نيلسون مانديلا ماركسيا

نيلسون مانديلا ماركسيا

ترجمة عبدالخالق علي
في عام 2011 نشر المؤرخ البريطاني ستيفن ايليس بحثا توصل فيه الى ان نيلسون مانديلا كان عضوا في الحزب الشيوعي الجنوب أفريقي – في الواقع عضوا في اللجنة المركزية الحاكمة. رغم ان حزب مانديلا (المؤتمر الوطني الأفريقي) و الحزب الشيوعي كانا متحالفين علنا ضد العنصرية، فان مانديلا و حزب المؤتمر الوطني كانا ينفيان ان يكون بطل تحرير جنوب أفريقيا هو نفسه عضوا في حزب. الا ان ايليس، بناءً على شهادة أعضاء سابقين في الحزب و على الارشيف المتوفر حاليا،

استطاع الإقناع بأن مانديلا انضم الى الحزب بحدود عام 1960، أي قبل عدة سنوات من الحكم عليه مدى الحياة بتهمة التآمر لأسقاط الحكومة.
أثارت هذه الأنباء بعض النقاد و منقحي التاريخ الذين أدعوا بان ذلك يقدّم حزب المؤتمر الوطني كواجهة ستالينية، و ربما أثار شعوراً بالتبرئة بين الأميركان الذين أيدوا دعم حرب حكومتهم الباردة للنظام العنصري المناهض للشيوعية.
البروفيسور ايليس ليس مدافعا عن حكم البيض – انه يشغل مقعدا جامعيا في امستردام مسمى يحمل أسم بطل آخر من المقاومة الجنوب أفريقية هو رئيس الأساقفة دزموند توتو – لكنه يؤكد ان الانتماء للشيوعيين قد أطّر إيديولوجية حزب المؤتمر الوطني بأساليب لازالت حتى يومنا هذا على نحو ينذر بالشر.
اليوم لايزال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يدّعي رسميا بانه في المرحلة الأولى من ثورة ذات مرحلتين، يقول ايليس"هذه نظرية حصلنا عليها مباشرة من الفكر السوفييتي".
في الواقع ان بقايا البروتوكول و المصطلحات الشيوعية – مثل (الرفاق) و (الثورة المضادة) – لاتزال حية في منصات و سلوكيات الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا. نظرتي الشخصية الى هذه المسألة، و التي تأطرت من تغطية الاتحاد السوفييتي من 1986 الى 1991 و جنوب أفريقيا من 1992 الى 1995، تحظى بالأحترام لكنها ايضا متحفظة في حدودها. في روسيا غورباتشوف و في جنوب أفريقيا الانتقالية، أدركت ان ما يعتنقه الناس في اجتماعات الحزب و ما يقنن في سجلاته لا يكون دائما دليلا موثوقا على ما سيقومون به أو حتى ما يؤمنون به فعلا.
لكن انتماء مانديلا الشيوعي ليس مجرد شيء قليل من حطام التاريخ، انه لا يبرر الاغواء الأحمر و من المؤكد لا يقلل من الإرث البطولي، لكنه مهم في بعض الجوانب. أولا، ان عضوية مانديلا القصيرة في الحزب الشيوعي الجنوب أفريقي و تحالفه طويل الأجل مع شيوعيين مخلصين، تحكي عن ايديولوجيته أقل مما تحكي عن واقعيته. كان متناقضا في مختلف الأوقات : وطنيا أسود، معارضا للكفاح المسلح و مدافعا عن العنف، متهورا و اكثر الحاضرين هدوء، مستهلكا للمساحات الماركسية و معجبا بديمقراطية الغرب، شريكا قويا للشيوعيين، و في رئاسته شريكا قويا لرأسماليي جنوب أفريقيا الأقوياء. التعاون المبكر لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي مع الشيوعيين كان زواجا توافقيا لحركة ليس لها الكثير من الأصدقاء. كان الحزب الشيوعي الجنوب