قانون حماية الصحفيين المقترح لا يضمن الشرطين الرئيسين للسلطة الرابعة: الحرية والاستقلالية

قانون حماية الصحفيين المقترح لا يضمن الشرطين الرئيسين للسلطة الرابعة: الحرية والاستقلالية

عدنان حسين
(المداخلة التي ألقيت في جلسة الاستماع التي نظمتها لجنة الثقافة والإعلام التابعة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون حماية الصحفيين في مبنى المجلس يوم السبت 30 نيسان 2011) .أود أولاً أن أصحح خطأ تصنيفي في خانة الضد، فأنا لست بالضد من حيث المبدأ من تشريع قانون يحمي الصحفيين والإعلاميين

عموماً ويوفّر لهم ظروف عمل آمنة وشروط حياة كريمة. بل إنني أقدّر كل من سعى ويسعى لتشريع قانون من هذا النوع، لكنني ضد الصيغ غير الديمقراطية الواردة في مشروع القانون هذا وضد النواقص التي ينطوي عليها. وبسبب قصر الوقت المتاح سأركز في مداخلتي على نقطتين أعتبرهما جوهريتين.
أثبتت أحداث الأشهر الأخيرة في منطقتنا العربية أن الإعلام أصبح حقاً سلطة رابعة، بعدما ظلت هذه السلطة تابعة لأنظمة الحكم، فوسائط الإعلام الحديثة والفضائيات كانت السبب المباشر في التعجيل بإسقاط نظامي بن علي في تونس ومبارك في مصر، وها هي تفعل فعلها أيضا في ليبيا واليمن وسوريا.
لكن لتحوّل الإعلام إلى سلطة رابعة شرطان رئيسان هما: الحرية والاستقلالية.. الحرية لتحقيق مضمون ما يسعى إليه الإعلام، وهو نقل المعلومات إلى المجتمع (حرية تدفق المعلومات)، والاستقلالية لضمان موضوعية الرسالة الإعلامية، فالإعلام المُوجّه والمُسيطر عليه لا يمكن أن يكون موضوعيا لأنه منحاز بالضرورة لمن يوجهه ويسيطر عليه.
مشروع القانون المقترح لحماية الصحفيين لا يحقق للإعلام العراقي والعاملين فيه الحرية والاستقلالية، فهو منذ المادة الأولى يقيّد الإعلامي بأغلال الانتماء لنقابة محددة هي نقابة الصحفيين. إلزام الإعلامي، أو أي مواطن، بالانتماء إلى منظمة، أي منظمة سواء كانت سياسية أو اجتماعية، هو تعسف ومصادرة لحريته ولحقه في الاختيار وتجاوز على استقلاليته. وهذا ما يتعارض مع مواد الدستور الذي نص في البند (ثانيا) من المادة 39 على ما يأتي: "لا يجوز إجبار أحدٍ على الانضمام إلى أي حزبٍ أو جمعيةٍ أو جهةٍ سياسية، أو إجباره على الاستمرار في العضوية فيها". وبهذا فان الدستور يكفل الحق في عدم الانتماء لنقابة الصحفيين أو لغيرها، وبالتالي فان كل النصوص الواردة في مشروع القانون والتي يرد فيها ذكر نقابة الصحفيين أو نقيب الصحفيين تتعارض مع مادة الدستور هذه لأنها تشكل قيوداً مفروضة على الإعلامي وترغمه على ما قد لا يرغب فيه.
وبالإضافة إلى الحق في الحرية، فان مادة الدستور هذه تنطلق من حقيقة أن المنظمات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، يُوجدها الناس وليس هي التي تُوجد الناس، وبالتالي فان الناس أحرار في الانتماء وفي عدم الانتماء إلى أي من هذه المنظمات، كما أنهم أحرار في تشكيل النقابات والجمعيات على وفق ما يَرتأون هم وليس على وفق ما يُرتأى لهم، وقد كفل الدستور الحق في تأسيس النقابات والاتحادات المهنية على نحو مطلق، أي انه كفل لكل مجموعة أن تشكل نقابة أو اتحاداً مثلما كفل لكل مجموعة أن تؤسس حزبا أو جمعية سياسية. ينص البند (ثالثا) من المادة 22 من الدستور على ما يأتي:"تكفل الدولة حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية، أو الانضمام إليها، وينظم ذلك بقانون"، ولا ترد هنا أية إشارة إلى انه يجب أن يكون لكل قطاع أو مجال نقابة واحدة حصراً.
