في الثلاثينيات .. ايفاد عراقي لتطوير اليمن  وتقديم النصائح لحاكمها

في الثلاثينيات .. ايفاد عراقي لتطوير اليمن وتقديم النصائح لحاكمها

أسامة مهدي ابراهيم
تقع اليمن جنوب شرق البحر الأحمر وعاصمتها صنعاء، وقد حكم اليمن الزيديون في القرن الثالث الهجري حيث هاجر يحيى بن الحسين الرسي من العراق إلى اليمن وأخذ يدعو الناس الى المذهب الزيدي وأقام في (صعده) وكانت اليمن تشمل عمان حضرموت حتى الحجاز وعسير وقسم من تهامة.
استمرت العلاقات بين العراق واليمن حثيثة في مختلف المجالات، فأوفد ثابت عبد النور إلى اليمن في 26 تشرين الثاني عام 1938 كمستشار للامام يحيى للمساهمة في تطوير اليمن وتقديم المشورة لها،

وخلال مقابلته للأمام يحيى أبلغه أن حكومة العراق وعلى رأسها الملك غازي قد أنتدبه في تقوية صلات الأخوة وتأييد الحلف الذي رفع به العرب رأسهم بين شعوب الأراضي المتمدنة

وأضاف"ونظراً لما مشهود عن حميتكم للقومية وغيرتكم على الدين الحنيف فأني أسأل الله أن يوفقني للقيام بالمهام التي تشرفت بالعمل لتحقيقها في هذه البلاد التي تعز علينا كثيراً". وقد رد الأمام يحيى مرحباً وداعياً إلى التعاون وقال:"أننا نعتز بحلف الأخوة ومن الواجب أن ننتبه إلى تأكيد علاقات المودة ونعمل للاستفادة مادياً من عواطف البلاد".
وخلال المقابلة جرى استعراض شامل للعلاقات بين البلدين والأوضاع العربية والحلف العربي، وأهمية النضال المشترك للعرب والقضية الفلسطينية وأكد الأمام ثقته بالمـلك غازي وبمواقفه القومية وانه سيكون رهن إشارته لتحقيق الاهداف العربية العليا واستعادة مكانة الامة العربية في العالم وقال:"اننا يجب ان نتلافى ما فات ومن الضروري ان يدرك العرب معنى التعاون فقد امرنا به شرطا وعقلاً"، ومن المواضيع التي تناولها الامام يحيى مع ثابت عبد النور:
1- قلق الإمام يحيى على ما يلاقيه العرب في فلسطين من عسف وتدمير، وقال اننا نسأل الله ان يعيننا لإنقاذ القدس.
2- استفسر الامام عن اهمية نفط العراق، وقال ان بعض الجيولوجيين الذين كشفوا اليمن قالوا انه يؤمل وجود نفط فيه واخبرني عن الاماكن التي اشير إليها والى الصخور والأحجار الزيتية الموجودة في اليمن.
3- تكلم الامام عن حذره الشديد من الاجانب الذين يدخلون اليمن بحجة الامتيازات وسأل عن كيفية تأليف شركات النفط في العراق، وعن الكميات التي اكتشفت فيه.
4- سأل الامام عن درجة تقدم الميكانيك في العراق وكيفية تطور الزراعة على نهر دجلة والفرات.
5- استعلم عن القير العراقي وعن درجة استفادة العراق منه في تعبيد الطرق. وكذلك أعرب عن سروره العظيم لتراجع الانكليز عن سياسة البطش بالعرب ويكرر"بارك الله فيك"وأعرب إنه"لايطلع على اخبار الراديو".
دأب ثابت على ارسال الكتب والتقارير الى وزارة الخارجية العراقية عن احوال اليمن وعن طبيعة عمله في اليمن وعن حالة اليمن الاقتصادية والعلمية ومنها حالة الامام الصحية والقضية الفلسطينية ورد فعل الامام حول لجنة التقييم وموقف الحكومة اليمنية منها، وانتشار الأمراض في اليمن ومنها مرض الملاريا واصبحت بعض القرى خالية من السكان"وللأسف لا ادري كيف يمكن تشخيص الأمراض اذ كان لايوجد في كل اليمن سوى خمسة أطباء أجانب أربعة ايطاليون وواحد انكليزي".