أفريقي و رعاته في روسيا و الصين مصدرا للمال و السلاح للكفاح المسلح الضعيف، و كان يعني للكثيرين تضامنا مع قضية اكبر من جنوب أفريقيا. الأيديولوجية الشيوعية سارعت في الدخول الى حزب المؤتمر الوطني حيث أصبحت جزءا من كوكتيل جنوب أفريقي فريد من نوعه مع (القوميين الأفارقة) و(الوعي الأسود) و (الليبرالية الدينية) و غيرها، ما أثار خليطا من الغضب غير المتجانس و الاستياء و التشوق. لكن في المراحل المهمة – في المفاوضات لإنهاء حكم البيض ثم في كتابة الدستور و في الحكم – خسر فصيل الوطنيين و المطالبين بالانتقام أمام مؤيدي المصالحة.
في المحادثات التي مهدت للديمقراطية، كان جو بلوفو، الزعيم المخضرم للحزب الشيوعي الجنوب أفريقي و الرجل ذو الخطاب الثوري الطليق، اكثر المؤيدين المتحمسين لمشاركة السلطة مع نظام البيض. كان المبدأ السائد هو فعل أي شيء للنهوض بقضية (جنوب أفريقي يحكمه جنوب أفريقيون). كان هذا ينطبق على مانديلا و على خليفته ثابو مبيكي. يبدو ان الرئيس الحالي – جاكوب زوما – لا يمتلك أية ايديولوجية عدا الاغتناء الشخصي.
في احدى محاكماته العديدة سئل مانديلا ما اذا كان شيوعيا، رد قائلا"اذا كنت تعني بالشيوعي عضوا في الحزب الشيوعي و شخص يؤمن بنظرية ماركس و انجلز و لينين و ستالين، و يتمسك بقوة بالانضباط الحزبي، فاني لست شيوعيا"، كان الرد متملصا و دقيقا جدا.
ربما كان أهم و أطول تأثير شخصي للحزب الشيوعي الجنوب أفريقي على مانديلا هو أنه جعله، أو ساعد على جعله، غير عنصري ملتزم. كان حزب المؤتمر الوطني خلال سنوات تشكيله لا يقبل الا السود. على مدى فترة طويلة كان الحزب الشيوعي الشريك الوحيد في الحركة الذي ضم البيض و الهنود و أعضاء مختلطي الأعراق. تلك العلاقة هي واحد من الأسباب الرئيسية التي اعتمدها مانديلا في رفضه للقومية السوداء و في إصراره على ان الأعراق المتعددة تبقى في قلب أخلاقيات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.
سبب ثالث لأهمية الانتماء الشيوعي هو انه يساعد على تفسير سبب عدم تقدم جنوب أفريقيا تجاه تحسين حياة الطبقة المسحوقة الكبيرة، و اجتثاث الفساد، و توحيد الشعب المنقسم. يمكن تفسير الفشل المتكرر لحزب المؤتمر الوطني خلال تسلمه السلطة لمدة 19 عاما، بحقيقة كونه لم ينجح تماما في الانتقال من حركة تحرير الى حزب سياسي، اذا لم نقل الى حكومة.
الحزب الشيوعي هو الملام في ذلك مثل أي شخص آخر، لكني أعتقد ان ما يعطّل قدرة حزب المؤتمر الوطني هو ليس العقيدة الستالينية أو أية عقيدة أخرى. انه شيء في الطبيعة، و في الثقافة، و في حركات التحرير. فبعد ان يوحدهم عدو مشترك، يميلون الى التآمر و إفشال الانشقاق و تفضيل الغاية على الوسيلة.
من الطبيعي في النهاية، ان يكون اكبر فضل قدمته الشيوعية لمانديلا و لحزب المؤتمر الوطني هو الانهيار
عندما تفككت الكتلة السوفييتية و تحولت الصين الى الرأسمالية، لم يعد آخر الحكام البيض لجنوب أفريقيا يشكّل حليفا ضروريا على الجانب الأيمن للحرب الباردة. كانوا يعلمون ان اللعبة قد انتهت.
عن : نيويورك تايمز