نزار كاظم الحسن ، الذي كان يسارياً عرّفني على عدد من الاصدقاء كان من بينهم عدنان البراك . وقد أصرّواعلى استضافتي ، ولولليلة واحدة في الحلة .
وفي هذه الليلة عقدوا إجتماعاً تثقيفياً في بيت الصديق منصور حسين الصافي حاضرنا فيه عدنان البراك عن الماركسية باعتبارها مرشداً في العمل النضالي . وقد استند في محاضرته على فصل في كتاب « ما هي الماركسية ؟» للشيوعي البريطاني اميل بيرنز .
وكان سُمّاع المحاضرة منصور الصافي وكاظم ناده علي ونزار كاظم وانا . وعنما انتهى عدنان من محاضرته ـالتي القاها بشكل شيّق سأل ضاحكاً : «ها خو ما بيّن الدرخ؟!»
كان عدنان يسبقني بصف واحد في الدراسة . ولذا فقد التحق بكلية الطب في العام الدراسي 1947_1948وشارك في تظاهرات الوثبة في 27كانون الثاني 48 . ولما صدرت جريدة «الاساس» كان عدنان احد محرريها المجهولين . ولما التحقت بكلية الحقوق في العام الدراسي 48/49 كان يقودخلية من طلبة الكلية كنت احد اعضائها . وفي تلك السنة صدرت جريدة «الهادي» لصاحبها الرفيق الخزرجي ، التي اغلقتها السلطات فور صدور عددها الاول. وكان عدنان من محرريها . ولما سألته لمَ لم تسعوا الى إصدارها جريدة غير صارخة الانتماء الى اليسار بل و الى الشيوعية . اجاب اننا كنا نعرف انها ستغلق حتما، ولذا قررنا نشرها بهذا الشكل . بعد ذلك اعتقل وحكم من قبل المجلس العرفي العسكري عشر سنوات ، ربما زادت وهو في السجن وخرج من السجن بعد انتصار ثورة14 تموز وكان من بين المع كوادر الحزب الاعلامية حتى اعتقاله من قبل جلاوزة الحرس القومي بعد انقلاب 8 شياط الفاشي 1963واستشهاده تحت التعذيب.