نقابة الصحفيين شكّلها صحفيون كانوا موجودين قبل أن تُوجد النقابة، هم الذين أعطوها صفتها وشرعيتها، أي يمكن أن يكون المرء صحفياً من دون نقابة للصحفيين أو من دون أن يكون عضواً في هذه النقابة، ومنذ عام 1869 كانت هناك صحافة وصحفيون في العراق ولم تتأسس النقابة إلاّ في عام 1959، ولا يعني عدم وجود نقابة عدم وجود الصحفيين ، بل كان هناك أساطين في الصحافة لزمن طويل قبل إنشاء النقابة، وبالتالي فليس من العدالة والإنصاف والحرية والديمقراطية ألاّ يُعترف بالصحفي إلاّ إذا كان عضوا في النقابة كما يقرر مشروع القانون.
في كل الدول الديمقراطية تتعدد النقابات والمنظمات والجمعيات في المجال الواحد مثلما تتعدد الأحزاب، سواء كانت يمينية أو يسارية او وسطاً. والقانون المقترح يعود بنا إلى عهد النظام الشمولي المنهار، ففي النظام الشمولي فقط تكون هناك نقابة واحدة لكل قطاع أو مهنة أو صناعة من أجل تحقيق هيمنة ذلك النظام عليها، وهذا ما كان في العراق طوال أكثر من ثلاثين سنة.
من ناحية أخرى يبدو مشروع القانون كما لو انه يسعى لاستمالة الإعلاميين بتوفير بعض الامتيازات المادية لهم، فالمادة 13 منه تقترح منح عيال من يستشهد من الصحفيين من غير الموظفين أثناء تأدية واجبه أو بسببه أو نتيجة لعمل إرهابي راتباً تقاعدياً مقداره 500 الف دينار، ومنح من يتعرض الى إصابة تكون نسبة العجز فيها 50% فأكثر أثناء تأدية الواجب أو بسببه أو نتيجة لعمل إرهابي راتباً تقاعدياً مقداره 250 ألف دينار. والمادة 14 تقترح توفير العلاج المجاني للصحفي الذي يتعرض الى إصابة نتيجة عمل إرهابي أثناء تأدية واجبه. ان هذا يتعارض مع أحكام الدستور التي تقضي بالمساواة في الحقوق بين كل العراقيين، والمادة 14 من الدستور تؤكد هذه المساواة "دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي". والقانون المقترح يريد تمييز الإعلاميين عن غيرهم من الفئات الاجتماعية. فمن المنطقي السؤال: ولماذا لا يُمنح العامل أو المهندس او الطبيب غير الموظف مثل هذه الامتيازات إذا ما تعرض لظروف مماثلة؟
إن حماية الإعلامي يجب أن تنطلق من مبدأ حق المجتمع في المعرفة وحرية تدفق المعلومات إليه، وهو ما يعني حق الإعلامي وواجبه في القيام بمهمته (نقل المعلومات الى المجتمع بحرية)، فالإيمان بهذا المبدأ يُلزم الدولة وكل مؤسساتها وكذلك مؤسسات القطاع الخاص والمنظمات المدنية بتقديم المعلومات الى الإعلامي دون أي قيد أو شرط ويلزم الإعلامي بنشر هذه المعلومات وفقاّ لقواعد المهنة وأخلاقيات العمل الإعلامي. أما حمايته مادياً فلا تكون بمعاملة مادية مميزة له في حالات خاصة، وإنما بتشريع قانون يؤمن له حقوقه كمواطن وكعامل ويضمن مستقبله ومصير عائلته. وفي ظني ان هذا يتأتى من خلال شمول الإعلاميين بقانون العمل والضمان الاجتماعي لتكون لهم الحقوق نفسها التي يتمتع بها المشمولون بهذا القانون، أو يمكن العودة الى نظام صندوق تقاعد الصحفيين الذي كان معمولاً به في السابق، ولكن بصيغة جديدة تضمن حصول الإعلامي وعائلته على العون المادي ليس فقط عند التقاعد وإنما أيضاً في حالات العطالة والمرض والإصابة أثناء العمل والوفاة. وتأتي موارد الصندوق من مساهمات الإعلاميين (الاستقطاعات من رواتبهم) ومن مؤسساتهم(مساهمات ثابتة) ومن الدولة أيضاً. ويكون هذا الصندوق هيئة مستقلة ليست تابعة لا للحكومة ولا للنقابات ولكنها تخضع لإشراف الدولة لضمان حسن إدارتها.
إن عدم وجود قانون ينظّم حقوق الإعلامي يعني عدم تمتع الإعلامي بالاستقلالية اللازمة له، ما يجعله خاضعاً لإرادة الغير. وعدم استقلالية الإعلامي تعني عدم استقلالية الإعلام كوظيفة اجتماعية وكسلطة رابعة.