والجدير بالذكر بانه لاتوجد في اليمن سوى صيدلية واحد في صنعاء ومستشفى واحد، وأيضاً عمل الاطباء العراقيين هناك، ووصفه بانه"أقل انتظاما من مستشفيات الحيوانات في العراق"وقلة الادوية وانتشار الأمراض وحتى أن أعداد الموتى يتراوح يوميا (8-40) شخص في قرية صغيرة مثل بلدة (حبس) واهم الامراض الملاريا والتراخوما والتيفوئيد وغيرها. والبعثات العلمية في اليمن قليلة سوى سبعة طلاب أرسلهم الى الخارج ليدرسوا الطب، والتمريض في اليمن شبه منعدم ففي كل اليمن توجد ممرضتان فقط.
توطدت علاقة الامام مع ثابت عبد النور الذي اصبح يستشيره في الامور المهمة ودعا حكومته الى تأليف لجنة لوضع الاسس العلمية لتنفيذ المعاهدة مع العراق، وطلب من العراق ايلاء الحلف العربي اهتماما اكبر لما فيه مصلحة البلدين، وقد ابلغ ثابت عبد النورالحكومة العراقية عن جهوده في اليمن، وقال:"اليمن بلد فقير ولشعبه ذكاء وقاد وصبر عجيب وجد يستوجب الفخر لجميع البشر".
اقترح ثابت عبد النور على الامام يحيى تأليف لجنة لشؤون الاصلاح الاقتصادي، وفعلاً تم تأليف هذه اللجنة التي ضمت أشخاصاً يعتمد عليهم الإمام وسميت هذه اللجنة"باللجنة الملكية"وأصبح سيف الإسلام علي بن الإمام يحيى رئيساً لها، وعد ثابت عبد النور ثقة كهذه في بلاد اليمن التي اشتهر رجالها بالحرص على إبقاء كل أمر"طي الكتمان نعمة كبرى"، وقد اجتمعت اللجنة ومعهم ثابت عبد النور وتذاكروا في أمر إيجاد عملة وطنية وإنقاذ اليمن من العملة النمساوية (كانت متداولة في ذلك الوقت) التي تقضي على ثروة المملكة قضاءاً مبرماً وكذلك موضوع الميزانية وحجم الصادرات والواردات وصعوبة الوصول الى تلك المعلومات التقريبية عنها.
أستطاع ثابت عبد النور إقناع الامام يحيى بإبدال العملة النمساوية بعملة وطنية مماثلة أو موحدة مع العملة العراقية من كل الوجوه وأسهم ثابت عبد النور في إنشاء غرف التجارة في اليمن التي صدر قانونها وشرع في تنفيذه في بداية نيسان 1939.
انتهت مهمة ثابت عبد النور في المساعدة وتقديم المشورة لليمن، فأرسل الإمام برقية الى الملك غازي يرجو فيها تمديد مدة إيفاد ثابت في اليمن للمساعدة في دراسة المشروعات اللازمة للإعمار والتنمية الاقتصادية الادارية وقد أستجاب الملك غازي لرغبة الإمام وأبرق الى ثابت في البقاء في اليمن لمدة شهر.
وعند انتهاء الشهر طلبت اليمن مجدداً تمديد خدماته، وأبرق الامام مرة أخرى يطلب منه، المساعدة في ابقاء ثابت عبد النور في اليمن للمساهمة في تقديم المساعدة والمشورة لتنفيذ بعض المشاريع الاصلاحية التي اقترحها وبدأت بتنفيذها لأنه لايوجد من يستطيع أن يشرف عليها من اليمنيين، فوافقت الحكومةالعراقية على ابقائه لمدة مؤقته، وطلبت من الحكومة اليمنية أن أرادت بقائه بصورة دائمة أخبارها بذلك.
وأعلنت الحكومة اليمنية عن رغبتها في بقاء ثابت عبد النور مؤقتاً نتيجة لخدماته التي نالت رضا وشكر الحكومة اليمنية وعلى رأسها الامام يحيى، كما أخبرت حكومة اليمن الحكومة العراقية بأنها لا تمانع في عودته الى مقر عمله في جدة على ان يعود ثانية اليها، لإتمام مهمته في مساعدة اليمن.
عاد ثابت عبد النور الى مدينة جدة منتصف عام 1939 لممارسة عمله في المفوضية العراقية، وبعد مدة وجيزة مرض فقدم طلبا الى الحكومة العراقية للسماح له بالسفر الى المانيا للعلاج هناك، وعلى اثر الحرب العالمية الثانية1939طلبت حكومة العراق من رعاياها بالعودة الى العراق، الا ان ثابت عبد النور رفض العودة وبقي في المانيا الامر الذي ادى بحكومة العراق ان تصدر ارادة ملكية بتنحيته من منصبه من سلك الخدمة الخارجية.
عن رسالة (ثابت عبد النور ودوره الفكري)