قدوري والموسيقى الفولكلورية

قدوري والموسيقى الفولكلورية

د. حسين علي محفوظ
يعتبر الطفل في الحياة كيانا مهما جداً تتوقد حوله انهار نور، وتحيط به ينابيع حنو، وتنهل به غمائم المحبة والرحمة.
وهو يحتل في المجتمع الراقي مركزاً في غاية الرعاية والعناية والتقديس. ويستوي في المجتمعات عموماً على عرش زاه من الحب والحنان والعطف.

هو رجاء الوالدين، وامينة الأم، وامل الاسرة، يشغل به البيت وليداً ورضيعاً وصبياً ويافعاً.
وللطفل في اوربا والعالمي الغربي موضع لا يسمو إليه بصر بطرفه، هو شان لا يشبه شان، ومكان لا يشكاله مكان، ومحل لا يماثله محل.
ويحتل الطفل في التراث العربي والاسلامي مقاما عليه حجاب النور، وهو على العلو، مرتفع كل الارتفاع، يشير إلى النظرة الواعية، والافق الواسع، والخصب والادراك العميق والاصالة المعرفة، والتفكير الرحيب.
وقد ورث المأثور الشعبي بعض هذه الجوانب فازدحم الفولكلور بالامثال والاغاني والقصص والحكايات والاقوال والاشعار، وتمتع الطفل بهذا المجال الرحب فغنّى، وهزج، وأنشد، ولعب، ورقص. وقد ادركنا نحن طرفا من اخريات هذه المظاهر الجميلة ثم ارخت مطالع الحضارة الجديدة سدولها على كل ذلك شيئاً من بعضه، وتكاد هذه تذكر اطرافاً من صوره، وتوشك تلك ان تستذكر جملة من الفاظه او معانيه. وغابت عنا تلك الحياة الممتعة المطمئنة الراضية المرضية، واغضى عليها الليل لولا افراد هنا وهناك وهنالك، في هذه البلدة، أو تلك القرية، او ذلك الريف، في حواشي البلاد، واعماق البطاح، وطور المرانغ، واسنمة الجبال، يحفظون ما بقي، ويروون ما حفظ.
ولقد اهتم بعض الباحثين بجمع ما قدروا على الوصول إليه من هذا النمط البديع من أدب الطفل وسيرته وهي كتب معدودة في راسها عمل المرحوم عبد الستار القره غولي المتوفي سنة 1961 وهو كتاب”الالعاب الشعبية لفتيان العراق، الذي طبع ببغداد سنة 1935م. فقد جمع في كتابه الصغير النادر هذا عددا من الالعاب واغانيها، وزينة بصور تخطيطية توضح تلك اللعب ونشرحها.
وطلع علينا في سنة 1979 م الجزء الأول من كتاب الموسيقار الملحن الباحث الاستاذ حسين قدوري وهو من منطقة فولكلورية لا تزال تحتفظ بشيء من اريج الماضي، وعبقته، وطيبه. ولا تزال بساتينها نزهة الطرف، وبهجة البصر، وراحة العين، وسرور النفس، وسكينة الروح، وطمأنينة القلب.
تمتاز المسيب بمكانة خاصة في التاريخ ترجع إلى اواسط القرن الاول الهجري او اواخر القرن الخامس للهجرة في رأي آخر. فالسيد عبد الرزاق الحسني يرى ان المسيب منسوبة إلى المسيب بن نجبة الفزاري في صدر الإسلام. ومصطفى جواد يرجع انها سمّيت باسم المسيب اخي دبيس بن صدقة صاحب المحلة التي بنيت في سنة 495 هـ.
وهي - على كل حال – مدينة قديمة اصيلة جميلة حلوه على رغم تقادم العهد. جاوز عمرها ثلاثة عشر قرنا إذا اعتمدنا القول الاول. او نيّف على تسعة قرون اذا مشينا مع القول الآخر.
توحي هذه البلدة الطيبة الى اهلها وسكانها بالماضي الجميل الاصيل. وتحتفظ بما لم تستطع الحياة الجديدة ان تزيله من عاداتها ورسومها وادابها وفولكلورها.
نشأ الاستاذ حسين قدوري في هذا المحيط الرائع فاشبعه اعجابا به وحبا فيه. واتاحت له دراسته الجامعية في اوربا ان يسلك المنهج العلمي في تصنيف ما جمع من لعب الاطفال – واغانيهم في العراق. وقد عبّرت الزميلة استاذته السيدة ايلونا بور شوي عضوة معهد العلوم الموسيقية التابع لاكاديمية العلوم المجرية في بودابست في مقدمتها الشاملة التي كتبتها سنة 1975 وصدر بها المؤلف الجزء الاول من كتابه عن الاهمية الكبيرة التي يمتاز بها كتاب حسين قدوري مادة ومنهجاً.
جمع حسين قدوري الالعاب والاغاني، ووثقها، وشرح كلماتها، وضبط لحنها بالنوطة الحديثة، وكتب الفاظها بالحروف اللاتينية.
اطلعت على الجزء الاول في 494 اشار المؤلف في تصديره انه جمع (500) لعبة شعبية من البادية والريف والمدينة تمثل ثلاث مراحل. وقد احصى سماتها فوجدها سنا. وقال في موضع آخر انه دوّن أكثر من (250) اغنية.
يسعى حسين قدوري لهدف اعلى سماه (المذهب العربي الموحد للتربية الموسيقية) ويقصد غاية نبيلة هي (نظام عربي موحد للتربية الموسيقية) يمكن ان يكون كتابه البديع عن وسائلها واسبابها ومقدماتها.

مقدمة الجزء الثاني من كتاب
لعب واغاني الاطفال